رئيس مجلس الرئاسة في خطابه بمناسبة العيد الثلاثين لثورة 14 أكتوبر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين…
الأخوة المواطنون الأحرار في ربوع الوطن.. وحيثما تكونون..
في غمرة ابتهاج شعبنا واحتفالاته بأعياد الثورة الخالدة..يسعدني أن أحييكم باسمي وباسم الأخوة أعضاء مجلس الرئاسة.. بتحية انتصارات الحرية والديمقراطية والوحدة وأن أتحدث إليكم اليوم.. بمناسبة العيد الثلاثين لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشامخة لتكتسح ظلام الاستعمار، فعلى وهج الثورة خاض شعبنا الكفاح المسلح ضد المستعمر على امتداد أكثر من أربع سنوات.. قدم خلالها التضحيات الجسيمة على درب الحرية والاستقلال وكان جلاء المستعمر من أرضنا اليمنية الطاهرة انتصاراً عميقا مترابطا بانتصار دحر النظام الاستبدادي الإمامي الذي حققه شعبنا في يوم الـ 26 من سبتمبر عام1962م وبدأ مسيرته الجديدة مع الحياة متحملاً مسؤولياته في مجرى النضال الوطني الغني بصور البطولة والتضحيات والمآثر الجليلة.. وشهداء الحركة الوطنية وحرب التحرير ومعارك الدفاع عن الثورة والجمهورية. إن الثورة اليمنية فريدة في القرن العشرين فقد حدثت ثورات كثيرة في هذا القرن..وكان كل شعب إما أن يثور ضد نظام غاشم أو سلطة استعمارية ولكن قدر شعبنا أن يخوض الثورتين معا ضد الإمامة والاستعمار ومع تشبث الأعداء بالبقاء ومحاولات إجهاض الثورة فقد شاء الله للثورة اليمنية ” سبتمبر وأكتوبر ” أن تنتصر..وأن ترتفع راياتها شامخة في كل ربوع الوطن اليمني.
يا أبناء شعبنا الكرام:
لقد تجسدت وحدة الثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر في تواصل انتصاراتها وتأكدت باندحار الأعداء وخروج المستعمر في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م من عدن الباسلة التي ظلت محطة لأطماع المستعمرين في الوقت الذي اشتدت فيه قبضة أعداء الثورة في محاصرة العاصمة صنعاء لمدة سبعين يوماً ولكن رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه دحروا ذلك الحصار في ملحمة بطولية خالدة قدم فيها شعبنا كوكبة من الشهداء الأبرار.
ومن وحدة الثورة وكفاح الشعب المنبثقة من وحدته الأزلية أرضاً وإنساناً ؛ تواصل النضال الوطني ليتوج انتصاره العظيم في يوم 22 مايو 1990م بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي مثلت إصلاحا لمسار التاريخ وحصنت الوطن من التمزق والشتات وجمعت قوة الشعب كله في بوتقة واحدة ليواصل عطاءه من أجل تحقيق كل غاياته وطموحاته الإنسانية وليقف وجهاً لوجه أمام تحدي صنع التحول الاجتماعي والاقتصادي والحضاري في ظل راية الجمهورية اليمنية.
إن الوحدة لم تكن مجرد معجزة وطنية تحققت على الأرض اليمنية بل كانت إنقاذ من كابوس التشطير الرهيب وطوق النجاة من طوفان لا يرحم اجتاح العديد من الدول في اكثر من مكان في العالم ومع الوحدة جاءت الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية حصانة حضارية للدولة اليمنية..
ليمارس الشعب حقه في حكم نفسه بنفسه من خلال الالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة وترسيخ الشرعية الدستورية في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع.
الأخوة المواطنون الأوفياء:
لقد كان من حق الشعب هو أن يحقق نصر الوحدة ويؤكد التزامه العملي بالنهج الديمقراطي وأن يطمئن على حاضره ومستقبله.. ويتطلع إلى تحقيق كل طموحاته وغاياته ولكن الواقع العملي لدولة الوحدة واجه الكثير من التحديات والصعوبات خلال الفترة الانتقالية وما زال يواجهها بالرغم من نجاح انتخابات السلطة التشريعية في 27 من أبريل الماضي.. حيث كان كل طرف من القوى السياسية يحاول فرض رؤيته على الواقع وهو ما عكس نفسه سلباً على مسيرة مؤسسات الدولة على مختلف الأصعدة واعتمد كل طرف على تسجيل المواقف واللجوء إلى المكايدة السياسية التي كان يجب أن تتوقف عند المحطة المشرقة لذلك اليوم التاريخي الخالد الذي نتج عن قيام تجربة الائتلاف الحكومي بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمنى للإصلاح وفتح الآفاق واسعة أمام قيام معارضة وطنية حقيقية تتحمل مسؤولياتها وتقوم بدورها في مسيرة البناء الوطني ويتحقق بذلك القضاء على الازدواجية بين الجلوس على كراسي السلطة والعمل في صفوف المعارضة.
وإن المصارحة حول هذه المسألة الهامة تأتي حرصا منا على سلامة العمل الوطني.. سواء كان ذلك داخل السلطة أو خارجها مؤكدين بأن الوحدة قدر ومصير شعبنا الذي قدم في سبيلها التضحيات الغالية وهو حارسها الأمين ضد كل العواصف والتحديات التي يثيرها أعداء الوحدة والديمقراطية وأن القوى الوطنية التي انتصر لها الشعب في صناديق الاقتراع لابد أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية.. وأن تكون وفية لإرادة الشعب ملتزمة بكل ما يتفق عليه من أجل المصلحة الوطنية العليا.
الأخوة المواطنون الأحرار:
إن عجلة التاريخ التي أخذت تتقدم في مسارها الصحيح منذ فجر يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م لا يمكن الانحراف بها أو إيقافها.. وسوف يصونها الشعب ويدافع عنها ويواصل انتصاراته في كافة مجالات البناء الاقتصادي والتغيير الاجتماعي والرقي الحضاري بإذن الله. وإذا كانت السنوات الماضية من ذلك التاريخ قد برز فيها تطور العمل السياسي من خلال الممارسة الديمقراطية في ظل التعددية السياسية وتداول الرأي والرأي الآخر.. إلا أن الحاضر الذي هو طريقنا إلى المستقبل بحاجة إلى تفعيل الجوانب الاقتصادية التي يتوف عليها تلبية احتياجات المواطنين باعتبارها الميادين المعبرة عن اقتدار وحرية الفرد وقوة المجتمع لتتفرغ الدولة بأجهزتها المختلفة للمهام السيادية والاستراتيجية.. من خلال مؤسساتها الشرعية دون أي التفاف عليها.. وتكريس الجهود من أجل تحقيق الأمن والاستقرار وكفالة العدل.. ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين.
وفي هذه المناسبة نعبر عن آمالنا في أن تقوم السلطة التشريعية بمسؤولياتها الكاملة ومواصلة مهماتها التشريعية إلى جانب الاهتمام بالرقابة على السلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة حتى لا تكون هناك أي ثغرة ينفذ منها أصحاب الضمائر الفاسدة والمصالح الشخصية والرغبات الأنانية.. وكل من لا يحترم النظام والقانون ولا يصون المال العام ولا يحترم حقوق الوطن والمواطنين كما يجب على الحكومة أن تقوم بمسؤولياتها في إصلاح الاختلالات والاعوجاج في كافة مرافق الدولة وأن تنهض أجهزة الرقابة الرسمية بدورها في الكشف عن المخالفات ومظاهر الفساد والرشوة.. وتقديم مرتكبيها أياً كانوا إلى أجهزة العدالة.
الأخوة المواطنون الأحرار:
أجدد التهنئة لكم بهذه المناسبة وأشد على أيديكم أينما كنتم في أي مرفق من مرافق العمل والإنتاج ومن خلالكم أتوجه بالتحية لأبناء القوات المسلحة والأمن الأبطال في كل مواقع الفداء والتضحية والبذل وميادين الإعداد والتدريب.. الذين سجلوا أنصع صفحات البطولة من أجل الانتصار لإرادة لشعبنا في الثورة والحرية والاستقلال والوحدة.. مؤمنين بأن هذه المؤسسة الوطنية الباسلة ستظل رمزاً للوحدة الوطنية.. ويجب أن تظل محايدة وبعيدة عن الصراعات السياسية بين الأحزاب باعتبارها ملكا للشعب ودرعاً واقياً لسيادة الوطن والحامي للشرعية الدستورية.. وهي صمام الأمان لاستقرار الوطن والحفاظ على وحدته واستقلاله ومسيرته الديمقراطية.
سائلين من الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد وأن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه خير الوطن وسعادة الشعب ورخائه وتقدمه وأن يتغمد – بواسع رحمته وغفرانه – كل شهداء الثورة والجمهورية إنه سميع مجيب…وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..