كلمة الأخ رئيس الجمهورية في حفل تكريم أوائل الخريجين من جامعة عدن (دفعة محمد الدرة) للعام الجامعي 99/2000
نهنئ الخريجين، وعندما نتحدث وباستمرار عن بناء الإنسان، فإننا لا نستطيع أن نعمل شيئاً أو نغير ما في نفوس قومنا ما لم ننل التعليم والتحصيل العلمي الجيد الذي يزيل كل ما علق بالنفوس من آثار التشطير الإمامي الكهنوتي والاستعماري الرجعي والنظام الشمولي.. وبفضل وحدة اليمن المباركة التي أعلنت يوم 22 من مايو 1990م توحدت الصفوف والقلوب وتوحد التعليم وتعمق الوئام والثقة بين كل أبناء الوطن.
إن عدن الباسلة هي وعاء لكل أبناء الوطن من كل أنحاء اليمن شرقه وغربه شماله وجنوبه فالوطن واحد والشعب واحد.. والتشطير في حقيقة الأمر لم يكن موجوداً سوى في عقول من تربعوا على كراسي السلطة.. أما الوطن فهو موحد العقيدة والجغرافيا والمبادئ منذ الأزل وقبل قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962م أو تفجيرها في الـ14 من أكتوبر 1963م.. كان الشعب يتنقل ويتحرك بكل حرية في كل أنحاء الوطن دون حواجز، وكانت عدن دوماً هي الثغر والميناء الرئيسي لكل أبناء الوطن.. ولم يأتِ التشطير للأسف إلا بعد الاستقلال عندما أرادت بعض القيادات أن تكون قيادات مستقلة رافضة المشاركة في ظل دولة الوحدة التي أعلنت مبادئها يوم الـ26 من سبتمبر 62م، ولكن ما بني على باطل فهو باطل.
والآن بحمد الله توحد الوطن على الرغم من كل المؤامرات ضده، والانفصاليون ليسوا من الجنوب بل هم من الشمال والجنوب، ونحن لا نقول شماليين أو جنوبيين، ولكن نقول إنهم انفصاليون يمنيون في قلوبهم مرض.. فشلوا في تحقيق أي شيء إيجابي للوطن في شماله أو جنوبه، ولم يستطيعوا أن يحققوا شيئاً لا على صعيد الوحدة أو البناء.. لهذا كانوا مع الانفصال حتى لا تنكشف نواياهم وعجزهم عن إدارة شؤون البلاد، وظهر عجزهم بالفعل سياسياً واقتصادياً وثقافياً وبعضهم لا يحلو له إلا إذا لقب بأستاذ على الرغم أن مدلولات كلمة الأستاذ لها معانٍ كبيرة فالأستاذ هو مربٍ وعالم وليس مجرد لقب.
إن من المهم أن يقيم الباحثون أوضاعنا قبل الاستقلال وبعد الاستقلال وقبل إعادة الوحدة.. وما بعدها ولقد وجهنا بتشكيل لجنة من قادة الرأي ورؤساء المراكز البحثية وأساتذة الجامعات وبشكل وطني لكتابة تاريخ الثورة اليمنية بإنصاف ومسؤولية وحياد، وبحيث يتناولون السلبيات والإيجابيات خلال مسيرة الثورة.. وكان من المقرر أن يبدأ عملها في الـ30 من نوفمبر، ولكن تطلب الأمر بعض الوقت من أجل الإعداد والتحضير الدقيق وجمع المراجع والوثائق، وحتى تأتي النتائج جيدة وواقعية وبعيدة عن المجالات.
أنا بصراحة أرى الكثير من الندوات التي عُقدت في بعض مراكز الدراسات كان فيها الكثير من المجاملات وكل شخص يمدح الآخر، ونحن نريد حقائق كما هي.. ودور كل شخص في الحركة الوطنية ودوره في الثورة.. ودوره في مسيرة البناء، وحتى دوره في التخريب داخل الوطن لأنه للأسف بعضهم يدعون أنهم من الحركة الوطنية وهم مخربون داخل الوطن، ومنها مثلاً عندما خربوا المناطق الوسطى وخربوا الكثير من المناطق، ومع ذلك يعتبرون أنفسهم من الحركة الوطنية، ونحن نريد أن نكتب تاريخ الثورة بإنصاف ووضوح ومسؤولية وأن يعطى كل ذي حق حقه.
إن هذا الجيل من المتعلمين هم جيش للتنمية والأستاذ مناضل ومربٍ فاضل وقائد لأنه يقود جيلاً وهو فارس في الكلية والجامعة والمعهد والمدرسة، وكل إنسان مبدع في أي مجال هو فارس في ميدانه والعملية منظومة متكاملة.. بناء مجتمع سواء في الصحة أو الزراعة أو الاقتصاد، ونحن بحاجة إلى عطاءات الجميع وإلى كل التخصصات وفي شتى مناحي الحياة.. ونحن بحاجة إلى أن يتحلى الجميع في وطننا بالشجاعة والصدق والصراحة والإخلاص في أي مرفق أو مؤسسة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية فلا بد أن تسود الشجاعة لأنني أرى كثيراً من العناصر تستغل شاشة التلفزيون أو وسائل الإعلام المسموعة المقروءة لتشويه الحقائق وممارسة الكذب أو للظهور لكسب الشعبية ممن يشاهدونه من المغتربين في الخارج، ويظن أن ذلك يأتي في إطار الحرية والديمقراطية.. والديمقراطية والحرية سلوك ومسؤولية، والعصر هو عصر الديمقراطية.. لقد كان مثلاً عدد الملتحقين بجامعة عدن 3600 طالب وطالبة في عام 95م، واليوم يبلغ عدد الملتحقون بالجامعة ستة وعشرين ألف طالب وطالبة.. أليس هذا مؤشراً على النمو السكاني، ونحن نتحدث دوماً عن مشكلة الإنفجار السكاني وأنه مهما نمت مواردنا فإنه هذه الزيادة السكانية تلتهم كل الموارد، ولكن بعض الفاشلين تجدهم يتحدثون ويقولون أين موارد النفط وهم يعلمون ماهي موارد النفط وما الذي تحتاجه المزيد من الاستكشافات النفطية من استثمار وجهد ولكنها مزايدة.. ومامن شك فإن طموحاتنا كبيرة كمواطنين وسياسيين في أن تكون مثلاً جامعاتنا أفضل وأن تكون شوارعنا أوسع وأن تكون معدلات التنمية في بلادنا أكبر.. ولكن ينبغي أولاً أن نكون منصفين وموضوعين فيما نقول ونمارس.
إنني أحث كل أبناء الوطن على التعليم والتحصيل العلمي الجيد وأن يعلموا على تعميق الوحدة الوطنية وعدم الانشداد للماضي فالوطن يعلق آمالاً كبيراً على شبابه.. لكي يتحمل مسؤوليته في مسيرة البناء العلمي الصحيح، وتصحيح أخطاء الماضي سواء كان ذلك الماضي يرتبط بالعهد الإمامي الرجعي أو العهد الاستعماري أو العهد الشمولي الماركسي.. إن البعض حالهم مثل بيت حميد الدين في تخلفهم ورجعيته لا هم أفادوا الوطن ولا نفعوا أنفسهم، وهم لا يجدون سوى المزايدة التي لا معنى لها.. لقد كانت الوحدة في صالح هؤلاء أكثر من غيرهم، ومع ذلك تجدهم يتحدثون اليوم عن إقصائهم من السلطة وعن الضم والإلحاق وكل شخص منهم تأثرت مصلحته أو تم تغييره لاسباب تتعلق بتقصيره في واجبه أو لأسباب تتعلق بالفساد فإنه سرعان ما يتحدث عن المواطنة من الدرجة الأولى والمواطنة من الدرجة الثانية وعن الضم والإلحاق.. فهل هناك مزايدة أكثر من ذلك.
ختاماً أعبر عن شكري وتقديري لقيادة جامعة عدن على ما تبذله من جهود جيدة من أجل الارتقاء بمستوى الجامعة فهي تعمل بصمت وهدوء وبعيداً عن الضوضاء، واستطاعت تحقيق نتائج جيدة وإنجازات كبيرة للجامعة.