رئيس الجمهورية في كلمته بمناسبة أعياد الثورة اليمنية – سبتمبر وأكتوبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأخوة المواطنون الكرام:
أحييكم تحية النضال والثورة.. تحية الوحدة والديمقراطية والتقدم أتوجه إليكم بأحر التهاني مقرونة بأصدق التمنيات بمناسبة عيد الثورة اليمنية العيد الثالث والثلاثين لثورة 26 سبتمبر والعيد الثاني والثلاثين لثورة 14 أكتوبر والعيد الثامن والعشرين للاستقلال.
في غمرة احتفالاتنا بهذه المناسبة الوطنية العزيزة يتوجب علينا جميعاً أن نترحم على شهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية في سبيل انتصار الثورة ومن أجل تحقيق أهدافها وأن نتذكر أدوارهم وتضحياتهم الجسام بالإجلال والعرفان كما يتعين علينا أيضاً أن نحيي كل المناضلين الشرفاء سواءً من رحلوا منهم إلى عالم الخلود أو من واصلوا البذل والعطاء حتى انتصرت وحدة الوطن يوم السابع من يوليو من العام الماضي، وها نحن نحتفي من جديد بحلول عيد الثورة المجيدة في ظل الوحدة التي أصبحت حقيقة ثابتة بعد أن حاول الانفصاليون إجهاضها، ذهبوا في محاولاتهم إلى حد إشعال فتنة الحرب الدامية بغية تشطير الوطن مرة أخرى بعد أن استعاد وحدته فلم يجنوا من ذلك غير الخزي والعار ؛ إذ رد الله كيدهم في نحورهم وأحبط ما كادوا يصنعون فصدق عليهم قوله تعالى:(ومكروا ومكرَ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين) صدق الله العظيم. وحيال ما تحقق لنا من الانتصار وما تنعم به بلادنا اليوم من الأمن والاستقرار بعد كل ما عانته قبل عام ونيف من ويلات الفتنة والحرب والدمار التي تسبب فيها الانفصاليون والمارقون الذين أرادوا فصل عرى الوحدة وإعادة الوطن إلى ظلام عهود التشطير البغيض عبر افتعال الأزمة تلو الأزمة وإشعال سعير الاقتتال والفتنة بين أبناء الشعب الواحد مؤثرين مصالحهم الخاصة على مصلحة الشعب ومغلبين أطماعهم ومطامعهم الذاتية والحزبية الضيقة والتآمر على إرادة الشعب وخياره في الوحدة والديمقراطية فإنه ينبغي علينا في هذه المناسبة وفي كل مناسبة بل باستمرار أن نتوجه بالحمد الوافر والشكر الجزيل إلى الله المتفضل والمتعال على كل ما أنعم به على بلادنا من منـن لا تعد ولا تحصى فله الفضل أولاً وأخيراً.
يا أبناء شعبنا المناضل:
إنه في هذه اللحظة التاريخية التي نحتفي فيها بعبق وذكرى هذه المناسبة العطرة تزدحم المشاعر لترسم سوراً فاصلاً بين حقب مظلمة عاشها شعبنا اليمني كأنها الموت بعينه في ظل الطغيان المستبد وتسلط الاستعمار البغيض وبين حقبة جديدة حفلت بالأحداث والتحولات الكبيرة في تاريخ الوطن ومسيرته النضالية فترة زخرت بالتضحيات والآلام وحفلت بالإنجازات والانتصارات وصنع خلالها شعبنا اليمني المناضل أعظم وأزهى الملاحم الخالدة التي توجت بانتصار إرادته في التحرر من الحكم الكهنوتي الإمامي ونيل الاستقلال المجيد وإعادة تحقيق وحدة الوطن والدفاع عنها وصيانتها من كل التحديات وأن ماله دلالة بارزة أن نجدد احتفالنا اليوم بأعياد الثورة اليمنية الخالدة إنما يعكس التجدد في فكر الثورة ونهجها وفي الأهداف والروح الوطنية والإنسانية السامية التي عبرت عنها كما يعبر عن الوفاء للمبادئ الخالدة التي قامت من أجلها وقدم شعبنا اليمني في سبيلها قوافل من الشهداء الأبرار، فالثورة اليمنية لم تقم من أجل تحقيق غايات محددة يمكن أن ينتهي صداها وآثارها بالوصول إلى تلك الغايات ولكن غاياتها تتمثل في تلك الديمومة المتحفزة على تحقيق المزيد من التقدم والرقي والازدهار للوطن والشعب وأن حقيقة خالدة وأزلية ستبقى في ضمير الأجيال ساطعة كالشمس شاهدة على مكانة الثورة اليمنية المتألقة بين ثورات العصر، هذه الحقيقة تنبع من حجم التغيرات والتحولات الجذرية العميقة التي شهدها واقع الوطن بالثورة وفي ظل مسيرتها الظافرة ومن الفارق الجوهري بين صورة اليمن قبل الثورة وبين صورتها اليوم ونحن على مشارف الانتقال إلى القرن الحادي والعشرين ويزيد على ذلك أن السير على درب الثورة لم يكن سهلاً معبداً أو مفروشاً بالأحلام والورود بل واجهته تحديات جسام وأخطار شتى انتصر عليها شعبنا بالإرادة والعزم والتصميم والنضال والتضحيات الكبيرة الغالية حتى تحقق له ما أراد.
أيها المواطنون الكرام:
لقد كتب على شعبنا أن يخرج من معركة ليخوض غيرها وينتقل من نصر ليصنع نصراً جديداً مثله، وهكذا فإنه وبعد القضاء على المؤامرة الانفصالية انتصبت أمام شعبنا مهمة وطنية نبيلة وهي إعادة بناء ما دمرته الحرب وخوض معركة الاقتصاد والتنمية وأن ما يحث على الاعتزاز والتقدير أن شعبنا الذي عانى وتحمل وصبر وقدم التضحيات الغالية والعطاء السخي في ملحمة الدفاع عن الوحدة قد تجاوز كل الآثار والصعاب التي خلفتها الحرب ولم يبخل في معركته الجديدة حيث وقف مسانداً جهود الحكومة من أجل البناء والإصلاح ومعالجة الاختلالات المترتبة عن الأوضاع الموروثة السابقة خلال فترة الأزمة والحرب وأسهم بدور فعال في إنجاح المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري والذي بدأت نتائجه الإيجابية تؤتي ثمارها سواءً على صعيد إصلاح الكثير من جوانب الخلل الاقتصادي والإداري واستعادة العملة الوطنية لقوتها أمام العملات الأجنبية وانخفاض الأسعار والتحسن الملحوظ في الأحوال المعيشية للمواطنين،
وتعكف الحكومة الآن على وضع الخطة الخمسية الأولى للتنمية للأعوام 1996م إلى عام 2000م التي سيراعى فيها إقامة المشاريع التنموية والخدمات الأساسية ذات الأولوية المطلقة على أساس المعايير الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والسكانية وإيجاد الصناعات الاستراتيجية التي تلبي احتياجات البناء التنموي وستتواصل الجهود من أجل المضي في تنفيذ ما تبقى من برامج الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد المالي والإداري وتحسين الإنتاج وتشجيع الاستثمار والتصدير والتبادل التجاري والتنافس نحو الأفضل بين المنتجات والاهتمام بالزراعة والسياحة والثروة السمكية ومواصلة مسيرة التنمية والبناء التي تعثرت خلال الخمس السنوات الماضية جراء الظروف الداخلية والخارجية التي كان من أهمها: الأزمة والمكايدات السياسية التي افتعلها الانفصاليون ومن تحالف معهم في الوطن..ولدينا أمل كبير في أن المرحلة الثانية من الإصلاحات ستحقق استقراراً أفضل ووضعاً معيشياً أحسن على طريق الإصلاح الشامل والتنمية المتكاملة.
ويضاعف من أملنا أن هناك إمكانيات هائلة من طاقات الإنسان والثروات التي تختزنها بلادنا وستتواصل الجهود من أجل استثمارها لصالح الوطن ونهضته..وفي هذا الإطار تم وبحمد الله التوقيع قبل أيام على الاتفاقية النهائية لمشروع تسييل وتصدير الغاز الطبيعي بين بلادنا وشركة توتال الفرنسية ويجري التفاوض مع شركتي هنت واكسون الأمريكيتين بغرض إشراكهما في هذا المشروع الذي سيتم فيه إنتاج الغاز بمعدل سنوي يبلغ خمسة ملايين طن ولمدة خمسة وعشرين عاماً وتقدر الاستثمارات في هذا المشروع الحيوي والعملاق حوالي ثلاثة مليارات دولار كما سيتيح عائدات سنوية لبلادنا تصل إلى حوالي 600 إلى 650 مليون دولار ستوظف لصالح التنمية الزراعية والصناعية وتطوير الخدمات وتحقيق الرفاهية والتقدم للشعب..كما أن عمليات الإنتاج والاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز والمعادن تسير على قدم وساق في مناطق الامتياز الممنوحة للشركات العاملة في تلك المناطق حيث يبلغ إجمالي إنتاج النفط حالياً في الجمهورية من القطاع رقم (18) بمأرب والجوف والقطاع رقم (14) في منطقة المسيلة محافظة حضرموت حوالي 350 ألف برميل يوميا وتوقع زيادة الإنتاج من النفط الخام خلال العام القادم من هذه الحقول نتيجة العمل المتواصل في حفر الآبار التطويرية بالإضافة إلى الحقول الجديدة التي ستدخل مرحلة الإنتاج في منطقة جنة المعروفة بالقطاع رقم (5) وسيبدأ الإنتاج في هذه المنطقة بعد استكمال أعمال إقامة المنشآت السطحية وأنابيب نقل النفط الخام بحوالي 25 ألف برميل يومياً في العام القادم قابل للزيادة بالإضافة إلى حقلي خرير وعطوف في شرق شبوة المعروف بالقطاع رقم (15) الذي سيدخل في مرحلة الإنتاج قريباً ويتوقع أن يبدأ الإنتاج منه بحوالي 12 ألف برميل يومياً.
كما يجري العمل في مجال الاستكشاف والتنقيب في مختلف مناطق الجمهورية حيث تقوم الشركات النفطية العاملة في بلادنا في مجال النفط والتي يصل عددها إلى حوالي 26 شركة عالمية تقوم بأعمال المسوحات وحفر آبار استكشافية وقد أظهرت المؤشرات وجود ظواهر نفطية إيجابية في كثير من المناطق حيث ستتواصل الجهود والأعمال لدراسات وتقييم الجدوى الاقتصادية لها.. وقد تم اكتشاف النفط في بئر تريبة وبئر حصن الكراديس في شرق شبوة من قبل شركة توتال الفرنسية وبكميات تجارية.. كما يجري العمل على تنفيذ عدد من المشاريع النفطية الأخرى أهمها مشروع تطوير وتحديث مصفاة عدن حيث يجري حالياً دراسة العروض المقدمة من الشركات المتخصصة والتفاوض معها ونتوقع أن تبدأ عملية التطوير للمصفاة خلال العام القادم 96 م.
أما فيما يخص المنطقة الحرة بعدن فقد تم إتخاذ كل الإجراءات التنفيذية الضرورية لإنشائها والتي نثق بأنها سوف تشهد نقلة نوعية مهمة وبما يكفل لمدينة عدن الباسلة استعادة دورها الحيوي كميناء تاريخي هام وخدمة الاقتصاد الوطني وأهداف التنمية الشاملة.
الأخوة المواطنون الأعزاء:
لقد دارت عجلة البناء بوتيرة عالية ولن تتوقف بإذن الله تعالى وإننا نتطلع إلى أن تكون هذه الإنجازات خطوات على الطريق الطويل لتعزيز مكاسب الثورة اليمنية ونؤكد بأننا سنمضي في المرحلة القادمة لتعميق روابط الوحدة المتينة بين أبناء الشعب كما سنعمل على رعاية وتعزيز الائتلاف الحكومي بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح على أساس وثيقة الائتلاف بما يقوي دعائم الاستقرار الوطني والسياسي. وسنواصل طريق تطوير الممارسة الديمقراطية وصيانة الحقوق والحريات العامة والخاصة وكفالة حق الرأي وحرية الصحافة ودعم المعارضة الوطنية والمسؤولة التي نعتبر وجودها ضرورة بإعتبارها الوجه الآخر للحكم على أساس الالتزام بالدستور والقانون واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة بعيداً عن العنف والمماحكات والممارسات الضارة بالمصلحة الوطنية العليا.
أيها الأخوة المواطنون الأحرار:
إن احتفالنا بأعياد الثورة اليمنية لهذا العام يأتي في خضم الانتصارات الكبيرة والجليلة التي انتقلت بوطننا إلى آفاق واسعة نحو التطلع إلى هموم الأمة العربية والإسلامية وما ينبغي أن تسهم به في إعادة روح التضامن والوفاق إلى صفوفها وانتشالها من حالة التمزق واجترار الآلام.
وبرهنت الجمهورية اليمنية على نهجها القومي الحريص والواعي لمجمل ما يعيق تنامي العلاقات الثنائية وتعزيزها بين قطر وآخر.. وقطعنا شوطاً هاماً ومتقدماً على صعيد إعادة بناء جسور الثقة وردم كافة عوامل القطيعة والخلاف وشهدت علاقات بلادنا مع أشقائها وأصدقائها تطورات هامة بالاتجاه الذي يحقق المصالح المشتركة وينمي من مسيرة التعاون المتميز بين شعبنا وأشقائه وأصدقائه.
وبهذه المناسبة نعبر عن الارتياح لما وصلت إليه العلاقات بين بلادنا والأشقاء في المملكة العربية السعودية بعد أن زالت بحمد الله سحابة الصيف التي خيمت عليها لفترة لتنطلق تلك العلاقات المتميزة إلى رحاب عهد جديد من الإخاء والود والتعاون وتواصل حالياً اللجان المشتركة المشكلة طبقاً لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين الشقيقين أعمالها بنجاح وتحقق اجتماعاتها المتكررة نتائج إيجابية على طريق حل مشكلة الحدود اليمنية السعودية وتعزيز العلاقات ومجالات التعاون بين البلدين الشقيقين لما فيه خيرهما واستقرار وازدهار منطقة الجزيرة العربية والمنطقة عموماً.
يا أبناء شعبنا اليمنى الكريم:
كم يخز في نفوسنا ونحن نستقبل هذه المناسبة المجيدة والغالية ونحتفل في ظلها بمنجزات شعبنا، في ظلها أن تكون هناك شعوب شقيقة تعاني الأمرين مما حل بها فالشعب العراقي الشقيق والشعب الليبي الشقيق مازالا يتعرضان للمعاناة نتيجة لاستمرار الحصار الاقتصادي عليهما ونعبر عن التضامن معهما وندعو كل القوى الخيرة في العالم أن تقف اليوم أمام ضميرها الإنساني وأن تعمل على كل ما من شأنه تخفيف معاناة هذين الشعبين الشقيقين.. كما نعبر عن تضامننا إزاء ما عاناه أشقاؤنا المسلمون في البوسنة والهرسك الذين يتعرضون لأبشع أنواع العدوان والمعاناة الإنسانية القاسية على أيادي المعتدين الصرب ونشيد بالجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي لكبح جماح تلك الاعتداءات الصربية وإيجاد الحل السلمي للمشكلة وبما يضمن للشعب البوسني المسلم حقه في العيش على أراضيه وفي ظل دولته المستقلة بسلام واطمئنان.
وإنه لما يبعث على الاعتزاز والتقدير لذلك الموقف النبيل والمشرف الذي وقفه شعبنا اليمني العظيم إلى جانب أشقائه المسلمين في البوسنة والهرسك من خلال بذله وتبرعاته السخية لهم وتعاطفه الأخوي الإنساني مع معاناتهم وتضامنه اللامحدود مع قضيتهم العادلة.. كذلك لا ننسى معاناة أشقائنا في الصومال وأفغانستان سائلين الله أن يلهم المتقاتلين فيها السداد والاحتكام إلى العقل والحوار لوضع حد لما يشهده هذان البلدان الشقيقان من مآسي وحتى ينعم شعبهما بالاستقرار والسلام والوئام.
أيها الأخوة المواطنون:
لا يفوتني في هذه المناسبة أن أحيي أبطال القوات المسلحة والأمن حماة الثورة والوطن مؤكدين لهم بأننا سنظل نولي اهتماماً خاصاً لمؤسستهم من خلال العمل على تعزيز كفاءتها واقتدارها وإعدادها الإعداد المناسب وتحسين أحوال منتسبيها معيشياً ومعنوياً وتأهيلاً لكي يكونوا دوماً عند مستوى دورهم الوطني في الدفاع عن الوطن وصيانة سيادته واستقلاله وأمنه واستقراره.
ختاماً أتضرع إلى الله أن ينزل شآبيب رحمته على أرواح شهدائنا الأبرار وشهداء جمهورية مصر العربية الشقيقة الذين رووا بدمائهم الزكية الأرض اليمنية سائلينه تعالى أن بتغمدهم جميعاً بواسع رحمته وغفرانه وأن ينـزلهم عنده مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.
كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.