خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
الأخوة المواطنون الأخوات المواطنات،
أيها الأخوة المؤمنون أينما كنتم: أتوجه إليكم بأصدق التهاني القلبية بمناسبة حلول الشهر الفضيل
شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان “. والذي اختاره الله سبحانه وتعالى أيضاً ليكون وعاء زمنياً مباركاً في كل عام هجري لأداء فريضة الصوم الركن الرابع الهام والعظيم من أركان ديننا الإسلامي الحنيف، وجعل فيه ليلة قدسية سنية الأضواء لأمتنا هبة الخير متنامية الأجر والثواب هي ” خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر” نعم – أيها الإخوة المؤمنون: إن شهر رمضان المبارك مناسبة سنوية غنية الدلالات وافرة الحسنات والجزاء بداية من لحظة الالتحام بأداء فريضة الصوم طاعة ومحبة والتزاماً وأداء وامتثالا لقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” ولذلك فإنها مناسبة جليلة تتصل مباشرة بتنمية القوى الروحية والمعنوية لدى الإنسان المسلم وتتسامى بتقواه إلى مراتب لا يرقى إليها إلا المجاهدون الذين لا يتوقف تعبدهم لله عند الإمساك عن الطعام والشراب والمتع الحسية طوال نهار رمضان، غير أن المرجى من أداء فريضة الصوم هو أكبر من الشعور بحاجة الجائعين والفقراء والمحتاجين ومد يد العون والمساعدة لهم المطلوب هو السلوك الإيماني الخالص لله والمعزز لقوة الإيمان به وتوثيق الصلات الأخوية الحميمة التي تربطنا بإخواننا المسلمين داخل المجتمع الواحد وتعزيز الروابط الإيمانية التي تتجلى بالصوم والأجواء الروحانية الصادقة التي ينعم بها الشهر الفضيل على أمة لا إله إلا الله تبارك وتعالى وتقدس في علاه فإذا أمكنا استثمارها كما أراد وأمر الله سبحانه، وكما علمنا النبي الكريم والسلف الصالح من تعزيز العلاقة التعبدية بالخالق جل وعلا وبعباده المؤمنين داخل المجتمع نكون قد أدينا هذا الفرض الواجب علينا في مدرسة الصوم كما يجب أن نكون ملتزمين أشد ما يكون عليه الالتزام من البر بالوالدين وصلة الرحم والاهتمام بالأهل والجيران والعطف والرحمة على كل محتاج ومسكين والتحلي بمكارم الأخلاق والتزام الكلمة الحسنة والمعاملة بالحسنى ” فالدين المعاملة ” والعفو والصفح وتقديم المثال والقدوة في ميادين الاستقامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ومجانبة ورفض كل ما يتعارض مع ذلك كله من اقتراف الإثم والعدوان والمغالاة والغلو وكل الصفات المذمومة التي تبدأ بسوء الظن والغيبة والنميمة والبهتان والتكبر والخيلاء والبخل واتباع هوى النفس نحو أية معصية أو ظلم
إن الصوم ميزان عدل نفسي يجعل المؤمن أقدر على الالتزام بمكارم الأخلاق بفضل يقظة الضمير والاقتراب أكثر من الله سبحانه وتعالى وبتجديد الصلة بكلماته البينات نعم – أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات إن شهر رمضان فرصة ثمينة وغالية لتعميق الصلة بالقرآن الكريم وتكوين علاقة ذكر واستيعاب وتعليم يومي مع كلام الله في كنف الأجواء الروحانية الرمضانية، تعبداً بتلاوته وتمثلاً لآيات إعجازه، واغتناءً بالفهم الحقيقي لتعاليمه وتوجيهاته والاستزادة التي لا تنضب من معين معارفه ومعانية الربانية الجليلة وتوثيقاً لما هو محفوظ منه في الصدور. أيها الأخوة والأخوات: يهل شهر رمضان المبارك في هذا العام والوطن يشهد الكثير من التحولات في إطار تواصل الجهود من أجل البناء والتنمية وحيث أمكن وبحمد الله تحقيق الكثير من الإنجازات الملموسة سواء على صعيد ما تم إنجازه من مشاريع خدمية وتنموية شملت مختلف أنحاء الوطن تعززت في إطار تجربة السلطة المحلية وتجسيد مبدأ اللامركزية المالية والإدارية في الوحدات الإدارية أو من خلال ما حصلت عليه بلادنا من دعم دولي وإقليمي لمسيرة التنمية والديمقراطية وإستراتجية مكافحة الفقر، وهو ما تجلى من خلال مؤتمر المانحين الذي انعقد في باريس والذي نالت خلاله بلادنا وبحمد الله على التزامات مالية لدعم مشاريع التنمية خلال فترة الثلاث السنوات القادمة بلغت حوالي اثنين مليار وثلاثمائة مليون دولار بالإضافة إلى مبلغ مليار ومائتي مليون دولار أمريكي تمثل التزامات سابقة. وإنها لمناسبة نجدد فيها الشكر والتقدير لكافة الأصدقاء والأشقاء والبنوك والصناديق والجهات المانحة الإقليمية والدولية والتي أسهمت بالدعم لبلادنا والخروج من مؤتمر باريس بتلك النتائج المرضية والتي تعكس المكانة التي تحتلها اليمن اليوم يمن الـ 22 من مايو لدى أشقائه وأصدقائه نتيجة تلك السياسة العقلانية المتزنة والحريصة على توثيق عرى العلاقات ومجالات التعاون والشراكة مع الجميع، وخدمة الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم. ونوجه الحكومة باتخاذ الآليات الفعالة والمناسبة الكفيلة باستيعاب ذلك الدعم في المجالات المحددة له مع إعطاء أولوية لتلك المشاريع التنموية الاستراتيجية التي توفر أكبر قدر من فرص العمل وتستوعب أقصى ما يمكن من العمالة وفي المقدمة مشاريع الطرقات والكهرباء والسدود والحواجز المائية والتعليم الفني والمهني وكليات المجتمع ومشاريع المياه والصرف الصحي، والمضي قدماً في تنفيذ استراتيجية مكافحة الفقر واستكمال مشاريع البنى التحتية في مختلف المجالات الضرورية وما من شك فإن التنمية ستظل هي الهم الرئيسي الذي ستسخر له كل الجهود والطاقات من أجل تحقيق كافة الأهداف والغايات الوطنية المنشودة ولهذا فإننا ندعو الجميع إلى التشمير عن سواعد الجد والعمل متشبعين بروح متفائلة ومثابرة ومتوثبة نحو الأمام لصنع الغد الأفضل للوطن مؤكدين أن الديمقراطية التي انتهجها شعبنا عن قناعة ستظل هي الوسيلة الحضارية المثلى لتفجير الطاقات في ميادين التنمية وترسيخ أسس الدولة اليمنية الحديثة، دولة النظام والقانون واحترام حقوق الإنسان، وهاهو شعبنا رجالاً ونساء قد برهن مرة أخرى على وعيه العالي وإصراره وحرصه على ممارسة حقه الانتخابي الذي كفله الدستور لكل المواطنين والمواطنات ممن بلغوا السن القانونية وذلك من خلال تفاعلهم جميعاً، وإقبالهم الكبير على مراكز القيد والتسجيل للحصول على البطاقة الانتخابية الجديدة، والتي هيأت بدورها إعداد سجل انتخابي جديد وسليم، وكذا إنشاء قاعدة بيانات علمية متطورة للسجل المدني وتعميم الرقم الوطني على كافة المواطنين ممن باتوا يحملون البطاقة الانتخابية والتي ستتيح لهم جميعاً المشاركة في الانتخابات العامة القادمة، ونشكر بهذه المناسبة اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء وكل لجان القيد والتسجيل وأبناء القوات المسلحة والأمن على ما بذلوه من جهود خلال مرحلة القيد والتسجيل وتهيئة المناخات المناسبة لإنجاح هذه المهمة الوطنية النبيلة معبرين عن الثقة العظيمة في جدارة شعبنا لنيل ذلك الاستحقاق الديمقراطي الكبير المتمثل في الانتخابات البرلمانية التي ستجري خلال الأشهر القليلة القادمة وفي موعدها المحدد بإذن الله.
الإخوة المؤمنون الأخوات المؤمنات: إن أمتنا العربية والإسلامية تواجه في الوقت الراهن تحديات كبيرة تستوجب من أبناء الأمة العمل الجاد من أجل تعزيز التضامن والتلاحم فيما بينهم وخدمة قضايا الأمة ومواجهة تلك الحملات المشبوهة التي تستهدف النيل من الإسلام والحرص على إظهار حقيقة وجوهر الدين الإسلامي الحنيف وعقيدته السامية التي تقوم على العدالة والتآخي واحترام حقوق الإنسان ونبذ العنف والتطرف وصيانة الحياة واحترام الأديان السماوية والشعوب والأمم والأوطان. إن وحدة العبادات الإسلامية والاحتشاد في أدائها امتثالاً لطاعة لله سبحانه وتعالى وإقامة الدين في الحياة تعتبر تجسيداً عمليا لمعنى الوحدة الجامعة لكل المسلمين في بوتقة العروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي تؤكد في ذات الوقت وحدة المصير المشترك الذي تواجهه شعوب أمتنا العربية والإسلامية في خضم العديد من المخاطر المحدقة بها وفي مقدمتها خطر الهجمة الصهيونية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أعمال إرهاب وقمع وبطش وتنكيل لتكريس الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوقه الإنسانية وتنافس الزعامات الصهيونية بمختلف توجهاتها السياسية على إبادة الشعب الفلسطيني ومن المؤسف والمحزن أن يجري كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله ودون أن يحرك أحد ساكناً لإنقاذ الشعب الفلسطيني الأعزل مما يتعرض له من اضطهاد لا مثيل له وحرب إبادة جماعية بشعة إن الاستمرار في هذا الوضع المؤلم في ظل سياسة الصلف والعنجهية الصهيونية المتحدية لإرداة المجتمع الدولي لن يؤدي سوى مزيد من تأزم الأوضاع في المنطقة وإدخالها في نفق مظلم من التوتر والصراع والعنف وعدم الاستقرار فالسلام المنشود للمنطقة لا يمكن تحقيقه إلا بإقرار إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي كما أنه على جانب آخر فإن التهديدات المتكررة باستخدام القوة ضد العراق الشقيق والتعنت إزائه بفرض شروط تعجيزية لا مبرر لها رغم ما أبداه من تجاوب إيجابي بالقبول بعودة المفتشين الدوليين دون قيد أو شرط وإبداء الاستعداد للتعاون معهم في مهمتهم حول التفتيش وطبقاً لما حددته قرارات الأمم المتحدة، تمثل هي الأخرى تحدياً إضافياً للأمة ستكون لها انعكاساته السلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة كما أن الحديث حول تغيير النظام في العراق يمثل سابقة خطيرة وانقلاباً على الوضع السياسي الدولي الراهن يمس مبدأ السيادة الوطنية للدول ويخالف ميثاق الأمم المتحدة وكل الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية ويخل بالتوازن في العلاقات الدولية ويجعلها أمام منعطف خطير ستكون له آثاره المدمرة على المدى المتوسط والبعيد، فتغيير النظام في أي دولة هو شأن داخلي يخص شعب تلك الدولة دون غيره وإن من المهم عدم التعامل بمعايير مزدوجة إزاء قرارات الشرعية الدولية والحرص على إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وفي المقدمة إسرائيل المدججة بترسانة من الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية .
الإخوة والأخوات: إن من الأهمية بمكان أن تتظافر كافة الجهود الإقليمية والدولية للتصدي للإرهاب بكافة أشكاله وصورة وهذا ليس مسئولية دولة بعينها أو طرف دولي بعينه لكنها مسئولية الجميع فالإرهاب ظاهرة عالمية غير محكومة بأي معالم جغرافية أو عرقية أو دينية، وتنال بشرورها الجميع في العالم وإنها لمناسبة ندعو فيها كافة العناصر من أبناء الوطن التي تورطت بانتمائها لتنظيم القاعدة أن تعلن توبتها وتقلع عن ذنوبها التي ارتكبتها بحق الوطن وأن تتخلى عن كافة أساليب العنف التي تلجأ إليها لأنها تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الوطني والأمن والاستقرار وتسيئ للوطن ومصالحه وعلاقاته مع الآخرين ؛ فالإسلام ينبذ التطرف والعنف وإذا كانوا بحق مسلمين وينتمون إلى هذا الوطن فإن عليهم العودة إلى جادة الحق والصواب ولهم الرأي والأمان بما يتيح لهم الانخراط في المجتمع مواطنين صالحين لهم كل الحقوق وعليهم كافة الواجبات التي كفلها الدستور لكل أبناء الوطن.
الإخوة المؤمنون، الأخوات المؤمنات: إن شهر الصوم على تواليه من عهد النبوة الخاتمة وعهود الخلفاء الراشدين وما تبعها من قرون كانت حافلة بالذكريات العظيمة وبالدروس الحياتية العقيدية الهامة التي تستدعي استلهامها والتعلم منها والمحاكاة لها بهدف الوصول إلى ثمار خيراتها ومردوداتها المباركة لنصرة ديننا ومصلحة دنيانا، وجعل هذه المناسبة الدينية العزيزة حلقة وصل جديدة لانتصارات الخير ومنجزات البذل والعطاء وتجسيد قيم الحرية والعدل والمساواة وحركة متواصلة على مدار العام كله
ذلك أن العمل التعبدي والخيري بل والوطني والإنساني كما يمليه الإيمان الصحيح ليس متوقفاًَ على وقت محدد دون آخر فالتوبة والإقلاع عن الذنوب وطلب المغفرة والطاعة لله غير مقتصرة على زمن محدد أو خلال شهر رمضان الكريم وحسب، ولكنه واجب الإنسان المؤمن في كل الأوقات من حياته فالخالق عز وجل موجود في كل وقت وحين، وكل الأوقات لا بد لها من أن تسخر في فعل الخير والعمل الصالح وتجسيد الالتزام الصادق بالقيم والمثل والتعاليم الإسلامية السامية ونحث العلماء والمرشدين على الاضطلاع بواجباتهم ومسئولياتهم بالنصح للأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى ما يوحد الصف وينبذ الفرقة والخلاف ويجمع الأمة على كلمة سواء، كما نوجه وزارة العدل والنيابة العامة ووزارة الداخلية التفتيش على السجون والإفراج فوراً عن كافة المسجونين الذين أمضوا مدة وأثبتوا حسن سلوكهم.
مرة أخرى نكرر لكم جميعاً التهاني، وفي الطليعة أبناء قواتنا المسلحة والأمن المرابطين خلف مواقع الشرف والبطولة يؤدون واجبهم بكل تفانٍ وإخلاص فلهم منا التحية والتقدير والوفاء شهر مبارك
وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،