خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك25 أكتوبر2003م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
الإخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. يا أبناء بلد الإيمان والحكمة داخل الوطن وخارجه.. السلام الله ليكم ورحمته وبركاته.. وبعد: يسعدني غاية السعادة ان أتوجه إليكم ومن خلالكم الى كل أبناء الأمة العربية والإسلامية بأصدق التهاني القلبية وأجمل التبريكات بمناسبة حلول خير الشهور والحافل بأزكى الليالي والأيام “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” شهر العتق والرحمة والغفران وشهر التقوى التي هي أساس استحقاق الفوز والنجاح عند الله سبحانه وتعالى وهو لذلك شهر الأجر الإلهي الجزيل والثواب المتعاظم الذي لا يتأتى صده في سواه لما لفريضة الصوم من مكانة خاصة عند الله سبحانه وتعالى القائل كما ورد في الحديث القدسي (الصوم لي وأنا أجزي به) ففي هذا الشهر الكريم تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتستكن في كنف أيامه المباركة ليلة هي خير من ألف شهر تتحقق فيها الاستجابة الربانية فيلبي جل شأنه كل طلب ورجاء.. بل وكأن ليلة القدر ماثلة في الشهر كله لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فأي فضل بعد هذا الفضل يتعلق به الأمل والدعاء، زيادة على الرضا الإلهي المضمون وحسن الجزاء. أيها الإخوة المؤمنون.. أيتها الأخوات المؤمنات.. إن فريضة الصوم تعتبر بكل ما تحفل به من ضوابط وشعائر مدرسة تربوية عريضة حافلة بدروس البناء للإنسان روحياً ونفسياً وجسدياً ولتنمية كافة الصفات الايجابية والفضائل الحميدة الكامنة في الفطرة الإنسانية السوية والمهيأة لها شخصية الإنسان المسلم لتصل في عمقها الى صقل وتقوية عزيمة التحمل والصبر ومواجهة الشدائد وتحمل كل أشكال المعاناة من اجل الترقي في درجات التقوى والتقرب الى الله سبحانه وتعالى واكتساب رضاه وهو ما يتطلب بالفعل والعزم والنية الالتزام بالأداء الدقيق والحميد لفريضة الصوم أداءً يحيط بكل ما تستوجبه ويوفر كل ما تطلقه دون إخلال بالواجبات الأخرى العقيدية والحياتية المتلازمة والمترابطة بعمل الإنسان والتزاماته في الحياة العامة والخاصة بل والتوسع في عمل الخير والتعاون على البر والإحسان ومساعدة المحتاجين والإنفاق على المساكين وتقديم الصدقات وصلة الرحم والإكثار من الذكر وتلاوة القرآن كما نوجه الحكومة وعبر وزارة الأوقاف والإرشاد بمواصلة الاهتمام بتطوير مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الجمهورية والإشراف عليها وتوفير الإمكانيات اللازمة لأدائها لمهامها على الوجه المنشود وبما يكفل تنشئة الأجيال النشأة الصحيحة وتسليحهم بالمعارف المتصلة بعلوم القرآن الكريم وتجويده وحفظه وتفسيره.
الإخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. إن أمة الإسلام هي خير امة أخرجت للناس ولكن من المؤسف ان ما تعيشه امتنا اليوم من وهن وضعف نتيجة الشقاق والخلافات التي تدب في صفوفها والتي تعود أسبابها لانعدام الثقة والشكوك والأوهام بين المسلمين وبعضهم ونتيجة للمؤامرات التي يحيكها أعداء الأمة من اجل ان تبقى امتنا مشلولة ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها وكيانها وأمنها ومصالحها ولكي تظل نهباً لكل طامع.. ولقد حان الوقت لكي تنهض الأمة من كبوتها وتتجاوز واقعها والخلافات السائدة في صفوفها وتدافع عن وجودها ومستقبلها وهذا لن يتأتى الا بالعمل الجاد المسئول من اجل تعزيز التضامن الإسلامي وتوحيد الصف والكلمة والتآزر فيما بين المسلمين بعضهم البعض تجسيداً لقوله تعالى “وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون”.. صدق الله العظيم..
وهذا يتطلب منا جميعاً التطلع نحو آفاق بعيدة لاستشراف المستقبل الأفضل والسعي من اجل إيجاد آليات جديدة وفاعلة للعمل الإسلامي المشترك وتوسيع آفاق التعاون التكامل الاقتصادي بين أبناء الأمة والأخذ بأسباب العلم والتقدم والقوة وهذا ليس ببعيد على امة لها تاريخ مجيد حافل بالمآثر والبطولة كان أبناؤها الرواد في صنع حضارة مشرقة والسباقين في شتى ميادين العلم والمعرفة والإنجاز وكانوا المثال الرائع في العطاء السخي والمثمر من اجل نهضة البشرية وسعادتها.. ولعل ما يثير في النفس الارتياح ان المداولات والنقاشات التي سادت خلال مؤتمر القمة الإسلامي العاشر الذي انعقد قبل أيام في بوتراجايا بماليزيا قد عكست الرغبة الصادقة لدى قادة الأمة الإسلامية في تجاوز الواقع الإسلامي الراهن وواستشعار التحديات الكبيرة والمخاطر الحقيقية التي تواجه الأمة وفي مقدمتها تلك التحديات المتصلة بالممارسات العدوانية وبإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني والانتهاكات لحقوقه ومقدساته.. وكذا ما تعرضت له سوريا الشقيقة من عدوان إسرائيلي وما تواجهه من تهديدات بالإضافة الى ما يتعرض له لبنان الشقيق من عدوان إسرائيلي وانتهاك لسيادته وأجوائه في تحد سافر لكل المواثيق والأعراف والشرعية الدولية ومحاولة مستفزة من قبل إسرائيل لجر المنطقة نحو مزيد من العنف والصراع وعدم الاستقرار ونسف كل الجهود المبذولة من اجل إحلال السلام فيها ومنها خارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام.. وكما أوضحنا مراراً فان إسرائيل التي ظلت وما تزال تتحدى وبكل صلف وغطرسة إرادة المجتمع الدولي وترفض الانصياع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وبخاصة ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي.. لم تكن لتفعل ذلك لو كان هناك موقف عربي وإسلامي قوي وحازم يعيد الى حكام إسرائيل صوابهم ويتشجع بذلك الموقف الآخرون ويقتدون به. وإننا في الجمهورية اليمنية نجدد دعوتنا بان يتحمل المجتمع الدولي وفي طليعته الأمم المتحدة المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية إزاء الإرهاب الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة وإجبار إسرائيل على احترام قرارات الشرعية الدولية والمضي قدماً نحو تحقق السلام العادل في المنطقة ووفقاً للأسس التي استندت عليها تلك القرارات وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.. وعلى الجانب الآخر فان التطورات المؤسفة التي شهدها العراق الشقيق والأوضاع المأساوية المحزنة الماثلة هناك تمثل هي الأخرى تحدياً كبيراً أمام الأمة العربية والإسلامية يتطلب منها الوقوف الى جانب الشعب العراقي الشقيق من أجل تجاوز محنته والحفاظ على وحدته وسيادته واستقلاله ونجدد في الجمهورية اليمنية دعوتنا بسرعة انسحاب قوات الاحتلال الأجنبي من العراق وتمكين الشعب العراقي الشقيق من تولي إدارة شؤونه بنفسه ووفقاً لإرادته الحرة المجسدة عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة والنزيهة. الإخوة الميامين أبناء القوات المسلحة والأمن إنكم وانتم تستقبلون هذا الشهر الفضيل مع أبناء وطنكم وأمتكم مرابطين خلف مواقع الشرف والبطولة والفداء تؤدون واجباتكم بكل تضحية ونكران ذات إنما تقدمون النموذج الرائع للمؤمنين المجاهدين المخلصين لدينهم ووطنهم وشعبهم وأمتهم وواجبهم وأننا نزجى لكم اصدق التهاني والتبريكات بهذه المناسبة الدينية الجليلة، وهنيئاً لكم الشرف العظيم الذي تنالونه كل يوم وانتم تواصلون جهودكم في ميادين العطاء والتضحية والواجب في سبيل الوطن والأمة مؤكدين لكم بأنكم دوماً محل الرعاية والاهتمام والتقدير وإنكم فخر هذا الوطن وعنوان عزته وكبريائه وشموخه.
الإخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. إن ديننا الإسلامي الحنيف دين اليسر والبساطة والتسامح ليس فيه أي عسر أو إكراه أو تعنت أو حقد وقد تنزه عن الخزعبلات وكل ما يتعارض مع العقل السليم ونتائج التفكير القويم والبصيرة الإنسانية النافذة. وانه لحري بالجميع تعزيز قوة إيمانهم بالله سبحانه وتعالى وتوثيق الصلة الاستخلافية التي تربطهم به.. وبما يقوي العرى الوثيقة التي تربط بين كل أبناء الأمة والقيام بكل واجبات الإخوة الإيمانية وإحياء صلات التراحم والتكافل وإبراز الصفات الحميدة للإنسان المسلم القوي الكريم الصادق الوفي الأمين الشهم الشجاع المتسامح الودود النصوح صاحب الخلق العظيم والتحلي بكل السمات والمزايا التي أوضحها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمن الإيمان ليكون الجميع ممن [ آتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ]… صدق الله العظيم.. وذلك ان الصائمين والصائمات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً.. شهر مبارك.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛