رئيس مجلس الرئاسة في بيانه السياسي بمناسبة العيد الثاني للجمهورية اليمنية
بسم الله الرحمن الرحيم
القائل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
” صدق الله العظيم”،
الأخوة/ المواطنون الأحرار:
يا جماهير شعبنا اليمني العظيم في كل مواقع العمل والبناء يا أبطال القوات المسلحة والأمن في معاقل الشرف والبطولة.. في كل أرجاء الوطن.
يسعدني في هذه اللحظات المجيدة من تاريخ شعبنا اليمني التي يعيش فيها أفراحه وابتهاجاته بعيده الوطني العيد الثاني للجمهورية اليمنية.. أن أتوجه إليكم باسمى وباسم الأخوة أعضاء مجلس الرئاسة بأخلص التهاني القلبية الصادقة بهذه المناسبة الغالية التي صنع فيها شعبنا فجره الوحدوي في 22 من مايو 995 ا م.. وأنهى وإلى الأبد حالة التشطير الموروثة من عهود الإمامة والاستعمار.. وأعاد للوطن الحرية.. وحقق الهدف الاستراتيجي الذي راود مختلف أجيال الحركة الوطنية المعاصرة.. وجعلته الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر في مقدمة أهدافها ومبادئها السامية.. التي تعمدت بالدماء الطاهرة وبالتضحيات الجسيمة لكل الوطنيين اليمنيين الذين ظلوا أوفياء للمبادئ دون أن تضعف إرادتهم أمام الصعاب والمؤامرات التي استهدفت تكريس التجزئة السياسية للوطن.. وإبقاء شعبنا ضعيفا وممزقاً ومشتت القوى والقدرات..
أيها الأخوة المواطنون:
لقد أنجز شعبنا انتصاره الوحدوي العظيم بعد معاناة مريرة ونضال طويل وصارت الوحدة حقيقة ساطعة في حياته، وكان ميلاد الجمهورية اليمنية هو التتويج العظيم للتضحيات الغالية وللحوارات الديمقراطية السلمية التي امتدت عبر مسيرة الثورة اليمنية.. والتجسيد الواقعي للإرادة اليمنية الحرة.. والتعبير الناصع عن خلق هذا العصر، ذلك أن الأسس التي قامت عليها الدولة اليمنية الجديدة تمثل أصدق تعبير عن مقومات الدولة الحديثة تشريعاً وإدارة وتنظيماً في ظل الشرعية الدستورية ومبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة، حيث تزامن قيامها مع جملة من الأحداث والمتغيرات الكبرى التي شهدها عالم اليوم خلال السنوات الأخيرة ليؤكد الأصالة الحضارية لشعبنا اليمني. واقتداره على احتلال موقعه اللائق به بين الأمم.
يا أبناء شعبنا ا ليمني الكريم:
لقد مضى عامان منذ قيام الجمهورية اليمنية وهي فترة قصيرة بحسابات الزمن.. لكنها عظيمة بحسابات التاريخ والإنجاز، وعلى الرغم من أن العامين المنصرمين شهدا أحداثاً عربية ودولية كان لها تأثيرها الكبير على الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلادنا.. إلا أننا أنجزنا- والحمد لله- عملاً كبيراً لترسيخ دعائم دولة الوحدة وسط عواصف وتحديات كبيرة أحاطت بها منذ الأشهر الأولى لقيامها، ويحق لشعبنا اليوم أن يفخر بما قطعه من شوط كبير على طريق استكمال بناء أسس الدولة وتوحيد هيئاتها وأجهزتها في المجالات التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها، حيث تم إنجاز عدد كبير من القوانين التي حلت محل القوانين الشطرية.. وأصبح سوق العمل ورأس المال واحداً على امتداد الوطن اليمني الكبير.. وتحققت خطوات كبيرة في مجال تهيئة الظروف المناسبة لتشجيع الاستثمار الحر للرأسمال الوطني والعربي والأجنبي.. وتفجرت ينابيع النفط والغاز في أكثر من موقع على امتداد ساحة الوطن.. وانفتحت آفاق جديدة أمام مستقبل التنمية والاستثمار في بلادنا ما كان لها أن تظهر بهذا التسارع والاتساع لو بقى الوطن مجزأ وممزقاً وسوف تشهد الأشهر القليلة المتبقية من الفترة الانتقالية مزيداً من العمل في مجال إنجاز عدد آخر من التشريعات والقوانين الجديدة وفي طليعتها قانون الانتخابات العامة.. وقانون تنظيم حمل السلاح.. وقانون هيئات التعاون الأهلي للتطوير، كما ستكرس الحكومة جهودها لتصحيح الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني.. سواء ما يتعلق منها باختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.. أو الفجوة الهائلة بين النفقات والإيرادات.. أو العجز في الموازنة العامة والميزان التجاري.. أو مظاهر الخلل الإداري وغير ذلك من المشاكل والمصاعب التي نتطلع إلى التغلب عليها من خلال تطبيق برنامج البناء الوطني والإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والمالي .
يا جماهير شعبنا المناضل:
لقد شهدت البلاد خلال العامين المنصرمين تحولات هامة تمثلت في اتساع نطاق الممارسة الديمقراطية.. حيث أنشئت العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية والنقابات.. وانتشرت المقرات الحزبية بصورة علنية في مختلف محافظات ومديريات الجمهورية. وصدرت أعداد كبيرة من الصحف والمطبوعات الحزبية والأهلية في إطار التعددية السياسية.. وتجسدت في واقع الممارسة الديمقراطية أشكال سلمية عديدة للتعبير عن الآراء والأفكار، وقد أدت هذه التحولات إلى بروز دور جديد للرأي العام في حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وإلى وجود واقع جديد في ظل المناخات الديمقراطية والتعددية السياسية. غير أن كل تلك التحولات الإيجابية لم تخل من بعض السلبيات والأخطاء ومحاولات الابتزاز السياسي التي رافقت تجربتنا الديمقراطية التعددية.. بالإضافة إلى مؤامرات القوى المعادية التي لا ترغب في أن يكون لليمن خيارها الديمقراطي الحر وهو ما يفسر حدوث بعض الظواهر الغريبة عن أخلاق وتقاليد وقيم شعبنا المتمثلة في الاغتيالات السياسية وأعمال التخريب والإرهاب.
ومهما يكن الأمر فإننا نجدد التأكيد على إيماننا الراسخ بأن الديمقراطية لا يمكن معالجتها إلا بمزيد من الديمقراطية.. أما الأعمال التي تندرج ضمن الجرائم المهددة لأمن الوطن واستقراره ووحدته الوطنية فإننا سنواجهها بحزم.. ومن خلال الوسائل الشرعية الكفيلة بإعلاء سلطة النظام والقانون.. والتصدي لكل من تسول له نفسه النيل من أمن الوطن أو التآمر على نهجه الديمقراطي وسيادته الوطنية، مؤمنين بأنه لا ديمقراطية بدون حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة النظام والقانون.
ونحن على ثقة من أن جماهير شعبنا وكافة القوى السياسية سوف تصون الديمقراطية بالمسؤولية والإخلاص للوطن.. ونبذ أي ولاء لغير الله والوطن والثورة، فالحرية والديمقراطية حق للشعب ومصدر قوته وأن علينا ونحن نخوض بكل الحماس والصدق والتسامح والصبر تجربتنا الديمقراطية أن نتعلم منها جميعا.. وأن يتم تصحيح ما يقوم به البعض من أخطاء في الممارسات.. وأن يتعمق في إيمان الجميع وفي عملهم اليومي بأن الديمقراطية مدرسة حية تتشكل بها وفي رحابها الحضارية قدرة الإنسان اليمني الإبداعية، وأن التحدي الكبير في هذا الطريق هو أن نجعل من الديمقراطية تجربة خاصة بنا كشعب له صلته العميقة بممارسة الشورى.. وبالعمل الجماعي التعاوني.. وباحترام حقوق الإنسان، فهذا هو الطريق الواضح الذي يتطلب من الجميع أن يسخروا العمل الديمقراطي لما يخدم مصلحة الوطن والشعب.. ويترجم طموحات التنمية.. ويحقق المزيد من الإنجازات والانتصارات في حياة الإنسان اليمني، ويحدونا الأمل الكبير في أن يحرص الجميع على الانتقال بالوطن إلى مرحلة الشرعية الدستورية من خلال الانتخابات التشريعية لمجلس النواب القادم تطبيقا لاتفاقية الوحدة.. والتحلي بروح المسؤولية الوطنية التي تقتضي قدراً كبيراً من التلاحم الوطني ورص الصفوف.. والتنافس السلمي الشريف من خلال البرامج، مؤمنين إيماناً عميقاً بأنه لا بديل عن المشاركة الوطنية لإنجاز المهام الماثلة أمام البلاد في هذه الظروف الصعبة والتي لا يستطيع أحد أن ينجزها بمفرده ونود بهذا الصدد أن نؤكد عزم الدولة على تأمين كافة الظروف والمناخات الملائمة لإجراء الانتخابات العامة بطرق حرة وديمقراطية.. واحترام نتائج صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين..
الأخوة المواطنون الأحرار:
إن مهام البناء وتحدياته ليست سهلة أبداً.. والوطن ما زالت همومه كبيرة.. ويأتي الهم التنموي في طليعة الهموم التي ينبغي أن تحشد لها كل الطاقات والجهود من أجل تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلادنا نتيجة للظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة وبلادنا على وجه الخصوص.. بالإضافة إلى الجفاف الذي استمر سنوات متواصلة، حيث كان لكل تلك العوامل انعكاساتها وتأثيراتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والتنموية بشكل عام.. وعلى مستوى معيشة المواطنين الذين يعانون اليوم من ارتفاع الأسعار المستمر ومواجهة صعوبات الحياة.. خاصة ذوي الدخل المحدود.. مؤكدين على ضرورة أن تقوم الحكومة بكافة أجهزتها المختصة بمسؤولياتها في معالجة كافة الاختلالات وتوفير الاستقرار المعيشي للمواطنين.
الأخوة المواطنون الأحرار:
إن السمة الأساسية للدولة الفتية والشعوب الحية تتجلى فى مقدرتها على التعامل مع معطيات العصر الذي تعيش فيه.. وتمكنها من التغير والفكر بما يدور حولها على المستوى الدولي عموما وفي محيطها الإقليمي بشكل خاص.. وأنه بقدر ما يأخذ البناء الداخلي النصيب الأوفر من اهتمام الدولة فإنه لا يمكن أن يفصل أبداً عن الاهتمام الأكبر بسياسة بلادنا الخارجية التي ترتكز على مبادئ احترام السيادة والاستقلال وعدم التدخل في الشئوون الداخلية وحل جميع المنازعات بالطرق السلمية واحترام العهود والمواثيق الدولية.
وعلى هذه الأسس فإن بلادنا ستسعى جاهدة إلى أن تكون مصدر قوة وتطور ونماء لها ولجيرانها ولكل أشقائها.. وعاملاً أساسياً في تحقيق الأمن والاستقرار.. وهو ما عبرنا عنه منذ لحظة ميلاد الجمهورية اليمنية.. وما سوف نستمر في العمل من أجله ونسعى إلى تحقيقه على مستوى الجزيرة العربية والخليج ودول القرن الأفريقي بشكل خاص والدول الشقيقة الأخرى في وطننا العربي بشكل عام، متوخين دائما السعي إلى تحقيق الانسجام والتكامل بين المصالح القطرية ومصالح أمتنا العربية.
وفي هذه المناسبة نؤكد مجدداً حرص بلادنا على تسوية قضايا الحدود مع جيرانها بالوسائل السلمية والقانونية.. معبرين عن ارتياحنا للشوط الكبير الذي قطعته مباحثات الحدود بين بلادنا وأشقائنا في سلطنة عمان.. التي تجسد حقيقة أن الطريق الوحيد لتسوية منازعات الحدود بين البلدان المتجاورة هو طريق الحوار والتفاهم المشترك والاحترام المتبادل.. وضمان الحقوق التاريخية والقانونية لكل الأطراف.
يا أبناء شعبنا اليمني الكريم:
إن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية التي يشهدها الوطن العربي والعالم تتطلب نمطاً جديداً من العلاقات المبنية على التفكير الواقعي والتعاون المتبادل وتوازن المصالح.. كما يتحتم على الأقطار العربية الشقيقة أن تكون في مستوى التحديات وذلك من خلال استعادة التضامن العربي وإعلاء المصالح القومية فوق أي اعتبار آخر.. وإننا في الجمهورية اليمنية سنظل أوفياء لكل ما يحمي مصالح أمتنا ويصون سيادتها ويؤدي إلى إقامة السلام العادل والدائم في المنطقة.. والذي سيظل مرهونا بحصول الشعب العربي الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
وفي هذا الصدد.. يحدونا الأمل في أن تسفر مفاوضات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الإتحادية عن تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة التي تشكل اليوم أخطر بؤرة تهدد السلام العالمي في هذه الحملة الجديدة من تاريخ البشرية.. مؤكدين حرص بلادنا على المشاركة النشطة في المجتمع الدولي والإسهام في خدمة السلام العالمي.. وتوسيع أواصر التفاهم والتقارب بين كافة الأمم والشعوب.. والتمسك بالشرعية الدولية في ظل علاقات متكافئة ومتساوية بين الدول، أساسها العدل والحرية والمساواة.
الأخوة/ المواطنون:
إن الوحدة اليمنية هي إنجاز الشعب كله ولا تستطيع أي قوة في الأرض أيا كانت أن تنال منها.. ومن النهج الديمقراطي الحضاري الذي ترسخ بعطاءات كل اليمنيين الأحرار الأوفياء.. الذين جسدوا دائما التزامهم في تحمل مسؤولياتهم الوطنية المقدسة في كل مواقع العمل وفي كل الظروف وفي طليعتهم منتسبو المؤسسة الوطنية الكبرى.. القوات المسلحة والأمن التي ظلت منذ فجر الثورة اليمنية.. وستظل السخية في العطاءات والتضحية.. وستبقى أبداً الحارس الأمين والحريص على كل مكاسب الثورة والجمهورية والوحدة.
فلكل المقاتلين الأبطال جنود وصف وضباط القوات المسلحة والأمن البواسل أتوجه بالتهنئة القلبية الصادقة بهذا العيد الوطني البهيج.. سائلين المولى عز وجل أن يعيننا دائماً على مضاعفة الانتصارات.. وأن يتولى شعبنا برعايته وتوفيقه وهو يتقدم بخطواته النوعية والإبداعية والإنتاجية في درب الرقي الحضاري وفي حركة التقدم والازدهار..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.