خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك 22سبتمبر2006م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه بسم الله الرحمن الرحيم “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” صدق الله العظيم. والصلاة والسلام على النبي الأمي، الصادق الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين.
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات.. المؤمنون والمؤمنات… أحييكم بتحية الإسلام.. تحية السلام، الشرط الأول لتوفر معنى الحياة، لتكون أهلاً للاستخلاف وللتعارف والاعمار ولعلاقة وطيدة بين البشرية وخالقها، وبينها وبين شعوبها وأممها.. قال تعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وإنه ليسعدني غاية السعادة أن أتوجه إليكم في كل بقاع المعمورة، لا تقدم إليكم بأصدق التهاني القلبية بحلول شهر الهدى والتقوى والبر والإحسان والعبادة وتجسيد أعظم صفات والتزامات الإيمان.. بسم الله الرحمن الرحيم ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” ليحل على المسلمين أينما كانوا خيراً وسعادة وبذلاً وعطاءً وتعبداً وكفاحاً وتجارة لن تبور.. شهر تتجدد فيه الصلة الوثيقة بالخالق، عز وجل، عبر فريضة الصوم التي لا تعني مجرد الإمساك عن الطعام والشراب والرغبات الخاصة المشروعة بقدر ما تعنى الدخول في مدرسة وثيقة الصلة بتربية النفس البشرية وصقل الضمير الإنساني وتوثيق عرى الإيمان في عقل وضمير ووجدان الإنسان المسلم وفي صلاته الأخوية وعلاقاته الإنسانية في المجتمع الإسلامي المتماسك. نعم أيها
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
إننا نستقبل هذا الشهر الفضيل بمشاعر السعادة والمسرة احتفاءً بهذا الضيف الكريم واستعداداً لفريضة الصوم اولاً ولتزامن هذه المناسبة الدينية العزيزة مع ذلك الانتصار الديمقراطي الكبير الذي حققه شعبنا اليمني في مسار ممارسته للعمل السياسي وحقوقه الديمقراطية ليبرهن ومن خلال ذلك النجاح المنقطع النظير الذي حققته الانتخابات العامة الحرة والمباشرة لرئيس الجمهورية ولأعضاء المجالس المحلية للمديريات والمحافظات في انتخابات واحدة تمت على أكمل صورة من التفاعل والإقبال والانتظام والشفافية والنزاهة والالتزام وبصورة جعلت كل المراقبين وكل المتابعين من الأشقاء والأصدقاء في العالم يشهد لهذه التجربة الديمقراطية التعددية الفتية في الجمهورية اليمنية بالرسوخ والثبات وامتلاك مقدرة الديمومة والبقاء لتكون نموذجاً صادقاً واضحاً لمعنى التجسيد العملي للنهج الديمقراطي الذي اختاره شعبنا عن قناعة راسخة ودون أن يفرض عليه من احد وتجسيداً لمبدأ حكم نفسه بنفسه مؤكداً بأن هذه الديمقراطية غير منقطعة الصلة عن تاريخ الشعب اليمني ونهج الشورى الذي انتهجه مبكراً ومنذ أقدم العصور.. وان هذا الإنجاز العظيم الذي تحقق يوم الـ20 من سبتمبر لا يستهان به لتواصله بتجسيد جوهر القيم التي نؤمن بها شوروياً وسياسياً ودستورياً فهنيئاً لشعبنا اليمني كله بهذا النجاح الباهر الذي تحقق في نيل هذا الاستحقاق الديمقراطي الكبير الذي هو مبعث فخرنا جميعاً وليس هناك ثمة منتصر ومهزوم في هذا الاستحقاق بل إن المنتصر والفائز الأول والأكبر هو شعبنا اليمني العظيم. وندعو كافة القوى السياسية إلى التحلي بروح الديمقراطية وتحمل مسئولياتها الوطنية لكل ما فيه خير ومصلحة الوطن.. فالوطن ملكنا جميعاً ونحن مسئولون عنه جميعاً وعلينا ان نتطلع إلى المستقبل الأفضل والعمل على كل ما يعزز الوحدة الوطنية ويمتن علاقات الإخاء والمحبة والود في مجتمعنا ونبذ البغضاء والكراهية وان نضع نصب أعيننا جميعاً مصلحة الوطن اولاً وأخيرا..
الإخوة والأخوات.. إن حلول مناسبة شهر رمضان الكريم شهر الرحمة والغفران والتعاطف مناسبة لندعو فيها إلى النظر للصدقات ولأعمال البر والإحسان نظرة جديدة ومتطورة.. نعتقد أنها ألصق بالمعنى الجليل الذي تفرضه مكارم الأخلاق وعقيدتنا الدينية الإسلامية، التي توجب بأن تدفع كل أعمال البر والإحسان وكل أشكال الإنفاق داخل المجتمع من أجل بناء قوة المجتمع وقوة الأفراد داخله لتحقق قوة الأسرة وتماسك وتعاضد خلايا المجتمع ولتصل إلى مجتمع منتج قوي لا يدرك بنيته العوز والحاجة. وهذا يقتضي إعادة النظر في الوظائف التي تقوم بها الكثير من البنوك والمؤسسات الاقتصادية وصناديق الدعم والإقراض، حتى الصناديق المخصصة لتشجيع المواهب والقدرات لا نريدها أن تتوقف عند حدود إنفاق المال كجوائز وإنما توفير فرص عمل ومشاريع تأهيلية وإن بدأت صغيرة لابد لها أن تنمو وتغدو كبيرة وهذا يقودنا إلى التوسع في تجربة المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب والأفراد وللأسر المنتجة وتوزيع الأراضي السكنية والزراعية على الشباب لإقامة المشاريع الخاصة بهم وتأمين حياتهم ومستقبلهم وتحسين مستوى دخلهم وأحوالهم المعيشية وأن تتوسع المخصصات التي تتوفر من بعض المصادر وأن يكون للقطاع الخاص دور هام وأساسي في دعم ومساندة الدولة والحكومة في تبني هذه المشاريع عبر التوسع فيما يمكن أن تقدمه من تبرعات مالية أو مادية أو ما توفره من إمكانيات في إطار وظائف أعمالها. إن محاربة الفقر والبطالة هدف لابد أن تتضافر من أجله جهود الدولة مع جهود مؤسساتها وجهود القطاع الخاص وكل الخيرين ذوي الاهتمام بالبر والتعاون. وإن هذه الرؤى التي نضعها أمامكم اليوم نريدها أن تكون موضع نقاش وإثراء من قبل الجميع علماء ومفكرين ومثقفين وسياسيين ورجال مال وأعمال وشخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية ومنظمات مجتمع مدني. وليس عيباً أن نتعلم من تجارب الشعوب والأمم من حولنا فنأخذ منها ما تحقق له النجاح وان نتطلع إليه ونحرز أفضل منه. إن الإنفاق في أعمال الخير والبر يجب ألا يتوقف عند حدود الأعمال الآنية وتلبية الحاجات الطارئة والنجدة وإغاثة الملهوف وإن كانت واجبة حتماً على كل المقتدرين من ذوي المال والإمكانيات، ولكن يجب أن تكون مرتبطة بتحقيق أهداف وغايات وطنية وإنسانية نبيلة ننال من خلالها رضى الخالق عز وجل ونخدم بها الوطن ومستقبل أجياله.
الإخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. لا نستطيع أن نغير الكثير من عاداتنا الرمضانية، بمجرد الأماني والطموحات.. غير أن الكف عن العادات السيئة، الضارة بالمجتمع والماسة بمعاني ومتطلبات التلاحم الاجتماعي والتماسك داخل الوطن الواحد ضرورة تكتسب من الأهمية والنبل ما يجعلنا ندعو إلى شد العزائم للقضاء عليها وتطهير المجتمع منها. ولا شك أن سبل اكتساب القبول عند الله والإحساس بالاطمئنان والرضا تجاه أنفسنا وأعمالنا ومسؤولياتنا تتعدى حدد أداء الفرائض الدينية بإقامة الصلاة والإلتزام بفريضة الصوم وأداء الزكاة وتقديم الصدقات إلى الدخول في ميادين أخرى للبذل، والعمل والعطاء. فسبل اصطياد الحسنات واكتساب الأجر غير متناهية متسعة بسعة الحياة.. وكما أن للجسد وظائف فإن للمال وظائف لا تحصى في بناء الحياة وأعمارها وتحقيق المعنى الكامل للاستخلاف لله على الأرض، ولا شك أن أدنى ذلك يتحقق برفع المعاناة عن الفقراء ومساعدة المحتاجين وتعزيز روابط وصلات الرحم وتنمية قوة المجتمع وعلاقاته التكافلية والإنتاجية. ويبقى باب التعبد مفتوحاً لجملة من الوسائل القريبة من كل فرد منا حين يعزز صلته بالكتاب الكريم لينهل منه ما يجعله على بينة من كافة أمور دينه ومعرفة بحقيقة رسالته في الحياة. فشهر الصوم- أيضاً- هو شهر الصلة بكتاب الله الذي تنزل على نبيه الخاتم في ليلة مباركة من لياليه التي هي خير من ألف شهر.
بسم الله الرحمن الرحيم ” إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر” صدق الله العظيم. ومع الصلة بالقرآن الكريم تتعمق رابطة العبودية والخضوع والخشوع لله – سبحانه وتعالى- وهي الطريق الواضحة لتعزيز صلات الإنسان بمجتمعه وبأهله وبكل النسا من حوله ولتمتين العروة الوثقى التي لا انفصام لها بإقامة الدين الحنيف والتجاوز عن كل اشكال وأمراض المجتمع التي تعزل الإنسان سواء بسلوكه غير السوي وتصرفاته المسيئة له وللدين، ذلك أن من المذموم أن يقع الإنسان في حالات يدينها ويرفضها الدين والخلق الكريم، كالتكبر والتعالي والجشع والبخل والانزواء والغلو والتطرف أو التكفير والمغالاة. إن الإنسان المسلم الحق هو من يترفع عن ذلك كله ليكون الأنموذج الأول في السلوك الأخلاقي وفي الالتزام بكل آداب وتعاليم الدين الحنيف، نسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يعيننا جميعاً على أداء فريضة الصوم، خير أداء وأن يبلغنا كافة حسنات ذلك وأن يجعل حياة المؤمنين في أرجاء المعمورة، عامرة بتمثل قيم الإسلام وأخلاق أهل الإسلام وأن يعزز من وحدتهم وقوتهم وأن يرفع من مكانهم في الحياة ليكونوا المرآة الناصعة المعبرة عن حقيقة المجتمع الإسلامي المتكافل والمتعاضد والمتلاحم، الذي يجسد- قولاً وعملاً- صورة الأخوة الإيمانية والمساواة الإنسانية وكرامة الحياة وتقديم الأنموذج الذي تقتدر به أمتنا أن تواجه كل تحديات الحفاظ على وجودها وعقيدتها والثبات في صراع الثقافات والحضارات والتصدي لكل أنواع الدعايات أو الإساءات التي تحاول النيل من ديننا الإسلامي الحنيف ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والتي لا يمكن إلا أن تزيد المسلمين تمسكاً بدينهم القويم والحفاظ عليه والدفاع عنه وحمايته.. من كل ما يشينه أو يشين الأمة الإسلامية.
إن المسلمين، اليوم، هم أحوج ما يكونوا، من خلال أيضاح الصورة النقية والجليلية لالتزاماتهم الدينية، سواء في صومهم وصلاتهم وزاتهم كما في معيشتهم لحياتهم، أن يظهروا بذلك حقيقة الإسلام كدين حنيف وأن يعلوا من راية الشريعة الإسلامية الغراد وأن يرفعوا بالفعل والعمل صر التشويه المقيته والضارة بالدين الإسلامي الحنيف والمشوشة وبأن يظهروا للعالم وبكل الوسائل والسبل والتي هي أحسن ان الإسلام وباعتباره أكل الرسالات السماوية، هو دين الحق والعدل والتسامح والسلام.. المعبرعن صورة الإيمان الحقيقية التي تجعل الخضوع والعبودية اولاً، لله- سبحانه وتعالى- والخوف منه وتؤمن بكرامه الإنسان وحريته ومسؤوليته عن إفعاله وتمتعه بكل الحقوق وتحمله كل الواجبات كما هو نظام الحياة وشرط للاستخلاف. الأخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات..
إنها فرصة ثمينة ننتهزها لنسجل الشكر العميق المستحق لشعبنا الأبي الوفي وللحراس الأمناء لكل المكاسب والمنجزات وللحرية والديمقراطية أولئك الأبطال الأشاوس في القوات المسلحة والأمن ومعهم لكل جنود الممارسة الديمقراطية الأوفياء الصادقين في اللجنة العليا للانتخابات العامة والإستفتاء واللجان الإشرافية واللجان الأصلية والفرعية- ولكل أبناء شعبنا الذين تحمسوا وعملوا على تجسيد المعنى الحضاري السامي للديمقراطية وللتنافس الحر النزيه في ميدانها المتسع للجميع مؤكدين بأن رئيس الجمهورية لا يمكن إلا أن يكون راعياً لكل أبناء الوطن أياً كانت توجهاتهم أو انتماءاتهم السياسية وان كل ما شهدته الساحة اليمنية الحية خلال الاجراءات والمنافسات الانتخابية لا يمكن إلا أن تعزز وتمتن من روابط الاخاء والوحدة والتلاحم الوطني وفي إطار الالتزام بالثوابت الوطنية التي ستبقى هي الحاكمة وطبقاً لما جسدها الدستور والقوانين النافذة.. وعلى الجميع البدء في صفحة جديدة للتعاون في كل ميادين العمل وفي كل المواقع في السلطة أو المعارضة فالوطن بحاجة لكل الجهود البناءة المخلصة. نسأل الله التوفيق والسداد للجميع..
وشهر مبارك على كل أبناء الأمة العربية والإسلامية وأن يتحقق لها كل ما ترتب على كمال الدين ونعمة وتوافر رضا الله كما تجلت في آخر الآيات المنزلة من كتابه الحكيم بسم الله الرحمن الرحيم” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” صدق الله العظيم. إنه سميع مجيب والرحمة والغفران لكل شهداء الديمقراطية والمجد كل المجد لشعبنا الأبي المكافح. شهر مبارك.. وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته