نص خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة شهر رمضان المبارك 12سبتمبر2007م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من نُزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيرا. الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات.. المؤمنون والمؤمنات.. في كافة أرجاء المعمورة.. أحييكم بتحية الإيمان والإخاء والمحبة والسلام تحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
وأتوجه إليكم جميعاً بكل مشاعر الغبطة والسعادة بأزكى وأصدق التهاني القلبية بمناسبة قدوم الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك.. شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. شهر كمال الإيمان والذكر والتقوى والبر، قال تعالى: ؟شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ؟ صدق الله العظيم.
شهر تتجمع فيه كل الفضائل وتتعمق في رحابه القيم والمثل وتزكوا المسئوليات وتسموا الأعمال وتتطهر النفوس والقلوب في رحلة روحانية متفردة.. وحياة تعبدية خاصة.. تتميز عن كل الأوقات والشهور وتلتقي في مقاصدها الربانية.. وغاياتها الإنسانية كل الأديان السماوية قال تعالي:
؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ؟ صدق الله العظيم الأخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. إن فريضة الصوم غنية بالدروس والمنافع الإنسانية والروحية بالنسبة للفرد والمجتمع وفي حياة كل الشعوب والأمم فهي تمكن الإنسان المؤمن من تنمية قدراته الذاتية على السيطرة على الأهواء والغرائز والنزعات وتساعد على بناء طاقات الروح الخلاقة وتحث على صقل الضمير وتهذيب النفس الأمارة بالسوء كما أنها بالنسبة للمجتمع تساعد على توثيق عرى الأخوة ببناء وتجديد الصلات التعاونية والتكافلية في لحمة المشاعر الواحدة.. والأحاسيس الصادقة، غير المصطنعة لأن لا معنى للجوع والعطس والحرمان غير هذه التربية الربانية.. ليقف القوي مع الضعيف والغني مع الفقير والمقتدر مع المحتاج تحت راية المساواة الكاملة في أجواء روحية ونفسية واحدة تؤسسها وتبنيها التقوى ومخافة الله ومحبة الناس والسبيل إلى ذلك هو في حسن التعامل مع الجميع (فالدين المعاملة) كما أن جوهر الإيمان يتجسد في تقوى الله وتعزيز الصلة به خوفاً وطمعاً.. وعبادة.. ونسكاً.. وانقطاعاً لأعمال البر وتواصلاً بآيات الذكر الحكيم والإنهماك في الصالحات من الأعمال والابتعاد عن كافة الجوانب السلبية وكل ما يتنافى مع الإيمان والسلوك القويم والأخلاق الفاضلة ونبذ كل أشكال الحقد والبغضاء والكراهية والغلو والتطرف، والعمل الدؤوب من قبل الجميع من أجل خدمة الوطن ومحاربة العادات السيئة والظواهر السلبية ومواجهة ما تبقى من الأمراض الاجتماعية والأدواء السياسية الضارة بالمجتمع والوحدة الوطنية والحياة السياسية والتي تتطلب أن تتضافر كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية في الوطن علماء وسياسيين ومثقفين ومنظمات مجتمع مدني وغيرهم من أجل التصدي لكل تلك الظواهر السلبية والعادات والضارة.
وما من شك فان أفتعال الازمات المشابهة لما حدث في عامي 1993م1994م بنفس التوجه وذات الإلية وقوة العادة لا يخدم المصلحة الوطنية والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية فالوطن ملكنا جميعاً ونحن مسئولون عنه جميعاً وعلينا ان نتطلع بروح التفاؤل والثقة في المستقبل والعمل على كل ما يعزز وحدتنا الوطنية والوئام الاجتماعي ويوطد من علاقات الإخاء والمحبة والود والتراحم والتكافل في مجتمعنا. وفي هذا الإطار ليس هناك ما يبرر اللجوء إلى الاعتصامات والمسيرات التي لا تعدو عن كونها مجرد زوابع لا معنى لها ولا تثير أي قلق خاصة بعد ان تم حل مشكلة المتقاعدين وصدرت التوجيهات بمعالجة مخلفات حرب صيف عام 1994م فيما يخص المتقاعدين والمنقطعين عن الخدمة واعادتهم للعمل وصرف مستحقاتهم طبقاً للقانون ليسهموا في مسيرة بناء الوطن لان من شأن الاستمرار في مثل تلك الاعتصامات خلق مناخات تؤثر بصورة سلبية على التنمية والاستثمار في بلادنا وعلى الجميع ان يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية لما فيه خدمة الوطن والحفاظ على السكينة العامة وان يجعلوا من هذا الشهر الكريم شهراً للصوم والعبادة والهدوء والعمل المفيد الصالح. كما ان ما ينبغي التأكيد عليه بأن معالجة القضايا والمشكلات خاصة في الجوانب الاقتصادية لا يتم من خلال القفز على حقائق الواقع بل يتم من خلال ايجاد المعالجات الموضوعية والصائبة التي يحقق الغايات الوطنية المنشودة في تلبية احتياجات المواطنين وتطلعاتهم ووفقاً للامكانات والموارد الاقتصادية المتاحة.
ونؤكد مرة أخرى بأننا نرحب بأي رؤى موضوعية جادة سواء من قبل الأخوة في أحزاب المعارضة أو غيرهم يمكن للحكومة أن تستفيد منها سواء في معالجة قضية الزيادة التي طرأت في أسعار بعض السلع التي تشكو منه اليوم الكثير من الدول نتيجة المتغيرات السعرية التي واجهتها الأسواق العالمية أو في معالجة قضايا البطالة وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي هي في أولويات الحكومة وتعمل بكل دأب من أجل إيجاد الحلول الواقعية والمناسبة لها بما في ذلك التوسع في زراعة الحبوب وضبط المتلاعبين بالأسعار ومساءلتهم أمام القضاء بالإضافة إلى تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي توفر أكبر قدر من فرص العمل وبما يرتقي بمستوى حياة المواطنين ويحقق التقدم والرخاء للوطن فمن خلال الحوار وتقديم الرؤى الموضوعية يمكن التغلب على كافة المشكلات والتحديات وتحقيق المصلحة الوطنية العليا.. وعلى الحكومة المضي قدماً في مواصلة تنفيذ برنامجها سواء ما يتعلق تنفيذ ما تبقى من الإصلاحات والتي تم قطع شوط كبير فيها في إطار ترجمة ما تضمنته الأجندة الوطنية للإصلاحات وتطوير وتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره وكذا استقطاب الاستثمارات بالإضافة إلى تفعيل أداء مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية وتعزيز دور السلطة المحلية والتسريع بوتائر التنمية وعلى مختلف الأًصعدة وطبقاً لما حددته رسالتنا الأخيرة للحكومة وما ورد في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية والذي نعتز اليوم بما تحقق من خطوات هامة في إطار ترجمة ما جاء فيه سواء على صعيد تعزيز استقلالية السلطة القضائية أو في مجال تكريس مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد أو في المجال التنموي والديمقراطي..
أيها الأخوة والأخوات..
إن حياة الحرية هي حياة الوحدة تحت راية الوحدانية.. وحياة الديمقراطية هي حياة الإخاء والمحبة والمساواة والعدالة الاجتماعية والسياسية والكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان وتلك هي صورة الحياة التي استهدفتها ثورتنا الخالدة وتحققت على أرض الواقع المعاش في وطننا تجسيداً لروح الإسلام وامتثالاً لتعاليمه، فالإسلام بهذا المعنى الجليل والعميق هو الحرية التي فطر الله الناس عليها وهو الشورى في مفهومها العصري المسمى بالديمقراطية ولهذا فإنه لا ينبغي الاستغلال السيئ للديمقراطية بالدعاوى الفوضوية وجعلها معاول لهدم المجتمعات الإسلامية وتعطيل مسيرتها نحو مستقبل أفضل وعدم جعل الممارسة الديمقراطية سبيلاً لقطع طرق التواصل وهدم جسور التكامل والتكافل داخل المجتمعات الإسلامية..
كما أن الحوار يظل هو الوسيلة الحضارية المثلى التي تغلق كل الأبواب المفتوحة على الانقسامات الطائفية والمذهبية وغيرها التي ينبذها الإسلام فالإسلام الصحيح كما نعرفه ونفهمه ونؤمن به هو إسلام الأمة وهو أكبر من كل الطوائف والمذاهب وأرحم بالمنتمين إليه من كل الأدعياء ودعاة التفرقة والخلافات وهو الحصن الحصين تجاه مهاوي الإنفلات والتمزق والإسلام في جوهره التسامح والسمو فوق كل الصغائر والوقوف إلى جانب الضعفاء والفقراء ومناصرتهم ومد يد العون لهم ومساندة ومساعدة المحتاجين وإبراز الصفات الأخلاقية والإنسانية الحميدة التي تعبر عن جوهر التلاحم والتكافل الحميم داخل الوطن الواحد وبين كافة أبنائه.. وأن العبادة والعمل وجهان لحقيقة واحدة الإيمان الصحيح والالتزام المخلص بواجبات الدين ومسئوليات الحياة التي هي دار تحصيل وإنتاج وتشييد وإعمار وعمل وإنطلاق في كل الآفاق الإبداعية العلمية والعملية بل هما السبيل للتغلب على ميراث التخلف وتأثيرات عمليات الغزو والتآمر التي تريد للإنسان فرداً ومجتمعاً الضياع والإستلاب ولأمتنا العربية والإسلامية أن تبقى على ضعفها وأن تزداد تمزقاً وتخلفاً وإنه لحريٌ بأبناء الأمة نبذ كل أشكال التعصب والانفلات والعداء والخصومة لبعضهم البعض والتي هي ضد الدين في جوهرها وضد الحرية في حقيقتها ولا يمكن أن توصل إلى المجتمع الديمقراطي في نهاية المطاف بل تؤدي إلى الفوضى والخراب والدمار.
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
إننا ونحن نستقبل هذه المناسبة الدينية الجليلة لابد لنا هنا أن نخص بالتهنئة الأخوة والأخوات الجنود والصف والضباط والقادة في القوات المسلحة والأمن.. الذين هم عماد الحياة الحرة الكريمة والآمنة والمستقرة وركيزة مجتمع الإيمان والحكمة والوحدة.. وهم الحراس الأمناء على كل المكاسب والمنجزات.. الأبطال الأوفياء للعقيدة والمبادئ وأهداف الثورة اليمنية الخالدة (26 سبتمبر و14 أكتوبر) وللثوابت الوطنية الراسخة ولا يترددون أبداً في التضحية والفداء في سبيل أداء الواجب المقدس وحماية الوطن وسيادته وترسيخ أمنه واستقراره.. وستظل هذه المؤسسة الوطنية الكبرى هي رمز الوحدة الوطنية وصمام أمان مسيرة الوطن والحامية للشرعية الدستورية وللحرية والديمقراطية والوحدة.. وسيظل منتسبوها يحضون منا بكل الرعاية والاهتمام وفاءً بما يقدمونه من تضحيات وواجب وطني مقدس.. ختاماً نسأل الله العلي القدير أن يوفق الجميع إلى ما يرضاه وأن يمكننا جميعاً من القيام بأداء فريضة الصوم وكل الفرائض والواجبات كما أمر وأراد وأن يلهمنا الصواب والرشاد..
إنه سميع مجيب0 شهر كريم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،