كلمة فخامة رئيس الجمهورية في القمة العربية في دورتها العادية الثالثة عشرفي عمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
الأخ العزيز صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين رئيس المؤتمر.
الأخوة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في البداية نوجه الشكر لأخي الرئيس محمد حسني مبارك على ما قدمه من جهود خلال رئاسته للدورة السابقة.. كما نعبر عن عميق الشكر لأخي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ولحكومة وشعب الأردن الشقيق على حسن الوفادة والحفاوة وكرم الضيافة التي حضينا بها…
وإنه لمن حسن الطالع أن يأتي اجتماعنا اليوم مع بداية عام هجري جديد في هذا البلد الشقيق لتجدد فينا بوارق الأمل وعزائم الإنجاز والسعي نحو مستقبل أفضل.
إن لهذه القمة المباركة قيمتها التاريخية باعتبارها انطلاقة جديدة وحدثاً هاماً في مسيرة العمل العربي كونها تمثل أول قمة تنعقد بعد إقرار الملحق الخاص بآلية الانعقاد الدوري لمجلس الجامعة على مستوى القمة. حيث كان للجمهورية اليمنية شرف المبادرة في اقتراح هذه الآلية التي لاقت الدعم والمؤازرة من قبل جميع الأشقاء الذين منحوها التأييد وإقرارها في مؤتمر القمة الغير عادي الذي رعته جمهورية مصر العربية الشقيقة في أكتوبر في العام الماضي.
إنني بهذه المناسبة أشيد بهذا الإنجاز الذي أصبح مكسباً لأمتنا..
عبر عن هدف توجهنا نحو إرساء دعائم العمل العربي المشترك وتجديد مساره والنهوض به في هذا الظرف التاريخي الذي تواجه فيه أمتنا تحديات مصيرية لا تقدر على مواجهتها إلا أمة مزودة بالإيمان والعزائم القوية وبتضامن حقيقي بين شعوبها وأنظمتها وبإصرار على تخطي جميع العقبات والتحديات المفروضة عليها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.
يتضمن جدول أعمالنا جملة من القضايا الهامة التي ينبغي على مؤتمرنا هذا أن يقف أمامها وقفة صدق وثبات راسخ لكي نحول الأقوال إلى أفعال حية وملموسة تعيد لأقطار أمتنا العربية ثقتها وإيمانها ويأتي في مقدمة المسائل المطروحة على جدول الأعمال تعزيز تضامن وطننا العربي مع القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب أشقائنا في فلسطين المحتلة في انتفاضتهم المباركة ونضالهم المشروع وصمودهم في وجه الغطرسة الصهيونية التي تشن اليوم حرب إبادة على الشعب المناضل الصامد.
إن بياناتنا وتصريحاتنا مهما حملت من إدانة ورفض للأعمال الوحشية التي تقوم بها قوات هذا الكيان الغاصب لا يمكن أن تجدي نفعاً ما لم يتحقق الدعم المادي والعملي غير المحدود لضمان مواصلة انتفاضة الأقصى الشريف وتمكين الشعب الفلسطيني من صد العدوان ومواجهة الإرهاب الصهيوني بكل أشكاله العسكرية والاقتصادية وانتهاكاته المستمرة للمقدسات ومحاولاته اللا أخلاقية وأعماله اللا إنسانية لطمس الهوية العربية والفلسطينية.
ولذلك فإن موقف الجمهورية اليمنية سوف يظل موقفا ثابتاً ومبدئياً لضرورة المواجهة وتحمل مسؤولياتها القومية وحشد كافة الطاقات الرسمية والشعبية لمواجهة هذا الصلف والتصعيد الخطير في ميدان المواجهة اليومي في فلسطين المحتلة ونؤكد هنا ما سبق وأن أعلناه في القمة العادية الماضية بأن يكون الدعم ثابتاً مستمراً عن طريق المساهمة المباشرة والمنتظمة من قبل الجميع وعبر الإطار الشرعي الممثل للشعب الفلسطيني وهي السلطة الوطنية الفلسطينية حتى تضطلع بمسئوليتها إزاء أسر الشهداء والجرحى والعاطلين عن العمل نتيجة سياسة الحصار والتجويع التي يمارسها الكيان الصهيوني لإجهاض الانتفاضة وهذا واجب ديني وقومي وإنساني علينا جميعا عرباً ومسلمين الاضطلاع به دون تردد.
أيها الإخوة الكرام…
إننا مطالبون بأن نحشد قوانا السياسية وكل إمكانياتنا الاقتصادية والثقافية والإعلامية من أجل تحريك الرأي العالمي والدفع بالموقف الرسمي في كافة المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية وتوظيف علاقتنا العربية ومصالحنا مع الآخرين سواءً مع الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي أو روسيا وغيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من أجل توفير الحماية للشعب الفلسطيني وتشكيل قوة دولية لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات والمعاهدات التي تضمن الحماية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي وكذا ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني للمضي في عملية السلام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتصلة بالصراع العربي الصهيوني.
إن السلام العادل والشامل والدائم الذي نسعى إليه وتناصره جميع شعوب الأرض إنما يتحقق في ظل أجواء لا تزهق فيها الأرواح ولا تمارس فيها سياسة الحصار والعزل والتجويع ولا تنتهك فيها حقوق الإنسان وتدمير حياته اليومية على هذا النحو الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ولذا فإن أي تقييم لمسار السلام ينبغي أن ينطلق من رؤية شاملة واستراتيجية تضع في الحسبان كل حقائق الوضع المأساوي والأخطار المحدقة التي ستلحق ضرراً فادحاً بالأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
الإخوة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
لقد مضت عشر سنوات على فرض العقوبات والحصار على الشعب العراقي الشقيق والتي نجم عنها مأساة إنسانية ومعاناة يصعب تحملها ولذا فإن هذا الوضع المأساوي الذي لا يرضاه ذوو الضمائر الحية قد خلق رأياً عاماً عربياً ودولياً بضرورة رفع الحصار الجائر على الشعب العراقي والذي ليس له ما يبرره وعلى الأشقاء اتخاذ المبادرة ولو من جانب واحد في اتجاه تحقيق ذلك الهدف، ولقد آن الأوان أن نقف أمام.. الحالة.. بين العراق والكويت مستوعبين كل دروس الماضي ومتطلعين إلى مخارج موضوعية وإنسانية بكل ما ترتب عن الأزمة التي شهدنا آثارها وانعكاساتها المدمرة على أوضاعنا العربية برمتها وإننا بالقدر الذي نقف فيه إلى جانب العراق الشقيق في الحفاظ على أمنه وسيادته ووحدة أراضيه فإننا نؤكد وقوفنا إلى جانب الكويت الشقيق في احترام سيادته وأمنه وسلامة ووحدة أراضيه وأن علينا جميعا كأشقاء أن نعمل من أجل إنهاء تلك الحالة الاستثنائية بين الأشقاء في العراق والكويت وبما من شأنه طي صفحة الماضي المؤلمة والتطلع نحو مستقبل عربي أفضل وتأسيس علاقات عربية سليمة ترتكز على قاعدة الإخاء الصادق والمصالحة والوضوح والتعاون والتكامل وتبادل المصالح وعلينا أن نسمو فوق الصغائر وأن نتحمل بعضنا بعضاً لما فيه خير أمتنا ومصلحتنا جميعاً.
إننا أيها الأخوة في هذه الأجواء العربية المتفائلة وفي ظل الرغبة الصادقة لشعوبنا لتعزيز اللحمة والتضامن العربي علينا وبجهد جماعي أن نكثف العمل على خلق فرص حقيقية للانتقال إلى حوار جاد في إطار الصراحة والمكاشفة لجعل مستقبل أجيالنا آمناً ومستقراً وبعيداً عن الخوف والشك والريبة وعدم الثقة بالنفس وبأننا قادرون على معالجة هذه التعقيدات كقدر ينبغي أن نتحمله في هذه الظروف التاريخية الحرجة التي ينبغي أن تسود فيها الحكمة والنوايا الصادقة والتسامح.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
لقد تضمن جدول الأعمال محوراً اقتصادياً هاماً ونحن في ظروف عالمية تزداد فيها التكتلات الاقتصادية وتتعاظم فيها أدوار التجمعات الإقليمية وهذه كلها تجعلنا أمام تحديات جديدة من أجل الدخول في منظومات العولمة ونحن أكثر قوة وتماسكاً واندماجاً بين اقتصادياتنا ذات الإمكانيات المتعددة والمتفاوتة مما يتطلب الأمر مؤازرة بعضنا بعضاً وبعث روح التكافل والتكامل من أجل ألاّ تتعرض إحدى بلداننا إلى تهميش أو العزل أو استمرار التبعية.
وفي هذا الإطار فإن عملاً عربياً مشتركاً ينبغي أن يرتكز على توحيد المفاهيم وتصحيح الاختلافات الهيكلية وإيجاد القواسم المشتركة في تحقيق التكامل الاقتصادي والشراكة وتبادل المنافع وتشابك المصالح بين شعوبنا وأقطارنا والسعي الجاد لإقامة السوق العربية المشتركة وإيجاد تعاون وثيق في مجال تكنولوجيا المعلومات.
الأخوة الملوك الرؤساء الأمراء..
إن العمل العربي في ظل المتغيرات الجارية اليوم في عالمنا يحتاج منا إلى وقفة جادة ومسؤولة بحيث لا تقف فقط أمام جزيئاته الإدارية والتنظيمية وإنما محتواه ومضامينه وجملة حركته وفعالياته السياسية والاقتصادية والثقافية وهذا يعني أننا بحاجة إلى تقييم شامل وموضوعي وإلى إيجاد الأطر المؤسسة ذات الفاعلية المؤثرة وخلق وضع جديد مستند إلى رؤية مستقبلية ذات بعد استراتيجي عربي لكل جوانب العمل العربي القومي المشترك.
وفي هذا الاتجاه فإننا بادرنا لاقتراح آلية الانعقاد الدوري والمنتظم لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة وها نحن نجني ثمار إقرارها، كما أن أجهزة الجمهورية اليمنية الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ستبذل أقصى جهدها للمشاركة في إعادة الهيكلة لجهاز الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وكذا المؤسسات والتنظيمات المتخصصة وإعادة تشكيلها بما يتطابق مع الأهداف والغايات والوسائل اللازمة لذلك، إنه لمن المهم في كل ذلك أن تتمتع مؤسسات العمل العربي المشترك بمزيد من الديمقراطية والشفافية في نشاطها وبقدرة على التكيف مع متغيرات العصر ومتطلبات مواكبة الأنساق الإقليمية والدولية ولكي يتحقق لعملنا المشترك حضور عربي رائد ونشط ومؤثر.
وفي كل الأحوال ندرك جميعنا بأهمية هذا التغيير الذي ينبغي أن يطرأ على هيئات ومؤسسات العمل العربي المشترك، وإن هذه القمة مدعوة لمساندة هذا الاتجاه إذا أردنا حقاً وفعلاً أن نحقق نقلة نوعية لها أبعادها القومية الاستراتيجية المستقبلية ونحظى من خلالها باحترام الآخرين وتأكيد وجود أمتنا وحضورها فوق هذا الكوكب وبما يعيد تعزيز قدرتها على مجابهة التحديات والدفاع عن مصالحها وأمنها مهتدين في هذا لقوله تعالى:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوه ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم
صدق الله العظيم
صاحب الجلالة الملك عبد الله بن الحسين.. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
لقد أردت من خلال خطابي هذا التعبير عن أصدق النوايا والتوجهات التي أحملها إليكم كرسالة من الشعب اليمني إلى جميع أشقائه العرب.. وهي رسالة وفاء ومحبة وإخاء.. ورسالة إيمان بالمصير المشترك متمنياً لمؤتمرنا هذا النجاح والتوفيق والخروج بقرارات ونتائج تكون عند مستوى تطلعات جماهيرنا العربية التي تنتظر من هذا المؤتمر الكثير وعند مستوى التحديات الخطيرة التي تواجه أمتنا وتهدد مصالحها وأمنها ووجودها.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ، ،