رئيس الجمهورية في بيانه السياسي الهام لأبناء شعبنا اليمني بمناسبة أعياد الثورة اليمنية الخالدة
-1999
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام والصلاة على خاتم الأنبياء والمرسلين
يا أبناء شعبنا الأبي الوفي :
أحييكم أطيب تحية، وأتوجه إليكم بأحر التهاني مقرونة بأصدق التمنيات بمناسبة أعياد الثورة اليمنية الخالدة العيد الـ 37 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والعيد الـ 36 لثورة الرابع عشر من أكتوبر والعيد الـ 32 ليوم الاستقلال الوطني والتي تتعاظم أفراحنا وابتهاجاتنا فيها مع ما حققه شعبنا من نصر ديمقراطي كبير تمثل في إجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية تجرى في بلادنا عبر الاقتراع الشعبي الحر والمباشر بعد أن حددت فترة الرئاسة في الدستور بدورتين انتخابيتين .
وإنها لمناسبة نهنئ فيها جماهير شعبنا على النجاح الكبير في ممارستهم لحقهم في انتخاب رئيس الجمهورية وتحقيق وثبة حضارية عالية في ممارسة الديمقراطية تجسيداً عملياً لما أكده الدستور بأن الشعب هو مالك السلطة وهو الذي يحكم نفسه بنفسه وما كان لهذا الإنجاز الوطني العملاق أن يتحقق لولا فضل الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر ولولا إرادة الشعب ونضاله وإصراره بأن تكون كلمته هي الأولى ومصلحته هي العليا فوق كل المصالح ؛ فهنيئاً لشعبنا الكريم إنجازه في ممارسة حقه وبلوغه هذه الغاية الحضارية السامية التي تتعطش إليها كل الشعوب وتفخر بها الأمم المتقدمة والرقابة .
والشكر والجزيل لكل أبناء شعبنا رجالاً ونساء الذين تفاعلوا بإيجابية وتدافعوا بحماس منقطع النظير منذ الصباح الباكر إلى المراكز الانتخابية في كافة محافظات الجمهورية من أجل إنجاح هذه التجربة الرائدة وعبروا من خلال صناديق الاقتراع عن إرادتهم الحرة وجدارتهم بهذا الاستحقاق الدستوري الكبير .
مؤكدين بذلك السلوك الحضاري الواعي العزم والحرص على تعزيز الممارسة الديمقراطية وإثرائها وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة والذي يمثل اليوم لكل أبناء شعبنا خياراً وطنياً حضارياً صائباً لا تراجع عنه أبداً وتقليداً راسخاً يؤسس لمستقبل أفضل أكثر أمناً وازدهاراً ويضع الوطن على أعتاب عهد جديد وانطلاقة كبرى صوب تحقيق كافة الآمال والغايات الوطنية المنشودة .
وبهذه المناسبة يسعدني أن أسجل الشكر والتقدير للأخوة رئيس وأعضاء اللجنة العليا للانتخابات واللجنة الأمنية واللجان المشتركة العليا لأحزاب التحالف الوطني برئاسة الأخ/ عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية ورؤساء وأعضاء لجان القيد والتسجيل واللجان الإشرافية على كل الجهود المخلصة والمتفانية التي بذلوها في أداء مسؤولياتهم وإنجاز كافة المهام والواجبات المعلقة عليهم في كافة المراحل الانتخابية وبصورة إيجابية تدعو للفخر والاعتزاز .
كما أقدم الشكر وكل عبارات الثناء والامتنان للرجال الأوفياء البواسل في القوات المسلحة والأمن الذين أدوا واجباتهم على أحسن ما يمكن لكفالة الأمن والتنظيم الدقيق للعملية الانتخابية .
وإنه لما يبعث على الاعتزاز والتقدير أن العملية الانتخابية قد سارت في كافة مراحلها بصورة رائعة وطبيعية ودون حدوث ما يعكر صفوها أو يخل بسيرها وإجراءاتها القانونية وهو ما يبرهن بيقين وبما لا يدع مجالاً للشك على تمتع شعبنا الأصيل بتلك الروح الحضارية الراقية والتي تزداد بروزا وتجلياً وروعة مع كل حدث عظيم وتحول بارز يشهده الوطن .
ويؤكد بجلاء ورسوخ الأمن والاستقرار والطمأنينة في مجتمعنا المتسامح المتماسك .
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء :
إن اقتران أفراح النصر الديمقراطي المنجز في الثالث والعشرين من سبتمبر بانطلاقة احتفالات شعبنا بأعياد الثورة اليمنية الخالدة يضاعف من معنويات الثقة في الذات الوطنية ويعزز قوة وصلابة الإيمان بقدرة شعبنا على إنجاز مهام وأهداف المستقبل الأفضل في ظل المشاركة المباشرة في أوضح الحقائق الناصعة في ممارسة الحرية والديمقراطية وتشييد صروح التنمية الشاملة لينعم شعبنا اليمني كله بثمار العيش الكريم في ظل النظام الجمهوري الخالد ومكاسبه الوطنية العملاقة وليتحمل مسئوليته المطلقة في تعميق وجوده الحر الكريم على خارطة العصر والانتقال الواثق والمتفائل للقرن الواحد والعشرين وهو يمتلك كل المقومات التي تؤهله لذلك وفي مقدمتها نهجه الديمقراطي .
الأخوة المواطنون :
إننا ونحن في غمرة احتفالنا بأعياد الثورة اليمنية التي خلصت شعبنا من جبروت الحكم الكهنوتي الإمامي ونير الاستعمار الأجنبي الغاشم يتوجب علينا جميعاً أن نترحم على كل شهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية في سبيل انتصار الثورة ومن أجل تحقيق أهدافها وأن نتذكر أدوارهم وتضحياتهم الجسام بالإجلال والعرفان .
كما نحيي كل المناضلين الشرفاء سواء من رحلوا منهم إلى عالم الخلود أو من واصلوا البذل على درب مسيرة العطاء من أجل ديمومة الثورة وترجمة مبادئها واستمرار عطائها وإنجازاتها من أجل حياة حرة كريمة للشعب ونهضة شاملة للوطن .
وإننا ونحن ننتقل مع الثورة الخالدة إلى رحاب عام جديد من عمرها الفتي فإنه ينبغي التطلع إلى المستقبل والولوج إلى رحابه بثقة واقتدار من أجل إنجاز المهام الملحة على طريق ترسيخ بناء الدولة اليمنية الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون دولة الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمجتمع اليمني الحديث .
وإن أول ما يجب التركيز عليه في البناء المؤسسي المنشود ونتطلع إليه في كافة مواقع المسئولية داخل الدولة هو ضمانة وتحقيق الانسجام والتكامل في عمل كل السلطات الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية دون المساس بمبدأ الفصل بين السلطات وإنما العمل من أجل تقديمها جميعاً في مسار تصاعدي لتحمل مسئوليتها كاملة خدمة للمصلحة العليا للشعب وتطويراً لأساليب العمل وضمانة لترسيخ الممارسة الديمقراطية والعمل الجاد من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن والقضاء على كافة السلبيات والظاهر المعيقة للبناء والتقديم وبما يكفل لشعبنا حشد طاقاته وإمكانياته لمواجهة كافة التحديات وبناء الاقتصاد الوطني المتعافى والمزدهر والمتحرر من كافة أشكال الفساد والعبث والفوضى والمحسوبة والتعقيدات الإدارية المتخلفة .
كما أن من الأولويات التي ينبغي التركيز عليها هو تكريس مكانة الدولة ودورها الأول في صيانة حياة الشعب وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار وفرض احترام النظام والقانون على الجميع بعيداً عن كافة أشكال المحاباة والمجاملات وأن ذلك يعني في أول ما يعنيه أن يتحمل المجتمع مسئوليتهم في التصدي الحازم لكل مرتكبي الجرائم المخلة بأمن واستقرار وطمأنينة المجتمع .
وأن ما يوجب أن نؤكد عليه بأن الدولة لا يمكن أن تتسامح أبداً مع أي عابث بالأمن أو مخرب يسعى لزعزعة الاستقرار في الوطن أو الإضرار بمصالحه .
كما أن الدولة سوف تعمل على تعزيز دورها ووظيفتها الاستراتيجية التي تعطي مبررات وجودها واستمرارها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى جانب وظيفتها الدفاعية والأمنية والسياسية كما أكد عليها الدستور .
وإنه من أجل ذلك سوف نعمل جاهدين من أجل المزيد من تطوير بناء مؤسسة القوات المسلحة والأمن بناء نوعياً يعتمد على الكيف وليس الكم فحسب والاعتماد على أحدث أنواع التسليح والتجهيزات والتدريب والتأهيل لتكون على أعلى مستويات الجاهزية القتالية في كل الأوقات من أجل تحمل مسئولياتها الوطنية وواجباتها في حماية الشرعية الدستورية وحرمة التراب الوطني وصيانة السيادة الوطنية وأن تبقى بعيدة عن كل أشكال الصراع السياسي والانتماءات الحزبية لأن انتماءها للوطن كله ولأنها ملك للشعب .
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء :
إن اليمن الحديث يمن الثورة الخالدة والتحرير من الإمامة والاستعمار عاش خلال السبعة والثلاثين السنة الماضية مرحلتين من تاريخه النضالي المتميز الحافل ببطولات الصمود والنصر وإنجازات البذل والإنتاج والعمل مرحلة ما قبل الثاني والعشرين من مايو عام 90 م التي هي مرحلة الحرية وتعاظم عطاء الشرعية الثورية ومرحلة الوحدة والممارسة الديمقراطية في ظل التعددية السياسية والإيمان والالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة .
وفي كل من المرحلتين حقق شعبنا تطوراً كبيراً وشاملاً في كافة مجالات الحياة وأحدث تغيرات جذرية نحو الأفضل برغم جسامة التحديات وخطورة المؤامرات واستطاع شعبنا خلالها أن يجعل من أهداف الثورة حقائق معاشة ومن قيم الإخاء والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص عنواناً لكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان .
واليوم يتقدم شعبنا مع الدخول إلى الألفية الثالثة إلى مرحلة أكثر تقدماً ورقياً بعد نضوج نضالي ثوري ديمقراطي واكتمال دستوري حضاري لم يتحقق لأي شعب معاصر بهذه الصورة المرموقة على الرغم من كل الصعوبات ومحدودية الإمكانيات لكنها إرادة الشعب وعزيمته القوية التي كانت عند مستوى التحديات وفي مستوى الاستجابة الحضارية والفعل الإرادي .
لقد مارس الشعب حقه في اختيار حاكمه بكل حرية وثقة بالنفس كما اختار بالأمس ممثليه في السلطة التشريعية وكما سيختار غداً ممثليه في السلطة المحلية وإنها الحقيقة الجوهرية التي تعبر عن الممارسة الديمقراطية الحرة من أجل تحقيق المزيد من الإنجاز والعطاء والمزيد من الاستشعار الصادق لتحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل والقيام بمتطلباتها على أكمل الوجوه واثقين بأن الماضي النضالي المشرق لشعبنا في سبيل الانتصار إرادته في الثورة والحرية والاستقلال والوحدة والتقدم سيظل يمثل قوة لنا وزاد لمسيرتنا للانطلاق نحو الإمام .
مؤمنين أصدق ما يكون الإيمان بأن الديمقراطية التي اخترناها سبيلنا وغايتنا المثلى للبناء تمتلك في ذاتها ما يمكنها من التطور وما تقدر أن تحقق به كل الإصلاحات والإنجازات مؤكدين وملتزمين بحرية التعبير وحرية الصحافة باعتبارها تمثل العمود الفقري في جسم الديمقراطية والحرية السياسية وهي جزء من كل يتصل باحترامنا والتزامنا بكل حقوق الإنسان وحمياتها ووضع الضمانات الكفيلة لممارستها على أوسع نطاق والاهتمام بدعم وتطوير المؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والمساعدة على تفعيل دور المعارضة الوطنية المسئولة والتي هي الوجه الآخر للسلطة وجزء لا يتجزأ من منظومة النظام السياسي .
وحيث ينبغي على المعارضة أن تتحمل مسئوليتها في بناء الوطن وأن تمارس دورها في إطار الالتزام بالدستور والقانون والحرص على الالتزام بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها الحفاظ على الثورة والوحدة ومكاسبها وإنجازاتها .
الأخوة المواطنون الأعزاء :
إن ما يبعث على الاعتزاز أن سيادة بلادنا الخارجية واضحة الأهداف والمعالم مستقيمة النهج متسعة الحركة والتفاعل في نطاق ما تمليه المصلحة العليا لشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية وتفرضه تفاعلات علاقتنا الدولية على الصعيد العالمي .
ولهذا فإننا سنظل نتمسك بالنهج المستقل لسياسة بلادنا الخارجية التزاما بالثوابت التي قامت واستمرت عليها بداية من الحرص على تمتين علاقات بلادنا بالدول الشقيقة في الجزيرة العربية والخليج والعمل على إيجاد علاقات تعاون تكاملية مع كافة دولها .
مجددين الدعوة من أجل الاستثمار وإنشاء المشاريع المشتركة وبما يحقق المصالح والمنافع المتبادلة ويوطد الثقة بين شعوبنا ودعائم الأمن والاستقرار في منطقتنا مؤكدين مجدداً الالتزام بمنهج الحوار الأخوي في التفاوض لحل مسألة الحدود مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية على أساس الحل المرضي والعادل وفقاً لمبدأ لا ضرر ولا ضرار والعمل على تعزيز مجالات التعاون مع كافة الدول العربية وبذل الجهود الممكنة من أجل استعادة التضامن العربي وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك من خلال تفعيل دور الجامعة العربية والتي لا بد لها أن تمتلك أسلوباً جديدا قادراً على مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالأمة العربية .
وإننا أيها الأخوة :
نسوف نظل نلتزم قولاً وعملاً بالعمل على كل المستويات وفي كافة الميادين من أجل دعم قضية الشعب الفلسطيني والوقوف مه لاستعادة كافة حقوقه المشروعة بما في ذلك إقامته لدولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف والوقوف مع كل الجهود المبذولة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة والذي لن يتحقق إلا باستعادة الحقوق العربية المشروعة والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وجنوب لبنان وهضبة الجولان السورية .
إننا أيها الأخوة المواطنون الأحرار نؤمن بالسلام عادلاً ودائماً وشاملاً ونرفض العدوان كل أنواع العدوان على الحقوق أو سيادة الأوطان وسوف لن نتردد في بذل المزيد من الجهود والمساعي من أجل أن يحل السلام في ربوع العالم أجمع .
وبهذه المناسبة فإننا نجدد بمطالبة الجمهورية اليمنية بإنهاء الحصار المفروض على الشعب العراقي الشقيق والذي ألحق أضراراً بالغة بالشيوخ والنساء والأطفال وتسبب في معاناة إنسانية قاسية لا ينبغي السكوت عنها .
الأخوة المواطنون الأعزاء :
يا أبطال قواتنا المسلحة والأمن الباسلة مرة أخرى أهنئكم بهذه المناسبة الوطنية المجيدة وأشد على أيديكم وسواعدكم في أن تتضافروا من أجل بناء يمننا العزيز وتكونوا عونا لكل جهد مخلص يبذل على درب ترجمة أهداف ومبادئ سبتمبر وأكتوبر .
سائلين الله العلي القدير أن يتغمد شهداء الثورة والوطن والواجب الذي بفضل تضحياتهم الغالية ننعم اليوم بما ننعم به من نعمة الوحدة والديمقراطية والتنمية والتقدم وأن يتغمد شهداء مصر العربية الذين رووا بدمائهم الطاهرة تربة الوطن وأن يتغمدهم جميعاً بالرحمة والغفران ويسكنهم فسيح جناته .
إنه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .