رئيس الجمهورية الأخ علي عبد الله صالح يوجه عشية عيد الثورة كلمة وطنية هامة إلى جماهير شعبنا اليمني في الداخل والخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق وأشرف المرسلين أيها الأخوة المواطنون الأحرار في الداخل والخارج :
يطيب لي أن أحييكم من أعماقي تحية وأهنئكم ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية الخالدة العيد الخامس والثلاثين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة والعيد الرابع والثلاثون لثورة 14 أكتوبر المجيدة والعيد الثلاثين لذكرى الاستقلال المجيد .
حيث يأتي احتفالنا بالثورة في هذا العام بعد ثلاثة عقود ونصف على انطلاقتها الجبارة وقد تحققت أغلى أهدافها واجتازت مسيرتها منطقة العواصف والتحديات واستقرت في الطريق المأمون عند هذا المنعطف الكبير والتاريخي من حياة شعبنا وفتحت الأبواب الواسعة أمام شعبنا ليشق طريقة الجديد نحو أماله الكبرى وغاياته الوطنية .
فلقد نجحت الثورة في إرساء النظام الجمهوري وتغلبت على المؤامرات والحروب واستطاعت من وسط المعارك اللاهبه حول صنعاء وما وراءها أن تمد رياح التغيير إلى آفاق الوطن اليمني كله، فتفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر من جبال ردفان الشماء وتمكنت الثورة اليمنية من الانطلاق بالشعب من مضمار التغيير الشامل على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية. وفتحت أمام أبناء الشعب آفاقاًَ أوسع للتعليم بمختلف مراحله ومستوياته بعد أن كان حكراً على فئة معينة ونخبة كانت ترى في نفسها الصفوة في المجتمع لشعورها بالتميز والتعصب في حين كان الشعب كله يعاني من ويلات الثالوث الرهيب الفقر والجهل والمرض الذي جثم على صدره ردحاً طويلاً من الزمن حتى جاءت الثورة المباركة لتحقق المساواة بين أبناء الشعب وترسى قيم الحرية والعدالة والتقدم وترسخ أساساً متينا لبناء دولة عصرية حديثة تقوم على العلم والأخلاق والقيم النبيلة وانتصرت الثورة على واقع التشطير ورزاياه وأثامة عندما أقامت دولة اليمن الموحد في الثاني والعشرين من مايو المجيد عام 1990 وقهرت قوى الردة والانفصال في الملحمة الوطنية الرائعة التي شهد العالم فصلها الأخير بالانتصار العظيم في السابع من يوليو عام 1994م كما نجحت الثورة في بناء الجيش الوطني الحديث الذي كان له شرف الوجود في مقدمة معارك الشعب انتصار للمبادئ والأهداف العظيمة وحفاظاً على إنجازات المآثر وصوناً للكرامة والسيادة الوطنية واستطاعت الثورة أن تقيم نظاماً سياسياً عصرياً في بلادنا يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وصيانة الحقوق والحريات العامة والمدنية ، وكفالة حق الرأي الأخر وحرية الصحافة وحقوق المعارضة في التعبير المسؤول في إطار الدستور والقانون والنشاط السياسي والتداول السلمي للسلطة .
إن هذه كلها عناوين رئيسية لبعض المعارك الوطنية والمثل العليا التي انتصرت لها الثورة في مسيرة العقود الماضية وكلها تنطق بالدلالة القاطعة على أن الثورة اليمنية كانت ثورة رائدة فإذا كنا اليوم نحتفل بعيدها الخامس والثلاثين فقد احتفلنا بالأمس بالثاني والعشرين من مايو العيد السابع لقيام الجمهورية اليمنية كما احتفلنا بالسابع من يوليو ذكرى تثبيت الوحدة وتدعيم بنيانها وتسويرها بأجساد الشهداء ودمائهم وبعرق وتضحيات أبناء شعبنا الذين هبوا من كل صوب للدفاع عن الوحدة وهزيمة مخطط الانفصال كذلك فسوف نحتفل بعد أيام بالعيد الرابع والثلاثين لثورة الرابع عشر من أكتوبر والعيد الثلاثين للاستقلال .
وما من شك فإن تزاحم الذكريات والمناسبات الوطنية على هذا النحو يعد شهادة ثمينة من التاريخ على إرادة شعبنا وقوة بأسه وعزيمته وفي نفس الوقت فإنها شهادة من العصر، تعتز بها على أن هذا الشعب العظيم لا يعيش الحاضر منكفئاً على نفسه وإنما يحياه وعيونه مصوبة إلى المستقبل وخطاه ماضية إليه .
ذلك أن شعبنا العظيم لم يسترد حريته يوم السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ليضعها في متاحف التاريخ، وإنما ليصنع بها حياته الجديدة بالكفاح والأمل وبالتضحية والفداء وكانت شعلة الثورة التي أضاءت فجر الحرية في صنعاء بمثابة الوقود والطاقة التي حركت إرادة التغيير وأشعلت الثورة المسلحة في جزء آخر غالٍ من وطننا ووطدت طريق التنمية وانطلقت بثورة الوحدة كما فجرت الثورة الديمقراطية التي أصبحت اليوم شاهداً حياً على حيوية الشعب وروحه الدفاقة بالعطاء والخير وعنوان مسيرته ووسيلته الحضارية المثلى لصنع التقدم في الوطن .
أيها الاخوة المواطنون :
أيتها الأخوات المواطنات :
لسنا بحاجة للتذكير بالأوضاع المأساوية والظروف القاهرة التي عاشها شعبنا اليمني قبل السادس والعشرين من سبتمبر والتي حفلت بصور من البشاعات والفظائع التي مارستها الإمامة الكهنوتية ومارسها الاستعمار في حق هذا الشعب الكريم .
فالذاكرة الوطنية غنية بالمشاهد والصور الدالة على تخلف وانحطاط النظام السياسي الذي فرضته الإمامة المندثرة على اليمن قروناً طويلة من التاريخ وكذلك ما عاناه شعبنا وهو يرزح تحت نير الاستعمار وهذه ليست سوى لمحة من التاريخ حتى لا تنساها الأجيال لأن القوى المعادية للثورة ما تزال تصوب أسهمها الحاقدة نحو الثورة والجمهورية والديمقراطية ولكننا لن ننجر للماضي أو نغرق في إحباطاتة ولكننا سنظل نتطلع إلى المستقبل .
ولقد وضع شعبنا بالفعل أقدامه على طريق المستقبل في فجر السادس والعشرين من سبتمبر العظيم، وأدار ظهره تماماً ونهائياً لكل الاعتبارات والقيم البالية وللماضي بكل سلبياته ومساوئه اليوم والقرن العشرون يكاد يغلق أبوابه والعالم كله.. بتأهب للانطلاق إلى رحاب قرن جديد هو القرن الواحد والعشرون فإننا معنيون بأن ندخل هذا القرن بثقة واقتدار ومواكبة ركب الحضارة تحقيقاً لكل الأماني والتطلعات نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر ازدهاراً ورخاء .
وإذا كانت الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر و14 أكتوبر ) قد نقلت شعبنا بجدارة من القرون المظلمة إلى القرن العشرين، فإن القيم الجديدة التي جاءت بها كفيلة بأن توفر لنا الأساس والإمكانية للانتقال إلى القرن القادم والدخول فيه.
إن قيم الديمقراطية ونشر التعليم وتعميم الثقافة الجديدة وتشييد بنية أساسية مناسبة وتطوير الزراعة والانطلاقة في ميدان الصناعة واستخراج واستثمار الثروات الطبيعية، إن ذلك كله من القيم والأسس المادية التي وضعت شعبنا ووطننا في قلب حضارة القرن العشرين .
ولاشك أن الواقع الحالي يمثل أرضية مناسبة للانطلاقة لاجتياز الفجوة الفاصلة واللحاق في الميدان الذي علينا أن نخوضه جميعا أفراداً وأحزاباً بتلاحم وتكاتف وتعاون تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا.
ولقد كررت في مناسبات سابقة أننا مقبلون الآن على خوض معركة جديدة هي المعركة الاقتصادية وأضيف الآن نحن مطالبون بأن نخوض ثورتين معا هما الثورة الاقتصادية والثورة العلمية وبناء الإنسان وفي هذا السياق نؤكد بأن المعركة ليست معركة الحكومة وحدها بل معركة الشعب بكل قواه وفئاته الاجتماعية ومعركة الأحزاب والقوى السياسية في السلطة والمعارضة .
ولقد بدأنا معركة الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري ونجحنا بحمد الله في إحراز نجاحات ملموسة تمثلت في وقف الانهيار الاقتصادي والحد من العجز في الميزانية العامة للدولة وتعزيز قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وكبح جماح التضخم لتحقيق الاستقرار في أسعار السلع والخدمات .
ونحن نؤكد اليوم أننا ماضون في طريق الإصلاحات الاقتصادية المالية والإدارية وفي تشجيع الاستثمار والاستغلال الأمثل لمواردنا وإمكاناتنا المتاحة وبما يحقق الانتعاش الاقتصادي والنمو والنهضة .
ونوجه الحكومة بأن تولي عناية كافية في هذه المرحلة بتصحيح التشريعات المالية والضريبية والجمركية والنقدية وإصلاح القضاء ومكافحة الفساد ونشر شبكة الأمان الاجتماعي وتعزيز المناخات المناسبة للاستثمار وجذب رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية للمشاركة للاستثمار في اليمن وبما يكفل توفير رؤوس الأموال للتنمية وتوفير فرص العمل لاستيعاب البطالة وتوظيف القوى التي ستلتحق بسوق العمل، فضلاً عن تنمية البنية الأساسية والنهوض بالزراعة والصناعة .
كما نوجه الحكومة بالاهتمام بالتدريب المهني وتنفيذ سياسة علمية فعالة إزاء مخرجات التعليم وبما يجسد الاهتمام ببناء الإنسان وتنمية مهاراته كقائد ومحرك للتنمية .
وسنظل نولي أهمية زائدة للاستثمار البشري وسوف نعطي أهمية أكبر في المرحلة المقبلة بالبحث العلمي باعتباره مفتاح النمو وميدان التحدي الرئيسي أمامنا .
لذلك سنوجه عنايتنا لتطوير ونشر الجامعات ومراكز البحث العلمي وأجهزة جمع وتحليل المعلومات .
ونحن نمضي الآن في الطريق الصحيح لتأهيل اقتصادنا الوطني للتكيف مع مقتضيات الشراكة الدولية والتعاون بين الأمم على أساس المنافسة والحرية الاقتصادية وتبادل المنافع والمصالح المشتركة .
كما أننا في الميدان السياسي فتحنا أبواب المنافسة أمام الجميع في الوطن واعتبرنا الحرية الاقتصادية رديفاً مكملاً للحرية السياسية .
إن الثورة الديمقراطية هي الباب الواسع الذي دخل منه النظام السياسي في اليمن وقد استطعنا بعد دحر مؤامرة الانفصال أن نوطد طريق الحرية السياسية وأن نرسي أساساً قانونياً ودستورياً متيناً للتعددية الحزبية والمنافسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وأصبحت المعارضة هي الوجه الآخر للنظام السياسي .
ونحن ندرك – أيها الأخوة – أننا ما نزال في بداية الطريق وأن البعض يستغل مناخ الديمقراطية في تشويه الديمقراطية والإساءة للوحدة الوطنية لكننا حريصون على ألا نعالج الخطأ بالخطأ أو نواجه مظاهر العمالة والخيانة بالقمع منطلقين من قناعتنا الدائمة بأن تصحيح عيوب الديمقراطية مرهون بالمزيد من الديمقراطية .
لقد تجاوزنا مرحلة الخوف على ثورتنا ووحدتنا وعلى سلامة وسيادة واستقرار بلادنا ولم تعد تفزعنا الأصوات والأبواق النشاز ولذلك فنحن لم ولن نصادر رأياً أو نقصف قلماً أو نمنع صوتاً عن الحديث في إطار الالتزام بالدستور والقانون.. فنحن لا نضيق بالنقد غير أننا لن نتسامح أمام الذين يسعون للعنف والتخريب لترويع المواطنين وتكدير السلم والطمائنينة العامة في مجتمعنا .
إننا نقدر المعارضة الوطنية المسئولة والبناءة ونرحب بها.. ونرى فيها الوجه المضيء والمشرق للديمقراطية واثقين أن استمرار المسيرة وتراكم الخبرة سيصحح أي تجاوزات أو تعسف في استعمال حق الرأي والتعبير وسوف ترشد الديمقراطية نفسها ولن تبقى سوى الأحزاب الوطنية والحريصة على الديمقراطية وعلى استقرار وسلامة الوطن أما أحزاب الإثارة وصحفها فسوف تهيل على نفسها التراب بممارساتها الخاطئة وغير المسؤولة .
إننا – أيها الأخوة – سنظل نمد أيدينا إلى كل يد شريفة ونعول على جهود كل أبناء الشعب في السلطة والمعارضة حزبين ومستقلين لبناء اليمن الجديد وتحقيق نهضته وعزته ورفاهية أبنائه .
أيها الأخوة المواطنون الكرام :
لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أجدد التأكيد على استمرار السياسة الخارجية لليمن على نفس المبادئ التي سارت عليها في الماضي، والمنطلقة من الإيمان بأن اليمن جزء من الأمة العربية والإسلامية وأن الجمهورية اليمنية عضو في المجتمع الدولي تؤثر وتتأثر بما يجري حولها في العالم وهي ستعمل في ضوء استيعاب كافة المتغيرات على التعاون وباقي الأعضاء في سبيل رفاهية المجموعة الدولية والحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن في العالم .
وسوف تظل الجمهورية اليمنية على مواقفها الداعمة وللقضايا العربية والداعية إلى استعادة التضامن العربي وتفعيل النظام الإقليمي العربي من خلال دور حيوي وجديد للجامعة العربية بيت العرب جميعاً .
إننا – أيها الاخوة – بلد يحب السلام ويؤمن به وينشده في العالم ومن باب أولى فإننا ننشد السلام في منطقتنا ولذلك فإننا ندعم كل الجهود الرامية لإحلال السلام الشامل والعادل مدركين أن السلام لن يتحقق بدون عودة الحقوق العربية المشروعة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
كما أن الجمهورية اليمنية ستظل تعمل على استتباب الأمن والسلام في جزيرتنا العربية والقرن الأفريقي والبحر الأحمر وتعطي اهتمامات خاصة لعلاقاتها مع دول الجوار .
وحرصا من بلادنا على الأمن والاستقرار وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر فلقد نجحت الدبلوماسية اليمنية بنهجها العقلاني في احتواء مشكلة الاعتداء الإرتيري على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية وأحالت الخلاف إلى التحكيم الدولي ونحن بانتظار نتائج ذلك التحكيم، ونحن نتطلع دوماً إلى مزيد من التعاون مع الأشقاء والأصدقاء وتعزيز روح الثقة والعمل المشترك لخدمة السلام والرفاه في مجتمعنا وفي العالم .
أيها الاخوة المواطنون :
إن كان هناك من يستحق التحية في هذا اليوم وفي كل مناسباتنا وأعيادنا الوطنية فهم أبطال القوات المسلحة والأمن المرابطون فوق القمم والجبال والسهول والأودية وفي الجزر ومياهنا الإقليمية الذين كانوا في الطليعة انتصاراً لإرادة الشعب وحقه في الحرية والديمقراطية والاستقلال والوحدة والتقدم وكان لهم فضل المبادرة في تفجير الثورة والدفاع عنها عندما أحدقت بها الأخطار والتحديات.. إننا – مع جميع أبناء الشعب – نقدر للقوات المسلحة والأمن أدوارها البطولية وتضحياتها ومآثرها الخالدة، ونؤكد أننا لن نبخل بأي جهد أو دور لدعم وبناء القوات المسلحة والأمن وتسليحها وتجهيزها والاهتمام بتحسين مستوى منتسبيها معيشياً وإعداداً وتأهيلاً حتى تظل هذه المؤسسة الوطنية الكبرى على الدوام الدرع الواقي والقوة الضاربة في يد الوطن والسياج المنيع للسيادة والاستقلال والاستقرار والبناء ..
كما إننا في هذا اليوم المجيد لا ننسى شهداء الثورة والجمهورية والوحدة الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن ونؤكد استمرارنا في الرعاية الخاصة لأسرهم وأولادهم .
سائلاً الله العلي القدير أن ينزل على شهداء الوطن الأبرار وشهداء جمهورية مصر العربية شآبيب الرحمة وأن يمدنا بالعزم لأن نحتفظ بالرايات التي قاتلوا من أجلها عالية خفاقة..
كل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .