كلمة فخامة الرئيس في القمة العربية الاستثنائية في مدينة سرت الليبية
سرت: ألقى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية كلمة هامة في القمة العربية الاستثنائية التي بدأت أعمالها بعد ظهر أمس في مدينة سرت الليبية.
وأكد فخامة الرئيس في الكلمة على الأهمية التي تكتسبها هذه القمة الاستثنائية نظرا لأهمية الموضوعات التي تناقشها وفي مقدمتها موضوع تفعيل العمل العربي المشترك وتطوير آلياته, ما جعل آمال جماهير الأمة العربية معقودة عليها للخروج بنتائج وقرارات تترجم التطلعات المنشودة وبما يكفل الانتقال بالعمل العربي المشترك إلى آفاق أكثر تقدماً تواكب تطورات العصر والتكتلات والاتحادات الإقليمية والدولية وتخدم الأمن القومي العربي وتعزز من قدرة الأمة على مجابهة التحديات والمخاطر المحدقة بها على أكثر من صعيد.
وقال: "لقد قدمت اليمن مبادرة لتفعيل العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي من خلال إنشاء إتحاد للدول العربية, وإذا كانت هذه المبادرة ستخلق إنشقاقا في الصف العربي فليس لدينا مانع من أن نجمدها أو نؤجلها, فالمهم أننا نطور العمل العربي المشترك وما نتفق عليه نسير فيه وما لم نتفق بشأنه نتحاور حوله حتى نتوصل إلى أتفاق عليه في الفترة القادمة".
وأضاف: "أرجو أن لا يساء الفهم حول هذه المبادرة وأن لا ينظر إليها بأنها مشروعا عاطفيا مقدما من ملك أو من أمير أومن رئيس جمهورية وإنما كمبادرة قومية حرصت الجمهورية اليمنية على طرحها للنقاش أمام القادة العرب في ضوء متابعتها للأحداث والتطورات الإقليمية والدولية والتحديات التي تواجه الأمة والتي تقتضي جميعها تفعيل العمل العربي المشترك".
وأردف فخامته قائلا: "الجامعة العربية أدت واجب عظيم وممتاز ورائع منذ تأسيسها, ومع مرور الوقت والتطورات المحيطة بنا أصبح لا بد من ان نطور من منظومة العمل العربي وأن لا نهتم بالشكليات أو المسميات بل نركز على كيفية تطوير منظومة العمل العربي المشترك سواء عبر الجامعة أو بالانتقال إلى الإتحاد.. سموها كما شئتم".
وتابع: "القضية ليست في التسمية وإنما الهدف الأساس هو كيفية تفعيل العمل العربي المشترك و تطوير منظومته وآليات عمله حتى وأن تم الإبقاء على الجامعة العربية وتفعيل الكثير من هياكلها".
وأستطرد قائلا: "وإذا كان هذا الحديث حول تطوير منظومة العمل العربي سيحدث سوء فهم داخل المجموعة العربية, فانا اقترح تجميد نقاش الموضوع ودعونا نحافظ على ما تبقى من التضامن العربي في إطار ما يسمى بالجامعة العربية, وبالإمكان أن نناقش سبل تطوير العمل العربي المشترك من خلال ميثاق جامعة الدول العربية نفسها وبحيث نأخذ الميثاق كمنظومة متكاملة كوثيقة قومية ونفعلها بكل نصوصها منها اتفاقية الدفاع العربي المشترك و في نفس الوقت المجلس الاقتصادي الأعلى وإنشاء محكمة فض المنازعات فهذه موجودة أيضا في ميثاق جامعة الدول العربية, هذا إذا بعض الإخوان منزعجين من كلمة اتحاد الدول العربية فلنجمد هذه المبادرة ونفعل ما جاء في ميثاق الجامعة العربية طالما وهذه المبادرة ستخلق سوء فهم وتحدث تصدع في العلاقات الأخوية العربية".
وتوجه فخامة الرئيس بالشكر والتقدير لأخيه العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية – رئيس القمة العربية الحالية على مواقفه القومية ودعمه لمسيرة الوحدة العربية وكذا على الجهود التي بذلها خلال الفترة الماضية سواء في إنجاح أعمال القمة العربية الاعتيادية في دورتها ال (الثانية والعشرين) أو اجتماع القمة العربية الخماسية التي احتضنتها مدينة طرابلس ومتابعة القرارات الصادرة عن القمتين, فضلا عن التحضيرات الخاصة بانعقاد هذه القمة الاستثنائية.. واصفا العقيد القذافي بأنه قائد وحدوي ومخلص لأمته.
وتطرق فخامته إلى تطورات الأوضاع على الساحة الفلسطينية والعقبات التي تضعها الحكومة الإسرائيلية لعرقلة مسيرة السلام العادل والشامل في المنطقة.
وقال: "إن حكومة نتنياهو لا ترغب بالسلام ولن يتحقق سلام في ظل حكومة يرأسها نتنياهو, وليس أمام الفلسطينيين سوى طريق النضال وتصعيد المقاومة المشروعة للاحتلال لاسترداد حقوقهم المغتصبة, فالحق المغتصب لا يمكن أن يستعاد إلا بما أخذ به".
وشدد فخامة الرئيس على أهمية تعزيز الدعم العربي للشعب الفلسطيني ونضاله المشروع وقضيته العادلة وكذا دعم السلطة الوطنية الفلسطينية بما يمكنها من مواجهة الصلف الصهيوني ومخططاته الاستيطانية التوسعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. مطالبا في ذات الوقت الدول العربية بالإيفاء بالتزاماتها تجاه الأشقاء الفلسطينيين عبر صندوق القدس.
ومضى قائلا: "نطالب بدعم السلطة الفلسطينية أولا ودعم الحوار الفلسطيني – الفلسطيني ثانيا وكذا الوقوف إلى جانب السلطة الفلسطينية كسلطة شرعية وان نعزز من موقفها ونعزز من الوقوف إلى جانبها بما يسندها ويعزز من مواقفها التفاوضية مع الولايات المتحدة الأمريكية وليس مع نتنياهو, كون تاريخه معروف للجميع وهو ليس برجل سلام ولا يريد أمن ولا استقرار ومصر على عدم إيقاف الاستيطان".
ولفت إلى أهمية أن يركز العرب على استغلال التوجهات الإيجابية التي وردت في خطاب الرئيس الأمريكي بارك اوباما الذي وجهه إلى الأمة الإسلامية عندما جاء إلى مصر وكذلك برنامجه الانتخابي الواضح, أما نتنياهو فهو متنفذ وهناك قوة يمينية وقوى صهيونية تدعمه".
وأردف فخامة الرئيس قائلا: "ولهذا ينبغي أن لا نظل نغرد ببيانات الشجب والتنديد التي ليس لها أي صدى وأن ندرك أن الحل هو في فوهات البندقية وتصعيد المقاومة المشروعة بكل الوسائل, أما استمرار التفاوض في ظل هذا الصلف الصهيوني فهي أهانه للجميع وليس منه أي جدوى".
ودعا فخامته جميع الدول العربية إلى دعم السودان الشقيق وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه بوضوح وبشفافية خصوصا في ظل التدخل الخارجي السافر في شؤونه الداخلية والأجندة الخارجية الساعية لتجزئة السودان والإطماع الخارجية في ثروة هذا البلد الشقيق.
وقال: "يجب علينا أن نرفض أية محاولات تؤدي إلى إنفصال جنوب السودان ونطالب بتأجيل إجراء الاستفتاء إلى أن تستقر الأوضاع داخل السودان الشقيق بدلا من إجرائه في ظل الزوبعة الحالية وفي ظل ما هو حادث الآن من تآمر على السودان وثروته ووحدته فهذا صراحة يجعل أيدينا على قلوبنا".
وأضاف: "ولهذا نطالب بالوقوف إلى جانب السودان من أجل تأجيل الاستفتاء حتى تتوفر الظروف المواتية لإجراء الاستفتاء بطريقة سليمة وديمقراطية ودون تأثيرات خارجية وبما يجنب السودان أية صراعات قد تحدث نتيجة إجراء هذا الاستفتاء في الوقت الراهن".
وبشأن الصومال.. شدد فخامة الرئيس على ضرورة دعم الصومال وحكومته الانتقالية بما يمكنها من السيطرة على الأوضاع الأمنية ومكافحة الإرهاب والقرصنة ومواصلة جهودها لإحلال الأمن والاستقرار والسلام في هذا البلد الشقيق وإعادة بناء مؤسسات الدولة الصومالية.. منبها في ذات الوقت من أن بقاء هذا البلد منفردا يواجه التحديات والمخاطر المحدقة به دون دعم عربي ودولي سيجعله فريسة لقوى التطرف والإرهاب ويشكل بؤرة خطيرة لتنامي الإرهاب والقرصنة الأمر الذي سينعكس بآثار سلبية ومخاطر جسيمة تهدد الأمن والاستقرار ليس في منطقة القرن الأفريقي فحسب وإنما في المنطقة العربية والعالم بشكل عام.
وطالب فخامة الرئيس القمة بإقرار تخصيص دعم شهري للصومال بما لا يقل عن عشرة ملايين دولار شهريا, لما من شأنه تعزيز قدرة الحكومة الصومالية على مواجهة التحديات الراهنة وفرض سيطرتها الأمنية على كافة الأراضي الصومالية ومكافحة الإرهاب والقرصنة.
واستعرض فخامته الأعباء الاقتصادية والأمنية الكبيرة التي تتحملها اليمن جراء انعكاسات استمرار حالة الإختلالات الأمنية والأوضاع غير المستقرة في الصومال.. موضحا أن استمرار هذه الاختلالات يؤدي إلى زيادة أعداد النازحين من الأراضي الصومالية نحو اليمن.
وأستطرد فخامته قائلا: "الصومال دولة شقيقة مجاورة لليمن ونحن نحتضن في الوقت الراهن ما يتراوح بين سبعمائة ألف إلى مليون لاجئ صومالي ويشكلون عبئا اقتصاديا وثقافيا وصحيا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا على اليمن".
وكشف فخامته أن التحقيقات الأولية التي أجريت حول العمل الإرهابي الذي أستهدف دبلوماسيين بريطانيين في صنعاء قبل يومين تشير إلى أن السلاح المستخدم هو صاروخ لو المضاد للدروع وهو من النوع المحمول على الكتف وأن هذا السلاح جاء للعناصر الإرهابية في اليمن عبر البحر من الصومال".
وتساءل قائلا: "ولهذا لماذا لا نبادر لدعم الصومال وندعم الحكومة الانتقالية لكي تسيطر على الأوضاع ونكون شركاء معها لإيقاف هذا النشاط الإرهابي لتنظيم القاعدة وكذلك نشاط القراصنة وغيرها من النشاطات الإجرامية والإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار الصومال واليمن كون ذلك ستكون له انعكاسات سلبية على دول المنطقة جميعا وعلينا ان نأخذ حذرنا من وقت مبكر وان نبادر في دعم الحكومة الانتقالية الصومالية كما نحن في اليمن بادرنا في تقديم دعما لها رغم إمكانياتنا المتواضعة".
وأردف فخامته: "ولهذا أطلب من الجامعة العربية ومن أشقائي الملوك والرؤساء والأمراء تقديم الدعم للحكومة الصومالية لكي تقف على أقدامها وتقوم بإنشاء شرطة وتستعيد بناء الجيش الذي أنهار مع إنهيار نظام الرئيس الأسبق محمد زياد بري, والجيش والشرطة الصومالية ستتصدى لتلك العناصر الإرهابية المتواجدة على الأراضي الصومال وتقضي على شرهم".
وتطرق فخامة الرئيس إلى المشروع المطروح على جدول أعمال القمة بشأن سياسة الجوار العربي وإقامة رابطة الجوار الإقليمي للدول العربية.
وقال: "علينا ان ندرك بأنه لا يمكن أن تكون هناك علاقات مع دول جوار تحتل أراضي عربية أو تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية".
وأردف قائلا: "لا بأس أن تنشأ رابطة مع دول الجوار ولكن كيف ننشئ هذه الرابطة مع دول الجوار, في حين أن بعض دول الجوار تتدخل في الشأن الداخلي للأمة العربية وبعضها تحتل أراضي من الأراضي العربية فالجماهير في الوطن العربي ستتساءل كيف تقيموا رابطة مع دول جوار تأذيكم وتتدخل في شأنكم الداخلي وتحتل أراضيكم سوا في الخليج أو في أي مكان آخر؟".
وفي حين أشاد فخامته بالجهود التي بذلها الأمين العام لجامعة الدول العربية بشأن هذه المبادرة الايجابية لإنشاء الرابطة.. شدد في ذات الوقت على أهمية أن يراعي في مشروع إنشاء الرابطة بأنه يحظر انضمام أية دولة إليها من الدول التي ما تزال تحتل أراض عربية أو تتدخل سلبيا في شؤون أي من الدول العربية, وأن العضوية فيها مقتصرة على دول الجوار التي تحترم الدول العربية لنكون شركاء معها كون الدول العربية لا يمكنها أن تقبل بالهيمنة أو تقيم شراكة مع أية دولة تحتل جزء من أراضيها أو تتدخل في شانها الداخلي".
وتمنى فخامة الرئيس في ختام كلمته لهذه القمة العربية الاستثنائية النجاح والتوفيق لما فيه خير الأمة وتلبية تطلعات جماهير الأمة المعقودة عليها..