كلمة فخامة رئيس الجمهورية في مؤتمر القمة الإسلامية العاشر في ماليزيا
بسم الله الرحمن الرحيم
دولة الأخ العزيز مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا ـ رئيس المؤتمر.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
الأخ الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.. أصحاب السعادة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يطيب لي أن أهنئكم سيادة الرئيس مهاتير محمد على رئاستكم القمة العاشرة للدول الإسلامية.. والشكر والتقدير لكم ولحكومة وشعب ماليزيا الشقيق على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي غمرتمونا بها وعلى دقة التنظيم وحسن الإعداد لقمتنا هذه والتي تنعقد في بتروجايا العاصمة الإدارية الجديدة لبلدكم الكريم.. هذه المدينة الشامخة في بنيانها، والعصرية في تطورها وجمالها لَتؤكدُ بحق قدرة الأمة الإسلامية على النهوض والتقدم ومواكبة العصر بحكمة واقتدار، فنحن نعقد قمتنا هذه بعد أشهر وجيزة على انعقاد قمة عدم الانحياز وبذلك تكون ماليزيا أول دولة إسلامية تنال شرف الرئاسة لحركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي في آن واحد لثلاث سنوات قادمة ونحن على ثقة كبيرة بقدرة الأشقاء في ماليزيا على التحرك الجاد والمثمر وإحياء فاعلية منظمتنا وتجديد عطائها بما يتواكب مع المتغيرات الدولية.
السيد الرئيس.. إن حكمتكم وخبرتكم وحنكتكم المشهود لها سيكون لها أكبر الأثر في إنجاح أعمال القمة والنهوض بالعمل الإسلامي إلى مستوى التحديات الراهنة التي تواجهها أمتنا.. ولا يفوتني أن أسجل الشكر والتقدير لأخي سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر على جهوده التي بذلها خلال ترؤسه أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي التاسع في الثلاثة الأعوام الماضية..
سيادة الرئيس..
إن ما تمر به أمتنا الإسلامية من تحديات خطيرة تتطلب منا توحيد صفوفنا امتثالا لقوله تعالى “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” صدق الله العظيم.. كما أن الأحداث المحزنة الجارية في فلسطين والعراق لتظهر بجلاء مدى الوهن الذي أصاب أمتنا الإسلامية جراء التفكك والنزعات الضيقة والفهم الخاطئ لروح مبادئ الإسلام الحنيف الذي شرعه الله لنا لرفع كرامة الإنسان وإسعاد البشرية بقيمه السمحة وتعاليمه السامية البعيدة عن الغلو والتطرف.
فالأحوال المؤسفة التي تعيشها الأمة إنما هي انعكاس لحالة عدم الثقة السائدة فيما بين المسلمين وتوجسهم وخوفهم من بعضهم البعض دون أن يدركوا أن القوى المعادية وفي مقدمتها الصهيونية عملت دوما على زرع الشكوك وإيجاد الخلافات وتغذيتها بين أبناء الأمة الإسلامية خدمة لأهدافها ومصالحها.
وإن ذلك ليدعونا إلى مراجعة أوضاع أمتنا الإسلامية دولاً وأفراداً وجماعات لنتبين مكامن الخلل وأسباب الفشل والسعي من أجل إصلاح وتصحيح شؤون دولنا وأمتنا الإسلامية ومنظمتنا.
السيد الرئيس..
لقد دأبت اجتماعات منظمتنا الإسلامية واجتماعات الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز على إصدار قرارات عديدة حول القضية الفلسطينية تدعم فيها الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لتحرير أراضيه المحتلة وإعلان دولته المستقلة، وتندد بالممارسات الإسرائيلية العدوانية والإرهابية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني المتمثلة في قتل الأبرياء وهدم المنازل وجرف الأراضي الزراعية وإقامة المستوطنات وأشكال شتى من أصناف التنكيل والتعذيب والإرهاب كان آخرها تهديد الحكومة الإسرائيلية الحالية بإبعاد رئيس السلطة الفلسطينية عن وطنه، بل والتلويح بتصفيته جسدياً.
ورغم كل تلك القرارات فإن إسرائيل ضربت بها عرض الحائط ومضت ولا زالت تمضي في تنفيذ مخططاتها التوسعية متنصلة من كل الالتزامات الدولية ومن كل الاتفاقات التي أبرمتها مع الجانب الفلسطيني ومنها اتفاقات أوسلو.. كما أنها قد تجاوزت في عدوانها إلى الاعتداء على سوريا ولبنان الشقيقتين. وفي هذا السياق فإن الجمهورية اليمنية ترى في الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الأراضي السورية تأكيداً على رفض إسرائيل للسلام وهروباً عن عجزها في مواجهة المقاومة الفلسطينية وتصعيداً خطيراً يستهدف جر المنطقة العربية بأكملها إلى أجواء من التوتر والعنف والإرهاب.
إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية سيكون لها عواقب وخيمة إذا لم يتدارك المجتمع الدولي ذلك بحيث يعود حكام إسرائيل إلى صوابهم ورشدهم.
إن كل ذلك يدفعنا إلى الدعوة إلى انتهاج طريق أكثر فاعلية وواقعية من مجرد إصدار قرارات الشجب والتنديد وذلك بتبني مبادرات عملية وفعالة نحشد لها وبكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية دعم المجتمع الدولي لتكون سبيلا لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة وإلزام إسرائيل على احترام إرادة المجتمع الدولي والانصياع لقيم الحق والسلام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي.
كما تدعو الجمهورية اليمنية كافة شقيقاتها الأعضاء في منظمة المؤتمر الأسمي للمبادرة بدعم كفاح الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده والإسهام بفاعلية في صندوق دعم الانتفاضة وإننا في الوقت الذي نعرب فيه عن أسفنا لتفاقم الأوضاع المأساوية في العراق الشقيق ونزيف الدم المستمر هناك.. فإننا نطالب بسرعة انسحاب قوات الاحتلال الأجنبي من الأراضي العراقية وإتاحة الفرصة للشعب العراقي الشقيق بأن يدير شؤونه بنفسه.
كما إننا نرى أن الدعوة لإرسال قوات سلام عربية أو إسلامية إلى العراق أمر لا يجوز في ظل وجود الاحتلال ويعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للشعب العراقي الشقيق وأمر يتعارض مع مبادئ القانون الدولي.
وإذا كان لا بد من وجود قوات سلام عربية وإسلامية فيجب أن يكون ذلك بقرار عربي إسلامي وتحت مظلة الأمم المتحدة وبعد انسحاب قوات الاحتلال الأجنبي من العراق.
السيد الرئيس..
إن أمتنا الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الأخذ بأسباب التقدم والنهوض الحضاري الشامل واستعادة أمجادها التاريخية الغابرة وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاعتماد على العلم ومواكبة تطورات العصر.وإن عالمنا الإسلامي في أمس الحاجة إلى عولمة إسلامية تنطلق من رفع مستوى التجارة البينية بين دولنا وتحقيق وإزالة العوائق التجارية والسعي نحو خلق سوق إسلامية مشتركة في ظل الوضع الدولي الراهن وما يفرض عليه من إجراءات العولمة وفتح الأسواق للتنافس الدولي الغير متكافئ.
وإن منظمة المؤتمر الإسلامي مطالبة بكافة الجهود لإحياء التعاون بين الدول الإسلامية وتحقيق التكامل الاقتصادي وإقامة السوق الإسلامية المشتركة تحقيقا لوشائج الوحدة الإسلامية المبنية على المصالح المتبادلة ومساهمة خلق سلام اجتماعي يوفر للأمة الإسلامية الأمن والاستقرار ويعزز من احترام حقوق الإنسان وإشاعة الديمقراطية.
السيد الرئيس..
لطالما حذرت بلادنا من الإرهاب وعواقبه ولطالما نادت باتخاذ إجراءات عملية لمكافحته وإزالة مسبباته كما دعت وما تزال إلى عقد مؤتمر دولي خاص لتحديد مفهوم واضح للإرهاب وبما يميز بينه وبين حق الشعوب في النضال المشروع من أجل نيل الحرية والاستقلال، فالإرهاب آفة دولية خطيرة تهدد أمن وسلامة الجميع والإرهاب لا دين ولا وطن له ويتطلب تظافر جهود الجميع من أجل استئصاله، ولقد كانت اليمن من أوائل الدول التي دفعت ثمنا باهظا نتيجة الإرهاب، وعملت بكل جهد لاجتثاثه وبالتعاون مع المجتمع الدولي وحققت نتائج ملموسة في هذا المجال.
السيد الرئيس..
إن أمتنا الإسلامية تتعرض اليوم لحملة تشويه ظالمة من قبل أعداء الإسلام الذين يستهدفون من ورائها تحقيق مخططات معادية للنيل من الأمة الإسلامية ومحاصرتها وإشهار الحرب عليها واستهداف دولها واحدة تلو الأخرى وحيث لن يكون أحد من أبناء الأمة بمنأى عن ذلك الخطر الزاحف على الجميع.
وإن المسؤولية تقع على عاتق منظمتنا لدحض تلك الافتراءات والعمل على تحسين صورة الإسلام وإظهار قيم التسامح والحوار لتي تبنتها الأمم المتحدة عام 2001م بناءً على مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي.
السيد الرئيس..
إن الجمهورية اليمنية إذ ترحب بطلب الاتحاد الروسي الانضمام إلى هذه المنظمة كعضو مراقب فإنها ترى بأن ذلك خطوة ايجابية سوف تعطي منظمتنا ثقلاً وبعداً سياسياً هاماً وباعتبار أن هناك ما يقارب العشرين مليون مواطن روسي مسلم.. فإن تداول منظمتنا لقضايا الجماعات الإسلامية في دول العالم من خلال وجود تمثيل لتلك الدول في المنظمة كأعضاء مراقبين سيلامس الواقع وسيواجه تلك الدول مباشرة بحقوق تلك الجماعات وضرورة مراعاتها وبما يضمن الخروج بقرارات وتوصيات تنطلق من رؤى موضوعية فاعلة بدلاً عن إصدار القرارات التي ليس لها صدىً واقعياً سوى التردد والتكرار.
إن مفهوم الدولة الإسلامية الذي لم تنجح المنظمة في تحديده يمثل أحد العوائق في التعامل مع طلبات الانضمام إلى هذه المنظمة التي نشعر بأنها يجب أن تجسد روح الإسلام المتسامح غير المتعصب والذي ينتهج الحوار والمنطق والحجة والوسيلة للتقارب والتآخي بين الأمم والشعوب ولتحقيق ذلك سيحتاج الأمر إلى إعادة النظر في ميثاق المنظمة.
إن الجمهورية اليمنية تبارك الجهود المبذولة لإجراء الإصلاحات اللازمة في منظمة المؤتمر الإسلامي وتفعيل آليات العمل الإسلامي المشترك في إطارها لتتلاءم مع المتغيرات الدولية الجديدة وبما يحقق الغايات والأهداف التي أسست المنظمة من أجلها وفي مقدمتها تعزيز التضامن الإسلامي في كافة المجالات.
السيد الرئيس..
ختاماً: أتمنى لأعمالنا كل النجاح والخروج من هذه القمة بقرارات عملية وواقعية تعزز تضامننا وتنهض بالعمل الأسمي إلى مستوى طموحات شعوبنا التي تعول كثيراً على مؤتمرنا هذا وما سوف يتمخض عنه من قرارات وإجراءات تواجه بها أمتنا التحديات والمخاطر التي تحدق بها من أكثر من مكان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته