كلمة فخامة الأخ/ رئيس الجمهورية في الحفل الخطابي والفني الذي أقيم في مدينة عدن بمناسبة العيد الثلاثين للاستقلال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الحق والعدل والتوحيد.
أهنئ أبناء محافظة عدن وكل جماهير شعبنا باحتفالات أعياد الثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر والـ30 من نوفمبر.
إن أفراحنا تتعاظم يوماً بعد يوم بإنجازات الثورة وعطاءات كل المخلصين على طريق التنمية والإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري.
إن هموم أبناء الوطن كبيرة وكثيرة قبل الثورة وبعد الثورة وبعد الاستقلال وقبل الـ22 من مايو 1990م وبعد إنهاء حرب الردة والخيانة.
ولقد التأم شمل الأسرة اليمنية في كيان واحد ولم نكن نعرف في الماضي أننا مشطرون أو أن هناك ما يسمى بشماليين أو جنوبيين، لقد كنا نعرف منذ الصغر أننا يمن واحد موحد العقيدة والمبادئ.
ما أجمل تلكمُ الأيام عندما انفجرت ثورة 26 سبتمبر في العاصمة صنعاء وهب كل أبناء الوطن وعلى وجه الخصوص من هذه المحافظة عدن الباسلة عندما تحرك شبابها ورجالها ونساؤها يدافعون عن الثورة الأم لا بدافع سياسي أو تحت ضغط مستعمر بل بإرادة جماهير أبناء الوطن اليمني الواحد.. لقد تحركت القوافل من هذه المدينة وسقط الآلاف على جبال رازح والمحابشة ونقيل يسلح وخولان وفي عدد من مناطق الجمهورية عندما شن أعداء الثورة حرباً ضارية لإفشالها، ولكن أبناء الوطن أبوا إلا أن ينتصروا لإرادتهم ودافعوا عن ثورة 26 سبتمبر لأنها ثورة كل أبناء الوطن من شماله وجنوبه شرقه وغربه.
وكانت الوحدة اليمنية هي أُمنية تراود كل الوطنين الأحرار الشرفاء، وتحققت الوحدة بحمد الله وكنا مستعدين لأن ندفع أي ثمن في سبيلها.. أن نتخلى عن مناصبنا وذاتيتنا ونحقق هذا المنجز العظيم.. وبالفعل تحقق وفي مثل هذا اليوم قبل 8 أعوام، وقعنا في هذه المدينة الباسلة على وثيقة وطنية كبرى هي وثيقة إعادة تحقيق الوحدة بإرادة وطنية حرة وسط زخم جماهيري وحماس كبير.. وكنا قد بدأنا تلك الحملة من أجل الوصول إلى تلك الغاية من صعدة وذمار وتعز وإب، ووصلنا إلى رفاقنا في قيادة المحافظات الجنوبية ووقعنا على ذلك العقد بإرادتنا جميعاً، وأعلنا الجمهورية اليمنية في الـ22 من مايو 1990م وسط حماس جماهيري كبير وتم التئام شمل الأسرة اليمنية الواحدة.. ثم جاءت الأزمة الخطيرة في عام 1990م عندما اندلعت حرب الخليج التي شتتت شمل الأمة العربية ومزقت الصف العربي نتيجة ما حدث عندما احتل العراق الكويت وتم تجميع القوى الدولية لإخراج العراق من الكويت.. أعلنا فيها موقفنا بوضوح بأنه لا يجوز احتلال قطر من قبل قطر آخر. وبعدها بدأت خيوط المؤامرة على ثورتنا ووحدتنا ووطننا تنسج.. وكنا نراقبها يوماً بعد يوم ونبهنا إلى مخاطرها عسى أن ينتبه من انساقوا في تلك المؤامرة، وقلنا علينا أن نتحاور ونتفاهم ونترفع فوق الصغائر ونحافظ على وحدتنا ولو أدى ذلك إلى أن نتخلى عن مناصبنا وتبقى الوحدة شامخة.
ولكن شاءت الأقدار أن يحدث ما حدث وسفكت الدماء من أبناء الوطن سواء دماء المنتصر أو المهزوم، فهي دماء زكية دماء سبتمبر وأكتوبر.. وانتصرت الوحدة وأعلنا العفو العام سواء عمن كانوا في الداخل أو الخارج وقلنا عفا الله عما سلف، وهذه غلطة، ارتكبت في تاريخ الوطن ولا داعي لأن نتذكر الأحزان ولنبدأ صفحة جديدة.
عدا تلك الشخصيات التي شملتها قائمة الادعاء العام والتي عليها المثول أمام العدالة لتقول كلمتها بحقهم.. فإذا برأتهم فسنحترم ذلك وإذا أدانتهم يتحملون مسؤولية تلك الدماء التي سفكت وما لحق بالوطن من تدمير للبنية الأساسية.
من المؤسف أن البعض قد فهم العفو العام بأنه جاء وهن وضعف، وبنى حساباته على ذلك.. وهي حسابات مغلوطة لأن ما حدث خلال الشهرين الأخيرين من تفجيرات وتفخيخ للسيارات واختطاف الأجانب وإقلاق للأمن لا ينسجم مع الوحدة الوطنية وحرية الرأي والتعددية السياسية وحقوق الإنسان، فالرأي هو الكلمة والنصيحة والنقد البناء وليس إقلاق أمن الوطن والمواطنين وتشويه سمعة الوطن بل هي أعمال تخريبية تدينها كل القوى الوطنية الشريفة في الساحة اليمنية.
إن همنا الأساسي هو الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري وحققنا نتائج طيبة من خلاله على الرغم من الجُرع التي تحملها أبناء الوطن ولكنها هانت أمام إصلاح أوضاعنا الاقتصادية والإدارية وأكبر دليل على انتصارنا في تلك الإصلاحات هو ما خرجنا به من اجتماعات نادي باريس الذي أزال من على كاهل الوطن ولكل امرأة وطفل وشاب ورجل وشيخ أعباء الديون التي ظلت تثقل كاهل الوطن والتي بلغت حوالي ستة مليارات وسبعمائة وأحد عشر مليون دولار، وهذا انتصار للسياسة اليمنية والحكمة اليمانية واليوم أصبح الوطن من أقل الدول النامية تحملاً لأعباء الديون وهذا ما نفخر به ونعتز به.
علينا أن تتضافر جهودنا أحزاباً وأفراداً وسواء كانت الأحزاب في السلطة أو في المعارضة، ونحن نرحب بالمعارضة الوطنية الشريفة التي تلتزم بالثوابت الوطنية، الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية ونتنافس بالرأي وممارسة النقد البناء، ولقد كنت في بريطانيا وحضرت جلسة من جلسات مجلس العموم وشاهدت هذا البلد الحضاري ورأينا التنافس بين الأحزاب المعارضة والحاكمة المحافظين والعمال وهناك بالنسبة لهم خطوط حمراء ولا تمس الثوابت الوطنية وبريطانيا بالنسبة لهم فوق كل اعتبار.
لقد كانت هناك قوى سياسية غُرر بها من قبل صناع القرار الذين استلموا ثمن دماء الشهداء واشتروا الشقق والفلل الفاخرة في الخارج ولم يعد هؤلاء من الخارج حتى بعد صدور قرار العفو العام وتحدثت إلى الكثير منهم وقالوا لي: كم تعطوني أنتم قلنا له في إطار الراتب والدرجة الوظيفية، قال لي: أنا استلم مبالغ كبيرة لا تستطيع أن توفرها لي، وذكر لنا الأرقام التي تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات وأنا أكرر مرة أخرى ومن هذه المدينة الدعوة لكل العسكريين والمدنيين المتواجدين في الخارج وأقول اعصبوا بطونكم وعودوا إلى الوطن بين أهاليكم وإخوانكم ولن ينالكم أي مكروه.
إننا بهذه المناسبة نشكر أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين تصدوا لكل عوامل الإحباطات والتشكيك ولك المغريات ونقدر مواقفهم الوطنية.
نحن لسنا ضد إخواننا في الحزب الاشتراكي بل إننا نمد أيدينا لهم كقوة سياسية في الساحة ولكن عليهم أن يبنوا أنفسهم في إطار المتغيرات الوطنية والدولية وعلينا أن نتعظ ونبدأ صفحة جديدة ونعالج أوضاعنا ونحن نريد أن تكون هناك معارضة قوية ومنظمة لأن المعارضة الوطنية هي الرديف للحكم وهي جزء لا يتجزأ من سلطات الدولة وأن نفكر إزاء بعضنا بعض ليس كأعداء وخصوم وإنما أن يكون هناك قبول للرأي البناء في المجال الاقتصادي أو السياسي وفي مجال شؤون الحياة بعيداً عن الخصومة أو الحقد أو الانتقام، ويكفي بلادنا فخراً أنه عندما انتهت الحرب في صيف عام 94م لم تسل قطرة دم واحدة ولم يكن هناك معتقل سياسي واحد داخل الوطن.
إنه لا تسامح مع كل من فجر أو اغتال أو قام بعمل تخريبي وكل من قام بذلك سوف ينال جزاءه في إطار الدستور والقانون.
مرة أخرى أكرر التهاني لكم بمناسبة أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والثلاثين من نوفمبر ولتشابك الأيدي لبناء يمن الـ22 من مايو ولنتناسى الماضي ونتركه للتاريخ ونبدأ صفحة جديدة في مسيرة البناء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.