رئيس مجلس الرئاسة في بيانه الهام بمناسبة أعياد الثورة اليمنية الخالدة العيد الثلاثين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والتاسع والعشرين لثورة الرابع عشر من أكتوبر
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
الأخوة المواطنون الأحرار يا جماهير شعبنا العظيم :
اليوم.. وفي هذه اللحظات المهيبة من التاريخ اليمني المعاصر يحتفل أبناء الوطن اليمني بالعيد الثلاثين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.. التي جسدت تطلعات وآمال اليمنيين نحو الحرية والكرامة والعزة والتقدم.
ويسرني بهذه المناسبة الوطنية الغالية أن أنقل إليكم باسمي وباسم الأخوة أعضاء مجلس الرئاسة أعمق التهاني والتبريكات وأن أتوجه بالتحيات الصادقة إلى كل أبناء شعبنا أينما وجدوا. في الوطن والمهجر.. وفي كل مواقع العطاء والعمل والإنتاج.. ومعاقل الشرف والبطولة حيث يقف أبطال قواتنا المسلحة والأمن حراساً أمناء على سيادة الوطن وأمن المواطنين وحماية مكاسب الثورة.
الأخوة المواطنون الأحرار :
إن الاحتفال بأعياد الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر يكتسب أهميته التاريخية ومغزاه العميق من عظمة التحول الثوري الذي صنعته الثورة في حياة شعبنا وواقع وطننا اليمني بعد كفاح طويل ومرير خاضته الطلائع الوطنية الواعية والمؤمنة بقيم ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ذلك الكفاح الذي تعمد بالدماء الطاهرة والتضحيات الجسيمة للأحرار اليمنيين والمناضلين الشجعان.. الذين سجلوا أروع المآثر البطولية النادرة في ساحات الإعدام وفي السجون والمنافي وفي كل ميادين النضال انتصاراً للإرادة الوطنية في التحرر من الإمامة والاستعمار وصاغوا بها أبدع فصول تاريخ اليمن الحديث، وصنعوا بنضالهم وتضحياتهم إشراقة التغيير الثوري الذي عم نوره كل ربوع الوطن على امتداد العقود الثلاثة منذ فجر الثورة الذي مثل النقطة الفاصلة بين ما أصبح اليوم ماضياً أسود أو بين حاضر جديد بكل المقاييس.. قطع فيه شعبنا من السنوات ثلاثين عاماً تعتبر بمقياس المنجزات والانتصارات اختزالاً لتاريخ طويل وشاق ومجيد، إن مفاخر الثورة اليمنية العظيمة أنها أعادت الأمور إلى نصابها.. وتمكن بها الشعب من أن يمتلك إرادته الحرة وأن يصوغ حياته من جديد كما شاء وكما حددتها الأهداف السامية للثورة.. التي مثلت إضاءات ساطعة لحقيقة التغيير الذي ينشده وتصوره للحياة التي يطمح إليها، وإننا لنشعر بالاعتزاز بأن تلك الأهداف قد تحولت إلى إنجازات وانتصارات ملموسة بفضل العمل والنضال والتضحيات التي قدمها شعبنا على درب الحرية والاستقلال والتقدم واستطاع من خلالها أن يقتلع من حياته صوراً قاتمة من موروثات التخلف وحقد الاستبداد وضغائن الاستعمار. ومما يضاعف الابتهاج أن الاحتفال بالعيد الثلاثين للثورة اليمنية يتحقق في ظل يمن جديد انطلق فيه شعبنا لتجسيد كل تطلعاته وأمانيه وبناء مجتمعه الجديد المتقدم. حيث انتشر التعليم العام والتخصصي المهني والجامعي في كل أنحاء الوطن.. وأصبح العلم حقا مشروعا لكل مواطن دون تمييز.. بعد أن كان حكراً على فئة معينة وانتشرت شبكات الطرق التي شقت الجبال الوعرة والوديان والسهول وشملت كل المدن والقرى لتربط أجزاء الوطن بعضه ببعض وأقيمت محطات عملاقة لإنتاج الكهرباء والمياه.. وبنيت السدود والحواجز المائية وقنوات الري الحديثة.. وتوسعت وتطورت وسائل الثقافة الحديثة.. وطرق الحصول على المعلومات وامتلكت البلاد شبكات عصرية ومتطورة للاتصالات الداخلية والدولية وأنشئت الموانئ والمطارات الحديثة.. كما انتشرت المستشفيات ووسائل الخدمات والرعاية الصحية في كل محافظات الجمهورية واكتشفت الثروة النفطية والمعدنية من باطن الأرض وأقيمت وما زالت تقام منشآت عملاقة لإنتاج وتكرير النفط واستغلال الغاز.. والخامات الطبيعية الأخرى التي أنعم الله بها على بلادنا، وسيتم ضمن احتفالاتنا بأعياد الثورة وضع حجر الأساس لعدد من المشاريع النفطية ومد أنابيب جديدة لضخ النفط من الحقول المكتشفة في عدد من محافظات الجمهورية وربط عدد آخر من الحقول النفطية المنتجة بمنشآت الإنتاج والتصدير الرئيسية.. بالإضافة إلى غيرها من المنجزات التنموية العملاقة التي أصبحت شواهد حية على حجم الإنجازات والانتصارات التي تحققت في الوطن في مختلف المجالات، ومما له دلالة كبيرة أن شعبنا استطاع أن ينجز كل ذلك.. وأن يبني دولته من نقطة الصفر وبإمكانات متواضعة ووسط تحديات ومخاضات كبيرة حتى صارت كياناً عظيماً وصار لها مؤسساتها الدستورية وأجهزتها التنفيذية.. وحضورها في المفهوم الجديد والمعاصر للدولة. الذي لا يرتهن لحاكم مستبد ولا لإرادة مستعمر مهيمن.. وإنما لإرادة الشعب وخياره الوطني المستقل. لقد كان بالإمكان أن يكون حجم تلك التحولات والإنجازات أكبر وأشمل لولا ضراوة المؤامرات والحروب المعادية للثورة والجمهورية.. والتي كانت تستهدف إيقاف حركة التغيير الثوري.. وكان لها تأثير كبير على مضاعفة المصاعب الموروثة من عهود ما قبل الثورة.. بالإضافة إلى بعض السلبيات التي رافقت مسيرة الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر.. والتي أدت هي الأخرى إلى خلق مصاعب جديدة في طريق الثورة ومسار تقدم الوطن. لكن شعبنا أثبتت بصموده وتضحياته القدرة على الدفاع عن الثورة ومنجزاتها.. والاستعداد لتجاوز كل السلبيات.. ومعالجة نتائجها وتحققت الانتصارات العظيمة التي توجت بنصر إعادة تحقيق وحدة الوطن في الـ 22 من مايو 1990 م وسوف ينطلق شعبنا استنادا إلى تراثه وخبراته وتاريخه النضالي.. لحماية منجزاته وتعزيزها في كل المجالات.. وخاصة في الجانب الاقتصادي المرتكز على منهج أو حرية الاقتصادية القائمة على التنافس الإيجابي والتكامل بين كافة القطاعات الإنتاجية لخدمة التنمية.
وفي هذه المناسبة نؤكد مجدداً مواصلة الدعم والتشجيع للرأسمال الوطني ليواصل إسهاماته الوطنية الرائدة في مجالات البناء معبرين عن ارتياحنا لمستوى الإقبال على الاستثمار في بلادنا في المجالات المختلفة. بعد أن تهيأت المناحات الملائمة بصدور قانون الاستثمار الجديد.. الذي أعطى ضمانات وفرصا كبيرة للمستثمرين.. وكفل تحقيق المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة. ويجري العمل حاليا على إنشاء العديد من المشاريع الخدمة والإنمائية في العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن.. والتي تم إعطاؤها الأولوية الخاصة انطلاقا من أهميتها التاريخية والاقتصادية وذلك لجذب المزيد من الاستثمارات في المنطقة الحرة والتي نتطلع إليها بثقة كبيرة.. وإلى الدور الحيوي الذي ستلعبه في تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني في المستقبل القريب إن شاء الله.
الأخوة المواطنون الأحرار:
لقد شاءت قدرة الله تعالى أن يحتفل شعبنا بالعيد الثلاثين للثورة وهو على موعد مع القدر في خوض أول انتخابات ديمقراطية.. في ظل يمن موحد تظلله رايات النصر العظيم.. وفي إطار التعددية الحزبية والحريات السياسية الكاملة، حيث تتواصل أعمال اللجنة العليا للانتخابات لوضع الاستعدادات والترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات العامة خلال الأشهر القليلة القادمة في مناخات حرة ونزيهة تكفل التنافس الشريف بين الجميع.. وتؤكد على حق الناخبين في اختيار ممثليهم في مجلس النواب بإرادة حرة.. بعيدة عن العنف والإرهاب والتعصب الذي سيظل منبوذاً ومرفوضاً في مجتمعنا ومن قبل كل جماهير شعبنا، وما من شك فإن الانتخابات سوف تحظى بتفاعل وطني كبير واهتمام دولي واسع باعتبارها التجسيد الواقعي لحقيقة الممارسة الديمقراطية الصادقة في بلادنا والتي تشق طريقها اليوم بثبات وإصرار كي تضيف إسهاماً حضارياً جديداً إلى رصيد شعبنا في مجال التداول السلمي للسلطة والمشاركة السياسية فيها بالوسائل الديمقراطية الحضارية، وإننا على ثقة بأن شعبنا سيبرهن من خلال كل ذلك بأن اليمن الذي كان واحدا من المواقع التي ازدهرت فيها الحضارات القديمة بفضل تراثه الشوروي التعاوني الأصيل مصمم على إنجاز مشروعه الحضاري واستعادة أمجاده التاريخية العظيمة، فالديمقراطية هي خيارنا الحضاري الذي لا حياد عنه وهي اليوم قوة الثورة.. وحصانة الوحدة.. وإدارة الشعب التي ترجم من خلالها حقه في حكم نفسه بنفسه وفي الوصول بالشرعية الثورية إلى غاية الاكتمال لتعميق الشرعية الدستورية أساس بناء الدولة المركزية الحديثة.. دولة المؤسسات والنظام والقانون.
وإننا ونحن على وشك الانتهاء من الفترة الانتقالية والاستعداد لإجراء الانتخابات العامة في ظل راية الوحدة علينا جميعاً في مؤسسات الدولة في كل الأحزاب والتنظيمات السياسية والقطاعات الشعبية أن نستقبل هذا الحدث التاريخي بالفرح والتفاؤل تماما مثلما استقبل شعبنا حدث توحيد الوطن في الـ 22 من مايو.. ويوم تفجر بركان الثورة اليمنية في الـ 26 من سبتمبر والـ 14 من أكتوبر.. ويوم إجلاء المستعمر من أرض الوطن ونيل الاستقلال في الـ 35 من نوفمبر. وأن يتسلح الجميع بالوعي الوطني الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وفوق كل الانتماءات الحزبية.. وأن يكونوا أقوياء بإيمانهم وبالجماهير وبتمسكهم بالمبادئ النبيلة التي تحصنهم من كل أنواع التآمر الهادفة إلى خلق البلبلة والرعب في أوساط الجماهير من خلال بث الإشاعات والدعايات المضللة لإثارة المخاوف على الوحدة التي هي محمية ومحصنة بجماهير الشعب وبكل القوى الوطنية وفوق كل ذلك محروسة برعاية الله سبحانه وتعالى الذي أراد لهذا الشعب أن يتوحد وأن يجمع شتاته وينهي تفرقه وتمزقه وهو ما يحتم على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية لمواجهة التحديات التي تحاط بالوطن وبتجربتنا الديمقراطية والترفع عن المصالح الذاتية والمنافع الشخصية ونبذ كل رواسب الماضي فذلك هو الذي سيخيب آمال الطامعين والمتآمرين وسيعزز من المكانة المرموقة التي باتت تحتلها بلادنا لدى الشعوب والأمم في العالم مؤكدين بأن المرحلة تستدعي تضافر كل الجهود الوطنية وتلاحمها لإنجاز المشروع الحضاري النهضوي لليمن الجديد الذي هو بحاجة للمشاركة الفاعلة من قبل الجميع..وفي هذه المناسبة نوجه الدعوة الصادقة لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية لتنسيق جهودها والعمل على حشد كل الطاقات والإمكانيات من أجل المشاركة الإيجابية في الانتخابات وإثراء واقع الممارسة الديمقراطية والنهوض بكل المسؤوليات الوطنية.
يا جماهير شعبنا المكافح:
إن من واجب الوفاء في هذا اليوم الخالد وبلادنا تزهو بالفرح والابتهاج احتفاء بالعيد الثلاثين للثورة.. أن أحيي باسمكم جميعا إخوانكم الأبطال جنود وصف وضباط القوات المسلحة والأمن حماة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية الصامدين في مواقع المجد والشرف لحماية السيادة وإرساء الأمن والإستقرار.. والدفاع عن خيارات الشعب في الحرية والديمقراطية والتقدم.. وحماية الشرعية الدستورية وصون كل المكاسب والمنجزات.. مؤكدين على استمرار الاهتمام بالقوات المسلحة والأمن ومضاعفة الجهود لاستكمال إعادة تنظيمها وتطويرها على أسس علمية حديثة ترتكز على مبدأ البناء النوعي.. وبما يعزز من اقتدارها ويمكنها من أداء مسؤولياتها الجسيمة باعتبار أن القوات المسلحة والأمن هي قوة الوطن ووسيلته في الحفاظ على الثورة والوحدة.. والتصدي لكل أنواع المؤامرات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وستظل رمزا للوحدة الوطنية وملكا للشعب كله.. بعيداً عن كل الولاءات والانتماءات الضيقة.. ولاؤها لله والوطن والثورة..
الأخوة المواطنون الأحرار:
لقد رسخت الثورة اليمنية منهاجاً واضحاً في علاقاتها الخارجية وفي تعاملها مع كافة القضايا والأحداث من التزامها المبدئي بأهدافها القومية والإسلامية وبدورها الإنساني..
حيث ترتبط بلادنا اليوم بعلاقات مبدئية واضحة مع كافة الأقطار العربية وبعلاقات متطورة مع معظم دول العالم.. وهي علاقات تخدم المصالح المشتركة.. وتبني عليها جملة من المنافع الاقتصادية والفنية المتبادلة والتي كان لها دور مؤثر وناجح في البناء والتطور في بلادنا.. وهو دور مستمر يتوجه في الأساس نحو رعاية المصالح المشتركة.. وتنمية روح الإخاء والتكافل ومد المزيد من جسور التعاون والمشاركة في مجالات التنمية.. والحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم.. لقد ظل شعبنا الذي هو جزء لا يتجرأ من أمته العربية والإسلامية مسكونا بهموم أشقائه في العروبة والإسلام من فلسطين إلى العراق إلى ليبيا إلى الصومال إلى أفغانستان إلى لبنان إلى البوسنة والهرسك وغيرها من المواقع التي تواجه فيها شعوب أمتنا العربية والإسلامية تحديات ومصاعب كثيرة.
وإننا في الجمهورية اليمنية استشعاراً لمسؤولياتنا القومية والإسلامية.. ندعو كل الأشقاء إلى رص الصفوف وتوحيد الطاقات لمواجهة التحديات الراهنة واستنهاض التضامن العربي والإسلامي لإيقاف النزيف الداخلي الذي يتعرض له عدد من الشعوب العربية والإسلامية وبذل أقصى الجهود لإيقاف الاقتتال بين الأشقاء في الصومال وإغاثة اللاجئين من ضحايا الحرب الأهلية المدمرة في هذا البلد الشقيق.
ويحدونا الأمل الكبير في أن يحتكم الأخوة في الصومال إلى منطق العقل والحوار السلمي من أجل إخراج وطنهم من محنته ورفع المعاناة عن شعبه المثقل بكارثة الحروب والمجاعة.
الأخوة المواطنون الكرام:
إننا إذ نؤكد التزامنا بالثوابت الراسخة التي تقوم عليها علاقاتنا عربياً وإسلامياً فإننا نؤكد أيضاً على مواصلة الدور الإيجابي الذي أديناه وسنظل نؤديه كبلد ينتمي إلى مجموعة الدول النامية التي لابد أن تتعاون وتتكاتف لحماية مصالحها وتأثير علاقاتها بالدول الصناعية المتقدمة على أسس عادلة ومتكافئة من خلال الهيئات والمنظمات الدولية وعبر حركة عدم الانحياز، كما أننا لن نتوانى بأداء واجبنا نحو حرية وأمن واستقلال دول العالم وشعوبه من خلال المنظمة الدولية التي تنضوي في كنفها جميع دول العالم على أساس الشرعية الدولية ومبادئ العدل والحرية والمساواة.
أيها الإخوة المواطنون :
مرة أخري أهنئكم بمناسبة العيد الثلاثين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر العظيمة سائلين الله سبحانه وتعالى أن يتغمد شهداء شعبنا الأبرار وشهداء أبناء مصر العروبة بواسع رحمته وغفرانه.. وأن يسكنهم المكانة الرفيعة في الجنة.
ومزيداً من العطاء والعمل ليكون العقد الرابع الجديد من عمر ثورتنا الفتية منطلقا جديداً لنا جميعاً نحو مزيد من الانتصارات لتحقيق كل ما يطمح إليه شعبنا.. على درب الثورة والوحدة والحرية والديمقراطية،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.