رئيس الجمهورية في كلمته بمناسبة عيد الأضحى المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسوله الصادق الأمين…
أيها الأخوة المواطنون الكرام:
يسعدني أن أتوجه إليكم بالتهاني القلبية الخالصة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك وإلى كل أبناء أمتنا العربية والإسلامية سائلين الله أن يعود وقد حققت بلادنا أهدافها المرجوة وخطت على طريق التنمية والتقدم لبناء يمن جديد قوي مزدهر بإذن الله.. إن الأعياد والمناسبات الدينية ليست أياماً احتفالية مجردة المعنى بل إنها حافلة بالقيم والدلالات الروحية ما يكفل الاستفادة منها والتزود بها ولعل أكثر الدلالات العميقة لهذه الأيام التي يقف فيها حجاج بيت الله ضارعين إلي المولى عز وجل طمعاً في عفوه ومغفرته هي التضحية بما تجسده من معاني روحية سامية لتقويم حياة المسلمين والوقوف في وجه أي اعوجاج وإصلاحه والترفع عن المغريات والسمو فوق النزاعات وتحلي الإنسان المسلم بروح المحبة والتسامح ونكران الذات من أجل أن يحيا الجميع حياة هانئة خيرة بعيدة عن نزعات الشر والعدوان والأذى للآخرين.
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء:
يهلُ علينا عيد الأضحى المبارك في هذا العام في ظل أجواء ابتهاجية متميزة ومختلفة تماماً عن تلك الأجواء التي سادت قبل عام مضى حين حل هذا العيد على شعبنا في ظل لهيب المعارك والحرائق والفتن التي أشعل نيرانها الانفصاليون الخونة من قيادة الحزب الاشتراكي ومن تحالف معهم لتمرير مخططهم التآمري لتدمير الوحدة وتمزيق شمل الأسرة اليمنية الواحدة.. وفي مثل هذه الأيام من العام المنصرم كان أبطال قواتنا المسلحة والأمن ومن خلفهم جماهير شعبنا اليمني الأبي يخوضون ملحمة الدفاع عن الوحدة والديمقراطية والشرعية الدستورية، يقدمون دروس التضحية والاستشهاد من أجل الوطن ونكران الذات من أجل ضمان الحياة الأفضل لأجيال قادمة تترعرع في ظل وطن موحد مستقر، ولذلك فإننا وفي مثل هذه المناسبة الدينية العظيمة نتذكر بمزيد العرفان والوفاء شهداء شعبنا الأبرار ونقف وقفة إجلال وإكبار أمام كل التضحيات الجسيمة التي قدمها أبطال القوات المسلحة والأمن وكل أبناء شعبنا الأوفياء الذين افتدوا الوحدة بأرواحهم ودمائهم وكل ما يملكونه مجسدين أروع التضحية والبذل والعطاء.
أيها الأخوة:
إننا ونحن اليوم نقتطف ثمار التضحيات ونخوض معركة جديدة هي معركة البناء وإعادة الإعمار، معركة الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري والثورة ضد الفساد عبر تطهير أجهزة الدولة من الفاسدين والمفسدين الذين عملوا على إشاعة فسادهم بمباركة وتشجيع أولئك الانفصاليين الخونة الذين كانوا هم رموز الفساد والخيانة والعمالة وما مر على الوطن لابد لنا من التزود والاستزادة بالتراث النضالي الغني لشعبنا والخبرة العملية التي اكتسبها في سياق مواجهته للتحديات ولنا من التجارب الغنية التي مر بها الوطن وخاضها شعبنا دفاعاً عن الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والشرعية الدستورية ذلك الزاد المفيد لمواجهة التحديات الجديدة بإرادة واحدة وتراص شعبي لا تفرقه ولا تناله أيادي الخيانة والعمالة أو أي من طوابيرها وأن الإيمان والاستعداد لتخطي المنعطفات الصعبة بإرادة واحدة وموحدة لهو أفضل السبل لمواجهة مشكلاتنا، فالمنجزات العظيمة لا تمنح هبة للشعوب أو تأتي محض صدفة وإنما تساق إليها التضحيات وتسبقها العزائم وإرادة الجموع المؤمنة بميلادها الجديد وهي تشق طريقها نحو الهدف الواضح والسامي.. ومن تجارب شعبنا يسوق لنا التاريخ عشرات العبر والدروس لتلك الأحداث العظيمة والتضحيات الجسيمة التي تحملها شعبنا على مر العصور والأزمنة حفاظاً على هويته ودفاعاً عن وطنه.. ولعل أقرب الأحداث إلى الأذهان هو المعركة البطولية التي خاضها شعبنا للدفاع عن الوحدة وتكللت الجهود والتضحيات بالنجاح متوجة بنصر 7 يوليو العظيم فتحرر كاهله من حمل أثقله وانتهت المعركة مع قوى الشر بانتصار المبادئ والقيم الخيرة والإرادة الشعبية.
وكما في صراع الخير والشر فإن ثمن انتصار المبادئ والقيم الخيرة ليس هيناً فقد دفع الوطن ثمناً باهظاً من أجل الحفاظ على وحدته من قوت الشعب ومن أبطال قواتنا المسلحة ومن اقتصاد الوطن وبنيته الأساسية ومشاريعه التنموية.. إلا أن كل التضحيات تهون إذا ما قيست بعظمة المنجز التاريخي الذي يشمخ اليوم عالياً يفخر به الجميع وسيظل رمزاً خالداً للأجيال المقبلة.
أيها الأخوة:
إن الحديث عن الأوضاع الاقتصادية في بلادنا ليس شيئاً جديداً ولطالما تحدثنا عن تلك الممارسات المدمرة التي كرسها الانفصاليون في حياة مجتمعنا منذ إعادة تحقيق وحدة الوطن وحتى إعلانهم الحرب والانفصال حيث نهبوا الأموال العامة وعرقلوا جهود التنمية أنهكوا الاقتصاد الوطني وفي كل مرة كنا نحث السير لمواجهة الأوضاع المتردية وتحريك عجلة التنمية الجامدة كانت الأزمات السياسية المفتعلة تستحوذ على كل اهتمام وتحيل البلاد برمتها عن مواجهة قضاياها الأساسية.
وليس خافياً على أحد أن دولة الوحدة قد ورثت اقتصاداً هشاً وتركة ثقيلة من مخلفات عهود الإمامة والاستعمار والتشطير ناهيك عما أضافته الأزمة وحرب الانفصال من أعباء وتكاليف باهظة كان لها تأثيرها السلبي والمباشر على مسيرة التنمية وأحوال المواطنين.
واليوم وقد بدأت مرحلة جديدة للانطلاق بمسيرة البناء والإصلاح الشامل نحو غاياتها المنشودة فإننا ندعو كل أبناء الوطن أفراداً واحزاباً وتنظيمات سياسية لتشمير السواعد والتفاعل بروح خلاقة لدعم جهود الإصلاح والانخراط في هذه المعركة التي هي الرهان الأخير في سلسلة التحديات المفروضة على شعبنا، واثقون من أنه سيتجاوزها بإذن الله بنفس العزيمة التي حقق بها نصر الثورة والوحدة.. فبناء الوطن مسؤولية جميع الذين ينتمون إليه على اختلاف توجهاتهم الفكرية وعقائدهم السياسية ومواقعهم في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وليس لأحد أن يحتكر أو يدعي احتكاره لمفاتيح الحلول كما ليس لأحد أن يتاجر بهموم الوطن والمواطن ومادام شعبنا قد اختار طريق التقدم الديمقراطي القائم على التعددية واحترام حرية الرأي وحقوق الإنسان فإننا لن نحيد عن هذا النهج الذي اخترناه عن قناعة لبناء اليمن الجديد وبما يتيح للقوى السياسية الأخرى خارج السلطة حق المعارضة وممارسة النقد البناء والمسؤول من أجل الإصلاح وتقويم الإعوجاج وإن كان لا يعفيها ذلك من واجب المشاركة في البناء وتوظيف برامجها وطاقاتها وإمكانياتها في معركة التنمية بعيداً عن المزايدات والمكايدات السياسية التي تلحق الضرر بالوطن ومصالحه العليا.. وختاماً لا ننسى أيها الأخوة أن نزجي التهاني الخالصة والتبريكات بهذه المناسبة السعيدة إلي كل أبناء قواتنا المسلحة والأمن الباسلة الصامدين في مواقع البطولة والفداء الساهرين على أمن وسلامة الوطن ويشكلون الدرع الواقي له ضد كل المؤامرات والتحديات الذين بعطائهم السخي وتضحياتهم الجسيمة انتصرت إرادة الشعب في الثورة والحرية والوحدة والديمقراطية وببطولاتهم صنعوا أمجاداً خالدة للوطن أرضاً وأنساناً وتاريخاً.. لهم كل التحية والتقدير والرحمة والغفران للشهداء الأبرار… عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..