كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاضحى المبارك 5 مارس 2001م
بسم الله الرحمن الرحيم.. ولله الحمد النعمة والملك لا شريك له.. والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين.
ايها الاخوة المواطنون الاعزاء.. الاخوات المواطنات.. ايها المؤمنون في كل مكان.. في هذا اليوم المبارك يوم الوقوف بعرفات الله والذي يتحقق فيه اكتمال اداء فريضة الحج لهذا العام ومع حلول عيد الاضحى المبارك اتوجه اليكم جميعا باصدق التهاني القلبية واجمل التبريكات بهذه المناسبة الدينية الغالية التي تحتل مكانة خاصة في قلوب كل المؤمنين سواء من ظفر منهم باقامة هذا الركن العظيم من اركان الدين الاسلامي الحنيف طاعة وامتثالا لقوله سبحانه وتعالى( ولله على الناس حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا) صدق الله العظيم.. وقول الرسول الكريم // الحج عرفة// أو من يتطلع منهم لاداء هذه الفريضة في الاعوام القادمة.. والجميع اليوم يتهيئون ليعيشوا افراح هذه المناسبة الجليلة.. وليعبروا عن ذلك بكافة صور الاحتفاء والابتهاج التي تؤكده شعائر وواجبات العيد المبارك الذي هو عيد للعطاء والجود.. والبذل والتضحية وعيد الاستجابة الصادقة لما يفرضه الايمان وتوجبه الطاعة.. خضوعا لارادة الخالق عز وجل وتقديما للقدوة الخالدة التي لا بد ان يعتبر بها المؤمنون على مر الاجيال.. مستمدين المعاني العظيمة من المشهد المهيب.. مشهد وقوف حجاج بيت الله الحرام وانتظمامهم المرموق من العالمين كافة على صعيد عرفة.. فهو مشهد ثري المعاني والدروس وله عميق الدلالات روحيا ومعنويا وماديا وانسانيا لانه تجسيد عملي ورمزي لحقيقة الوحدة الاسلامية العظيمة. وفي هذه المناسبة نتوجه بالتهنئة الخالصة لكل ضيوف الرحمن في الاراضي المقدسة والذين تيسر لهم اداء الفريضة وندعو الله ان يتقبل منهم سعيهم المشكور وان يوفقهم على شهود منافع لهم.. ولينطلقوا من الرحاب المقدسة التي احتشدوا فيها راجعين الى اوطانهم والى مستقر اعمالهم بمعنويات جديدة وامال رحبة وشعور متعاظم بالقوة الايمانية والطمأنينة النفسية والعزة الانسانية والثقة العظيمة في الله وفي ازدهار الحياة. الاخوة المواطنون.. الاخوات المواطنات.. انها لدلالة عظيمة ومشرقة ان نستقبل هذا العيد بقلوب مفعمة بالامل والتفاؤل في المستقبل.. فلقد شهد وطننا يوم الـ20 من شهر فبراير 2001 حدثا وطنيا ديمقراطيا كبيرا يتمثل في عملية الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية وانتخابات المجالس المحلية والتي جسدت ايمان شعبنا اليمني العميق الذي لا يتزعزع بخيار الديمقراطية الحضاري كسبيل لبناء الحياة ولتحمل المسؤولية الوطنية كطريق مباشر لتجسيد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه وباعبارها سبيل الشعب لممارسة السلطة وتكوينها وتأكيد ان الشعب هو وحده مالك السلطة ومصدرها واننا اذ نعبر عن بالغ الشكر والتقدير لكافة ابناء شعبنا على ما اكدوه من حماس وتفاعل ووعي مع هذه التجربة الديمقراطية التي تضيف الى صرح البناء الديمقراطي مدماكا جديدا وتفتح افاقا رحبة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار. فلقد كان شعبنا عند مستوى المسؤولية والحرص على انجاح تجربته الديمقراطية وتطويرها.. وذلك عندما قال كلمته الواضحة والحاسمة نعم للتعديلات الدستورية.. وعندما اعطى صوته لمن يثق فيهم ليكونوا ممثليه في قيادة السلطة المحلية التي هي جزءلا يتجزأ من سلطات الدولة على مستوى المديريات والمحافظات.. ان التصويت بتلك النسبة العالية التي جاءت عليها نتيجة الاستفتاء بالموافقة على التعديلات الدستورية التي تمثل اساسا مهما لترسيخ القواعد الصلبة للدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون.. دولة الحرية والعدالة والديمقراطية ومشاركة المرأة واحترام حقوق الانسان.. ومدخلا رئيسيا للانفتاح الايجابي على العصر والتفاعل مع متغيراته وحقائقه بما تجسده من استقرار تشريعي وتأصيل للديمقراطية التعددية وتطويرا لها. كما ان قيام المجالس المحلية وتطبيق قانون السلطة المحلية بقدر ما يمثل استكمالا للبناء المؤسسي الديمقراطي فانها سوف ترسي واقعا جديدا في الوحدات الادارية في الجمهورية يرتكز على المشاركة الشعبية الواسعة في مجالات العمل السياسي والتنموي لتلك الوحدات في اطار تجسيد مبدأ اللامركزية المالية والادارية وخدمة اهداف التنمية وما من شك فان نجاح هذه التجربة خلال السنتين القادمتين سوف يشجع على المزيد من الصلاحيات وتطوير تجربة الانتخابات لتشمل مدراء المديريات ومحافظوا المحافظات. ولهذا فاننا في الوقت الذي نزجي فيه التهنئة لاعضاء المجالس المحلية المنتخبين على الثقة التي منحها اياهم الناخبون ليكونوا ممثليهم في المجالس المحلية فاننا ندعوهم الى ان يكونوا عند مستوى تلك الثقة وحسن الظن بهم.. وان يمارسوا مسؤولياتهم وواجباتهم ومن نطلق الحرص على المصلحة الوطنية ووضعها فوق كل اعتبار بعيدا عن الحسابات الحزبية أو الذاتية الضيقة وبما يكفل انجاح التجربة.. وبحيث يتم تسخير الموارد
التي يتم تحصيلها عبر المجالس المحلية لصالح تنفيذ المشاريع وتطوير الخدمات وترجمة اهداف التنمية في الوحدات الادارية وخدمة المواطنين.. فالمجالس المحلية هي بوتقة تنتظم في اطارها الجهود الوطنية من اجل الوصول للحياة الافضل وتوسيع المشاركة الشعبية وتعزيز الديمقراطية التي هي خيار وطني لا تراجع عنه من اجل بناء وتنمية الوطن وتحقيق نهضته وازدهاره.. مؤكدين احترامنا للرأي والرأي الاخر وتقديرنا لكل الذين قالوا-نعم – أو لا- للتعديلات الدستورية وشاركوا في عملية الاقتراع وشكلوا بذلك صورة نسيج المجتمع التعددي المتفاعل والمتحرك الى الامام. وان ذلك لا يمس ابدا من مكانة من قالوا لا.. لأن رأيهم ذلك هو جزء لا يتجزأ من نبض الحياة الديمقراطية وهو حقيقة محتملة في كل نظام ديمقراطي حر. كما نؤكد بان بروز بعض حالات استثنائية ومحدودة للخروج عن النظام أو عدم الانضباط نتيجة التعبئة المغلوطة لا يمكنه ابدا ان يخدش المراة الناصعة والساطعة للممارسة الديمقراطية الحرة أو تؤثر باي حال على مسيرة الحرية والديمقراطية.. وايا كان الذين فازوا في تلك الانتخابات احزابا أو افرادا فان الكاسب الحقيقي هو الوطن وتجربته الديمقراطية التعددية القائمة على التنافس الشريف والتداول السلمي للسلطة وان شعبنا الذي ضحى بالغالي والنفيس من اجل الثورة وانتصارها وحماية الوحدة ورسوخها لن يتردد في تقديم المزيد من التضحيات من اجل صيانة الحرية وحماية الممارسة الديمقراطية وقد فعل ذلك واعطى بكل شجاعة وسخاء.. وان علينا ايها الاخوة والاخوات ان ننظر للمستقبل بكل ثقة وامل وان نحث الخطى اليه بكل عزم واصرار ونشمر عن سواعد الجد والعمل من اجل بناء الوطن الذي هو ملكنا جميعا ومسؤوليتنا جميعا بلا استثناء فاليمن هو واحة التسامح والمحبة والوئام وهي الارض الطيبة التي تفاعلت في اعماقها واحدة من اقدم واعرق الحضارات الانسانية واكثرها عطاء لخير الانسان وازدهار الحياة. الاخوة المؤمنون في كل مكان.. يا ابناء امتنا العربية والاسلامية.. ان العصر الذي نعيش فيه يفرض على امتنا العربية والاسلامية تحديات كبيرة.. علمية وفكرية سياسية واقتصادية.. عسكرية وامنية وهي وان تعددت جبهاتها فهي معركة حضارية واحدة. ومتجددة لا مكان فيها الا للأقوى بعقيدته واقتداره العلمي وتفوقه الحضاري ومعرفته للاخر ونزعه لخدمة نفسه وغاياتها وتقرير هيمنته على كل جوانب الحياة ليأمن مخاطرها الجمة.. ولا شك انه لا يمكن ان يتحقق ذلك لامة مهما كانت عظمتها في كونها رضيت ان تعيش في الماضي فقط دون ان تعير اهتماما وتطلعا بالمستقبل واحتمالاته. ان خير امة اخرجت للناس لا يمكن ان تنهض الا من خلال لحظة بناء الحاضر بناء صحيحا يقوم على العقيدة الصحيحة والوعي الصادق والعميق بكل ما تدل خليه من القيم والفرائض الدينية من دروس حياتية وانسانية وتربوية.. وما تفرضه قيم الدين الاسلامي الحنيف من واجبات ومهام على كل المستويات والمجالات. ولا يمكن لامتنا ان تمتلك ناصية المستقبل الا من خلال نبذ الخلافات وتعزيز الصف والتضامن والتكامل وتوسيع قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين شعوب واقطار امتنا العربية والاسلامية…. ولهذا فاننا في الجمهورية اليمنية ونحن نقترب من موعد انعقاد القمة العربية في العاصمة عمان اواخر الشهر الحالي بعد اقرار الية انتظام عقد القمة دوريا والذي كان لبلادنا شرف تبنيها والاسهام في اقرارها مع بقية الاشقاء.. نجدد الدعوة لاشقائنا الى التحلي بالتسامح ونبذ الخلافات والشقاق فيما بينهم وطي الصفحات المؤلمة من الماضي والتطلع نحو مستقبل عربي جديد تستلهم فيه المصالح القومية العليا للامة وتؤسس عليه قاعدة صلبة للانطلاق نحو غد افضل وعلاقات عربية- عربية سليمة وخالية من كل الشوائب ترتكز على المصارحة والاحترام المتبادل وتبادل المصالح والتعاون الاخوي الذي يصون الحقوق العربية ويكفل للامة مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجهها في امنها القومي ومصالحها ووجودها. واننا نتطلع بان تكون تلك القمة بداية مرحلة جديدة من التضامن الحقيقي والتكامل الاقتصادي والعمل المشترك في كافة الميادين والمجالات واننا نتطلع بان تكون مناسبة الابتهاج بعيد الاضحى المبارك توجها ايمانيا وسلوكيا ملتزما بكل ما تفرضه العروة الوثقى التي لا انفصام لها على كل مسلم ومسلمة تجاه اخوته المسلمين المستضعفين والمحتاجين الى العون والمساعدة في كل مكان.. والى مناصرة قضايا الامة العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني المكافح والذي هو بحاجة الى مؤازرته ونصرة انتفاضته المباركة بكل وسائل الدعم والنصرة من اجل الدفاع عن وجوده في مواجهة الة القمع الاسرائيلية وحماية مقدساته واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.. واننا في الوقت الذي نجدد الدعم لجهود السلام على اساس مبدأ الارض مقابل السلام، فاننا نؤكد بان السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة لا يمكن ان يتحقق الا من خلال استرداد العرب لحقوقهم المشروعة وانهاء الاحتلال الصهيوني للاراضي العربية المحتلة في فلسطين ولبنان والجولان. كما اننا- ايها الاخوة – لنشعر بالحزن والاسى ازاء ما يعانيه اشقاءنا في العراق نتيجة استمرار فرض الحصار عليه والذي لم يعد له ما يبرره وانه لحري بابناء امتنا العربية والاسلامية ان يكونوا عند مستوى مسؤوليتهم في الضغط باتجاه وضع حد لما يعانيه شعب شقيق عربي مسلم منذ اكثر من 10 سنوات.. وانهاء هذا الحصار الذي الحق الضرر البالغ بالاطفال والشيوخ والنساء من ابناء القطر العراقي الشقيق.. الاخوة المواطنون.. الاخوات المواطنات.. ان العيد ليس مجرد مناسبة نحتفل بها ونقوم بواجبات معينة تجاه الاسرة والمجتمع وانما هو كمناسبة تربوية ومحطة للتزود بالقيم النبيلة منطلقا جديدا لتحمل الواجبات المفروضة في سبيل خير وصلاح الامة.. وانها لمناسبة نكرر فيها التهنئة للجميع ونخص بها هنا الاخوة القادة والضباط والصف والجنود في قواتنا المسلحة والامن البواسل الذين يجسدون في حياتهم العملية ومواقفهم وايمانهم وادائهم لواجباتهم الوطنية المقدسة المثال الحي والنموذج الرائع للتضحية والفداء والطاعة والاخلاص والبذل منهم وباخلاصهم وتفانيهم وبكل ما يقدمونه في كل المواقع على امتداد ربوع الوطن في السهول والجبال والصحراء والجزر والشواطيء والوديان تتحقق المعاني العظيمة لافراح العيد ويزدهر الابتهاج به.. وتصان مسرات ومنجزات الوطن.. كيف لا وهذه المؤسسة الوطنية الكبرى هي صمام امان الوطن ودرعه الواقي والحامية للشرعية الدستورية والديمقراطية وكل مكاسب الشعب وانجازاته العظيمة على درب الثورة والوحدة. فلهم منا كل التحية والتقدير وهم يرابطون في مواقع الشرف والبطولة عيون ساهرة وحراسا امناء يذودون عن الوطن وسيادته وامنه واستقراره بكل تفان ونكران ذات. سائلين الله ان يتغمد شهداء الوطن والواجب بواسع رحمته وغفرانه وان يسكنهم فسيح جناته الى جوار الانبياء والصديقين انه سميع مجيب.
عيد سعيد وكل عام وانتم بخير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاهه.