كلمة الأخ رئيس الجمهورية في الدورة الاستثنائية للمؤتمر العام الثاني للتجمع اليمني للإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
أعبر عن سعادتي لحضور هذه الدورة الاستثنائية للتجمع اليمني للإصلاح، وفي البداية أبارك وأهنئ كل النتائج التي سوف يسفر عنها اجتماعكم هذا حيث تكتسب هذه الدورة أهمية كبيرة في إطار العملية الديمقراطية وما انعقاد هذا المؤتمر إلا دليل قاطع على أن التجربة الديمقراطية في بلادنا بدأت تتضح وتتطور في إطارها الصحيح، والعملية الديمقراطية لم تكن تقليداً أو مفروضة من أحد على شعبنا اليمني بل هي خيار وطني اخترناه وانتهجناه برضانا جميعاً، فعلينا أن نرعى هذه العملية الديمقراطية وهي في بدايتها، وهي تترسخ يوماً بعد يوم، وفي بداية الأمر تبدو الأمور صعبة ولكن عندما توجد العزيمة والإصرار والقناعة تنضج هذه التجارب والتي نعتبرها مكسباً وطنياً لشعبنا وللوطن.
الأخوة والأخوات أعضاء المؤتمر العام الثاني للتجمع اليمني للإصلاح.. إننا نخوض هذه التجارب الديمقراطية، بمسئولية وطنية دون اللجوء للعنف والإرهاب أو أي أعمال أخرى تتنافى مع الديمقراطية.. وهي ممارسة سياسية نهتم بها جميعاً.
وأنا أتحدث إليكم في التجمع اليمني للإصلاح كأخ ورئيس للبلاد وليس كرئيس لحزب سياسي بل رئيس للأمة اليمنية كلها.. يجب أن يترسخ مفهوم الديمقراطية الحقه فعندما أخذنا بالتعددية السياسية والحزبية لم نعنِ بذلك الفراق أو الطلاق.. لقد كنا ننضوي سوياً تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام وفي عام 1990م أخذنا بخيار التعددية وتشكلت الأحزاب في إطار الديمقراطية وطبقاً للدستور والقانون ولا يعني هذا فراقاً بيننا وبين إخواننا في الإصلاح أو التنظيمات السياسية الأخرى.. فالتعددية لا تفسد للود قضية بل تزيدنا إصراراً وتفاهماً وحرصاً على رعاية التجربة، وهذه مسئوليتنا جميعاً ليس الرئيس وحده أو حزب بعينه بل الجميع لأن التجربة من صنعنا جميعاً ونمارسها جميعاً وهي ليست نظرية فلسفية من هنا وهناك دون حاجة لذكر أي قطر في الوطن العربي أو خارجة بل هي تجربة وطنية توفرت عن قناعة لدى كافة القوى السياسية في الساحة الوطنية والديمقراطية هي الحل بعيداً عن اللجوء للعنف أو أي عمل آخر.
إن انعقاد هذا المؤتمر وفي هذه الظروف بداية صحيحة ودليل على رسوخ العملية الديمقراطية.. لقد سمعت الكثير من بعض إخواننا في التجمع اليمني للإصلاح أو بقية التنظيمات السياسية حول وجود خروقات وحول تصحيح جداول الناخبين، ونحن نقول كل شيء جائز السلبيات لابد أن توجد والإيجابيات يجب أن تكون موجودة، ولكن علينا أن ننمي الإيجابيات ونحاصر السلبيات ليس من قبل الرئيس أو المؤتمر بل من الجميع.. فهذه مسؤولياتنا جميعاً لأننا أبناء وطن واحد ومن جلدة واحدة … علينا أن ننمي التجربة ونحاصر السلبيات ونرعى ونطور الإيجابيات أينما كانت وفي أي اتجاه سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً وغيرها ونسمي الأسماء بمسمياتها، وعندما يكون هناك شيء إيجابي نقول عنه إيجابياً ونشجعه حتى لا يحبط من يقومون به ونجعلهم يلجأون للسلبيات، وما من تجربة أو مرفق أو شخص إلا وله سلبيات وإيجابيات، ولذلك الخالق عز وجل أقام الشريعة وأنزل القرآن وعلمنا ما لم نعلم لأننا كنا أميين ونحن نتعلم كل يوم من تجاربنا وسياستنا، وستظل الحياة ويظل الوطن مدرسة نتعلم منها جميعاً وليس منا سواء كان حاكماً أو عالماً أو غيره يستطيع أن يرعي الكمال لنفسه لأن الكمال للخالق عز وجل.. الديمقراطية مدرسة نتعلم منها جميعاً ونستفيد من بعضنا البعض ..أنتم تستفيدون منا ونحن نستفيد منكم ؛ وعلينا أن نبتعد عن الكبرياء، والأنانية ؛ وكل شخص يعتقد نفسه حجة في كل شيء.. هذا خطأ فالإنسان يجب أن ينظر إلى ما حوله وطنياً وإقليمياً وعلى أي مستوى لكي يستفيد ويظل يتعلم لأن ذلك يدل على التواضع وعلى القدرة وعلى الاستيعاب وفهم المتغيرات .
إن الديمقراطية صعبة ومُرّة ولكن الأسوأ منها عدم وجودها.. والديمقراطية والرأي والرأي الآخر حتى في داخل التنظيم السياسي الواحد قد لا يقبلها البعض وتضيق الصدور بها، ولكن لا بد من تطور الديمقراطية والتعليم منها لأن الأسوأ هو عدم وجود الديمقراطية، وعلينا التسليم بالرأي والرأي الآخر .
وأنا أشير هنا إلى ما قاله أحد القياديين في التجمع اليمني للإصلاح إلى أن الديمقراطية تجربة جديدة وهي أفضل من أن نعود للعنف والسلاح، وهذا يدل على النضج والوعي. نحن جميعاً في سفينة واحدة، ليس الإصلاح في سفينة ليبحر بها وحده، ولا المؤتمر أو أي تنظيم سياسي آخر. ولكننا في سفينة واحدة نبحر بها جميعاً إلى شاطئ الأمان والسلامة لكي تستفيد الأجيال ونستفيد جميعاً .
الحمد لله … وطننا في خير وكثير من القضايا تم معالجتها ونحن خرجنا من حرب وكادت البلاد أن تنهار اقتصاديا واجتماعياً، ولكن بفضل الله والتفاف شعبنا بكل قوه الخير استطعنا أن نصل إلى بر الأمان، ولم نكن وحدنا بل كنا – جميعاً – معاً قدنا السفينة وجنبناها الغرق، واجتماعكم هذا يأتي في ظل الأمن والاستقرار لأنه لم يكن هناك واستقرار لما تهيأ لكم عقد مثل هذا الاجتماع بمثل هذا الجمع الكبير.. إخواننا في التجمع اليمني للإصلاح وكثير منهم أعرفهم معرفة جيدة وبعضهم من الشباب الذين أتعرف عليهم في هذه القاعة لكن قلبنا مع بعضنا ومصيرنا واحد وأكبر دليل على ذلك أننا كنا سوياً في السراء والضراء وفي الظروف الصعبة وكنا سوياً وجنباً إلى جنب ولا يعني التباين والرأي والرأي الآخر أن يحول بينكم وإخوانكم في المؤتمر والقيادة السياسية.. فلكل مجتهد نصيب.. وكل واحد منكم يعتقد أنه على صواب والآخرون على خطأ.. والبعيدون عن العمل الإداري يعتقدون أن هناك سلبيات ولهذا على الحكومة أن لا تضيق صدورها وعلى من ينتقد أن يحرص على أن تكون معلوماته صحيحة خاصة إخواننا في التجمع اليمني للإصلاح لأن هناك بين المؤتمر والتجمع اليمني للإصلاح تحالفاً استراتيجيا والوطن مستفيد كثيراً من هذه العلاقة الاستراتيجية وهذا التحالف.. وأود أن أوضح أن الرئيس عندما انتخب من الشعب انتخب رئيساً للبلاد كلها وليس للمؤتمر.. فليس هناك جمهورية للإصلاح وجمهورية للمؤتمر أو لأي تنظيم سياسي بل الرئيس مسؤول عن الوطن كله والشعب كله وهو يمثل في نهاية الأمر ولاية عامة للناس كلها ليس لحزب أو تنظيم سياسي على الاطلاق .
وعندما ينتخب المواطنون مثلاً في الولايات المتحدة رئيسهم من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري فإنه يصبح رئيساً لكل الأمريكيين، والوزراء عندما يتم تعيينهم من أي تنظيم سياسي فإنهم ليسوا وزراء لحزبهم بل للأمة كلها وكذلك المحافظين وغيرهم من المسؤولين.. والديمقراطية التعددية عملية سياسية.. حزب يدخل الحكومة وآخر يخرج منها طالما ونحن آمنا بالتداول السلمي للسلطة، ولهذا ليس بغريب أن نقول أن كل حزب يدخل المعترك السياسي يناضل للوصول إلى السلطة ومن حقه أن ينال أغلبية مريحة وليس أغلبية التقاسم.. ليأخذ المؤتمر أو الإصلاح أو أي حزب السلطة ليس عيباً.. ونحن اليوم قادمون على عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية وانتخابات السلطة المحلية، وأؤكد لإخواننا في التجمع اليمني للإصلاح أنه لم يكن لدينا استعداد للانتخابات السلطة المحلية وأنا تحدثت مع عدد من الإخوان في الهيئة العليا للإصلاح بأن الآراء كانت تتبلور حول الاستفتاء، وأن نبدأ بتجربة الانتخابات المحلية في عواصم المحافظات، وعندما عدت من عدن والتقينا مع اللجنة العليا للانتخابات والجهات المسؤولة في الحكومة وجدنا أن تكاليف العملية تبلغ حوالي ثلاثة مليارات وتسعمائة مليون ريال لاتمام عملية الاستفتاء.. فقلنا لماذا لا يكون هناك انتخابات محلية كاملة لا تقتصر على عواصم المحافظات فقط، وهي تجربة لمدة سنتين ستتيح الفرصة للجنة العليا لتصحيح الأوضاع في جداول الناخبين وتقسيم المراكز وتسهيل عملية الانتخابات للمواطنين في المناطق النائية الذين يواجهون صعوبات في ممارسة حقهم في العملية الانتخابية بسبب البعد الجغرافي ومثال ذلك الهضبة الوسطى، ونحن بحاجة إلى تكثيف الصناديق ومعالجة الوضع خلال السنتين القادمتين والفترة الانتقالية وليس عيبنا أن نتدرج في تطبيق قانون السلطة المحلية، وطالما أخذنا بالتعددية السياسية فلنرعاها وليصعد أي حزب سياسي ويتحمل المسؤولية.. فتجربة المجالس المحلية تخفيف من المركزية الحادة.. فعلى سبيل المثال إذا أردنا إصلاح عدد من الفصول الدراسية في أحد المراكز الإدارية فإنه بالإمكان القيام بذلك من الموارد المحلية دون الحاجة للرجوع إلى المركزية والإجراءات المطولة .
إن الهدف من المجالس المحلية هو التسهيل على المواطنين وتوسيع المشاركة الشعبية … نحن نقول بصوت عال لماذا لا يُعاد النظر في التقسيم الإداري خلال السنتين القادمتين .. وإذا كان عدد دوائر مجلس النواب هي 301 دائرة فلماذا لا يكون هناك 301 مجلس محلي؟ وحتى تجرى لمجلس النواب وبطاقة للمجلس المحلي، وأيضاً لماذا لا تنشأ مراكز للوحدات الإدارية لتسهيل العملية والتقليل من التكاليف الباهظة؟
إن التعديلات الدستورية ليست مزاجية كما أنه ليس صحيحا ً إننا سلبنا الشعب صلاحياته.. هذا كذب بل هي لمزيد من الديمقراطية ومزيد من الصلاحيات للشعب.. فهناك مواد أساسية رئيسية في الدستور أخضعت للاستفتاء وهناك مواد من صلاحيات مجالس النواب وهو منتخب من قبل الشعب وممثل للأمة، ومن حقه أن يجري التعديلات التي يراها ضرورية.. والذين يرددون مثل ذلك الكلام إنما يريدون أن يوجدوا شرخاً في الصف الوطني خاصة بين المؤتمر والإصلاح .
مرة أخرى أهنئكم بهذا الانعقاد الجميل والممارسة الديمقراطية وأنا جئت اليوم إليكم حباً لما يربطني بكم من علاقات.. ولم آت لأمارس عليكم الضغط لكي تدخلوا الانتخابات فهذا أمر يعود للمؤتمر العام الثاني للتجمع اليمني للإصلاح.. من يرد أن يدخل اللعبة الديمقراطية ويمارس حقه في العملية السياسية والانتخابات والاستفتاء فلا بأس فهذا من حقه، ومن يرد أن يأخذ قراراً بالمقاطعة فلا بأس، ولكن أقول سنكون نادمين إذا ماخرجنا من اللعبة السياسية كما ندم الآخرون، ومن باب أولى لما يربط بيننا وبين الإصلاح من علاقات متميزة جئت لأحدثكم وأقول لكم أتمنى لانعقاد مؤتمركم التوفيق والنجاح.. وهناك معلومات لدي من اللجنة العليا للانتخابات عما قامت به اللجنة من إصلاحات وتصحيحات بموجب القانون والدستور وليس هراء بأنه قد تم حذف ثمانية وسبعين ألفا وسبعمائة وتسعة وتسعين اسماً بموجب أحكام قضائية، وكما بلغ عدد الذين تم نقل موطنهم الانتخابي تسعة وخمسين ألفاً ومائة وخمسة أسماء أي إجمالي الحالات التي تم معالجتها هي مائة وسبعة وثلاثون ألفاً وتسعمائة وأربع حالات والعملية سوف تستمر سواء نقل الموطن الانتخابي أو الحذف وإزالة المكرر والعملية لا تنجز في شهر أو شهرين بل تحتاج وقتاً أكثر.. ونحن اليوم في عام 2001م ولدينا شباب أعمارهم 17 عاماً وبعد عام سيبلغون السن القانونية التي تكفل حق المشاركة في الانتخابات واللجنة سوف تستمر في عملية شطب الوفيات وتسجيل المواليد وهذا ليس قراراً سياسياً يتم خلال 24ساعة ولكن العملية سوف تستمر للتصحيح والإصلاحات ونجاحها مرهون بتعاوننا جميعاً.. وتبقى كلمة أخيرة عن حدوث أخطاء هنا أو هناك في مجال التربية أو الصحة أو غيرها فمن نقل من مركز إلى مركز أو من محافظة إلى محافظة، فليس في ذلك أي خيار ولكن من شطب أو طرد أو رفض من عمله بغير حق فيعالج هذا الأمر، واتفقت مع الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح على تشكيل لجنة من الذين لهم الحق من المحافظات من التجمع اليمني للإصلاح وذلك للجلوس مع إخوانهم في الوزارات والمؤسسات المختصة لحل هذه المشكلة بشكل ودي ومسؤول وبشكل دستوري وقانوني .
أكرر أنني أتمنى لهذا المؤتمر التوفيق والنجاح ونتمنى أن يكون قراركم إيجابياً، وأكرر مرة أخرى أني لم آتِ لأضغط عليكم لتدخلوا الانتخابات فهذا غير وارد.. تريدون أن تدخلوا أنتم أحرار، وتريدون أن تقاطعوا أنتم أحرار ..
لكن التجربة السياسية تفرض علينا أن نتعلم وأن التجربة الديمقراطية من حقنا جميعاً، ومن شذ شذ في النار أينما كان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .