خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الفطر المبارك 13نوفمبر2004م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين على ما هدانا وبصرنا وأنعم علينا، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث بشيراً ونذيراً ورحمة للعالمين.
الإخوة المواطنون الأعزاء.. الأخوات المواطنات العزيزات.. يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. المؤمنون والمؤمنات في كل مكان.. أحييكم بتحية الأخوة والإيمان وتحية الإسلام والسلام.. وأتوجه إليكم بأصدق التهاني وأجمل التبريكات بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك.. عيد ابتهاج كل المؤمنين بأداء فريضة الصوم.. واستشعارهم بالفوز والرضى والقبول.. وتضاعف أجرهم عند الله وتكاثر حسناتهم في ميزان أعمالهم لديه ثمرة أدائهم الواجبات وإقامتهم الفرائض وقيامهم بالقسط والبر وشعائر التقوى وفضائل الإيمان في شهر الرحمة والغفران، وهو ما يوجب علينا أولاً التوجه لله سبحانه وتعالى بالشكر الجزيل الذي لا ينقطع على توفيقه وتسديده لكل أعمالنا ولكل ما تفضل به علينا وندعوه ونتوسله المزيد إنه السميع المجيب. ولا شك بأن أيام عيد الفطر المبارك مترابطة بفضائل الشهر الكريم الذي ودعناه على أمل اللقاء به مرات عديدة، وقد انقضى سريعاً حافلاً بالخيرات وبما اختاره الله وقضاه لا إله إلا هو الحي القيوم، وقد كرم من اختاره إلى جواره، فلله الحمد والمنة ولكل المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الرحمة والمغفرة والعتق من النار كما وعدنا جل وعلا، وأن يهب الجميع حسن جزاء الدنيا وعظيم ثواب الآخرة وأن تكون أرديتنا في العيد ملابس الأخلاق والفضيلة وأفعالنا مثال البر والتقوى وترجمة الخير والإحسان. فالإنسان المؤمن وهو يودع شهر الصوم يستشعر في أعماقه بعظمة حصيلة الجزاء التي حققها وبمتعة الوفاء بالالتزام بالواجب الديني، وحيث يأتي العيد السعيد تتويجاً لعطاءات ونوارنية شهر الرحمة والغفران وتعميقاً لابتهاجات الروح والبدن لتكتمل بأيام العيد كل صفات الخير وتتوسع أعمال البر وتبرز مناقب الأخلاق الحميدة الفاضلة التي يتوجب على كل مسلم ومسلمة التمسك بها كعنوان بارز لجوهر الدين الإسلامي الحنيف.. دين التسامح والمحبة والرحمة والعدل.. دين القيم النبيلة السامية والأخلاق الفاضلة. ولقد كان الشهر الكريم فرصة ثمينة أمامنا، حرصنا أن نؤكد فيها على جملة من القضايا الجوهرية التي يجب الحرص من قبل الجميع من أجلها وسرعة إنجازها، سواء على صعيد مهام البناء الداخلي والمشاركة القومية والاهتمام بالقضايا الإسلامية والإنسانية، وفي مقدمة ذلك الاهتمام بالسلطة القضائية وتعزيز مكانة ودور القضاء في سرعة الفصل في المنازعات وحسم القضايا وتحقيق العدل الذي هو أساس الحكم والشرط الأول لتقدم وازدهار الحياة.. ولانتصار شعبنا في تحقيق كل غايات وأهداف مشروعه الحضاري الجديد القائم على استمرارية فعل الثورة المباركة من أجل الإنسان في الوطن وفي مضاعفة التجسيد العملي لأهدافها الستة السامية، بداية من تعميق بنيان الوحدة الراسخ وإعلاء صروحها وتعظيم ثمارها الخيرة.. نعم -أيها الاخوة والأخوات- بإشراقة أيام عيد الفطر المبارك تبدأ رحلة وجدانية جديدة متصلة بمآثر الخير والدروس الدينية والدنيوية التي حفل بها شهر رمضان المبارك.. لأنها التتويج لأداء فريضة الصوم التي نسأل الله العلي القدير إن يكون قد كتب لنا في الشهر الكريم جزيل الثواب والحسنات والرحمة والمغفرة والعتق من النار، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا فيه لما يرضيه عنا سبحانه وتعالى. وإنها لمناسبة نحث فيها الجميع في مجتمعنا على أداء الزكاة الواجبة عليهم للدولة باعتبارها صاحبة الحق في جباية الزكاة وإنفاقها في مصارفها الصحيحة، وبما يحقق المصلحة العامة ويجسد التكافل الاجتماعي والتراحم الأخوي تطبيقاً لقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، وقوله تعالى (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى)، وقوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون) صدق الله العظيم. فالدولة هي المسؤولة عن إنجاز المشاريع وتقديم الخدمات التي تعود بالنفع الصحيح على الجميع ورعاية المحتاجين والفقراء ورعايتهم، سواء عبر معاشات الضمان أو شبكة الأمان الاجتماعي وغيرها.. وإن التقاعس في أداء الزكاة طبقاً لما أقره الشرع الحنيف إنما هو إخلال بركن هام من أركان الإسلام الذي لا يكتمل إلا بأدائه وطبقاً لما أوجبه الله على كل المسلمين المكلفين به. الإخوة والأخوات.. إن للعيد السعيد معانيه السامية ودلالاته العظيمة المرتبطة بإشاعة قيم التكافل والتراحم والتآلف وبالتزاور بين الأهل والجيران والأصدقاء داخل المجتمع وبين صفوفه في إطار من البر والتعاون والتقوى والتصالح والتسامح والعفو والسمو بالنفس فوق كل الصغائر ومساعدة المحتاجين في المجتمع وزرع الطمأنينة والفرح في قلوبهم، وأن يأخذ القوي بيد الضعيف ويأخذ الغني بيد الفقير والمحتاج، وتتعزز في المجتمع روابط التضامن والتآخي والوحدة، وذلك ما تؤكد عليه تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وأخلاقيات مجتمعنا وقيمه الأصيلة. وإننا نجدد الدعوة للجميع، أفراداً وأحزاباً وقوى سياسية واجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، إلى التطلع إلى الأمام بروح مشبعة بالتسامح والتآخي ونابذة لكل أشكال البغضاء والضغائن والأحقاد والفرقة.. فالوطن هو ملك الجميع ويتسع للجميع وبناؤه مسؤولية مشتركة بين كل أبنائه دون استثناء، فالوطن هو عنوان العزة والشموخ والكبرياء وأفق رحب يقيم في جنباته كل أبنائه أياً كانوا وأينما تواجدوا.. وان ما نعتز به في وطننا اليمني ونفاخر به هو وحدتنا الوطنية المتينة وتكافل مجتمعنا مع بعضه البعض، وينبغي علينا جميعاً إن نصون دوماً تلك النعمة ونحافظ عليها ونغرس قيمها ومعانيها في وجدان الأجيال المتعاقبة لتكون لهم دوماً نبراساً يهتدون به على دروب العطاء والإنجاز والإبداع.. ففي ظل الوحدة الوطنية التي تحققت في زمن كان فيه العالم يتجزأ إلى كيانات وكانتونات صغيرة أمكن لشبعنا أن ينجز الكثير على درب البناء والتنمية والتقدم على مختلف الأصعدة، وأن يتبوأ يمن الـ22 من مايو مكانه المرموق بين الأوطان والأمم كبلد للحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر واحترام حقوق الانسان وكبلد للمبادئ والمواقف القومية والإسلامية والإنسانية، ومناصرة قضايا الحق والعدل والسلام وفي مختلف المحافل القومية والدولية، كما أنه وعلى صخرة الوحدة الوطنية الصلبة تحطمت كافة المؤامرات والتحديات. ولهذا فإن على الجميع تجنب كل ما يثير الفرقة والخلاف فنحن أبناء شعب واحد لا مجال فيه لمثير فُرقة أو خلاف، كما أن على أولئك الذين أساءوا للوطن ذات يوم أن يبادروا للاستفادة من مناخات التسامح والعفو عنهم والتعبير عن الأسف والإقلاع عن الذنوب والأخطاء التي ارتكبوها بحق وطنهم وشعبهم وأن يكونوا مواطنين صالحين، فنحن جميعاً أبناء وطن واحد وعلينا أن نعمل معاً وبروح الفريق الواحد والمتآخي من أجل بناء اليمن القوي المزدهر ومستقبله المشرق بإذن الله. كما ان ما سنظل نعتز ونتمسك به على الدوام هو ذلك النهج الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والصحافة واحترام حقوق الإنسان والمشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار في إطار التداول السلمي للسلطة وتجسيد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه.. وإن الواجب الوطني يقتضي من الجميع إثراء الديمقراطية بالممارسة المسؤولة المُحققة لمصلحة الوطن أولاً، وفهم الحرية في إطارها الصحيح الملتزم بالدستور والقانون وبالثوابت الوطنية والأخلاقيات الدينية والوطنية التي تنأى بها عن الإنزلاق في منزلق الإضرار بالوطن ومصالحه أو التجاوز على حريات وحقوق الآخرين في المجتمع وخارجه. فالديمقراطية والحرية.. مسؤولية وأخلاق وقيم وثوابت وان يمن الإيمان والحكمة والحضارة هو الذي ينبغي أن يكون الرائد في تقديم النموذج الحضاري في كيفية الممارسة الديمقراطية وفهم الحرية التي هي فطرة الله التي فطر عليها الإنسان، والتتويج العظيم لنضالات طويلة وتضحيات جسيمة قدمها شعبنا اليمني في سبيل نيلها والتخلص من حكم الطغيان والاستبداد الإمامي الكهنوتي المتخلف والهيمنة الاستعمارية الغاشمة. يا أبناء امتنا العربية والإسلامية.. إن أمتكم التي هي خير أمة أُخرجت للناس تجابه اليوم تحديات كبيرة وخطيرة وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية والثقافية والعسكرية والأمنية وغيرها.. ويزداد واقعها تعقيداً وضُعفاً مع حالة الفُرقة والشتات التي تعيشها في ظل غياب التضامن والوحدة بين صفوفها.. ولقد أكدنا مراراً بأن لا سبيل للخروج من ذلك الواقع إلا بالإدراك الواعي لما تعيشه الأمة في حالها الراهن والإمساك بعوامل القوة والاقتدار والنهوض التي تمكن أمتنا من تجاوز كبوتها وامتلاك الحاضر والمستقبل الذي تحافظ فيه على وجودها وأمنها ومصالحها والانطلاق صوب التواصل مع أمجاد حضارتها والاسهام بفاعلية في متغيرات العصر الذي نعيشه اليوم، والتصدي لتلك المحاولات والحملة الظالمة للربط بين الإرهاب والإسلام والعرب.. فديننا الإسلامي الحنيف ينبذ الارهاب والتطرف والغلو والعنف والتمييز العنصري بكافة أشكاله وصوره، فهو دين المحبة والتسامح والاعتدال والسلام.. وإن الإرهاب وكما أوضحنا مراراً ظاهرة دولية لا وطن أو دين لها وان القضاء على هذه الآفة يتطلب تضافر جهود الجميع وإزالة كل الأسباب والمناخات التي تتنامى في ظلها هذه الظاهرة المقلقة لأسس الأمن والاستقرار والسلام في العالم، وان من الحكمة ان يواجه الفكر المتطرف والمنغلق بالفكر المستنير المستوعب لجوهر الدين وحقائق الدنيا بعيداً عن التعصب والتحجر والغلو. وإننا في الجمهورية اليمنية نشعر بالارتياح لما حققته نتائج الحوار الفكري الذي تم إجراؤه من قبل العلماء والمرشدين مع عدد من الشباب المغرر بهم.. وانطلاقاً من ذلك وكثمرة لنتائج ذلك الحوار فقد وجهنا بالإفراج عن أولئك الذين سبق التحفظ عليهم لأسباب تتصل بتفكيرهم وممارساتهم الخاطئة بعد أن أكدوا التزامهم بنتائج ذلك الحوار والقناعة بالعودة إلى جادة الصواب من أجل إتاحة الفرصة أمامهم للإسهام في مسيرة بناء وطنهم كمواطنين صالحين في إطار احترام الدستور والقانون.. فما من شك أن العودة للحق فضيلة ونبذ الأخطاء واستلهام الصواب سجية إنسانية حميدة ينبغي تشجيعها والحث عليها لدى هؤلاء الشباب، وإن من الواجب الديني والوطني أن يضطلع العلماء والمرشدون وكل وسائل صنع الرأي العام بدورهم ومسؤوليتهم في توعية الشباب وتحصينهم، وبكل ما من شأنه تجنيبهم الوقوع في الخطأ أو الإساءة لدينهم ووطنهم والالتزام بالنهج والسلوك القويم الذي ينفعهم وينفع دينهم ومجتمعهم والبشرية جمعاء. يا أبناء أمتنا العربية والاسلامية.. إننا نشعر بالحزن والألم أن نحتفل بهذا العيد وإخوة لنا في فلسطين والعراق وغيرها من البلدان الإسلامية يعيشون أوضاعاً مأساوية محزنة ويعانون من ضيم الاحتلال واستلاب الحقوق.. ونجدد الدعوة لكل أشقائنا العرب والمسلمين ولكل ذي ضمير إنساني حي للوقوف إلى جانب أبناء الشعب الفلسطيني إزاء ما يتعرضون له من البطش والتنكيل والاضطهاد على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ودعم النضال الفلسطيني المشروع من أجل استرداد الحقوق المغتصبة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. وكم نشعر بالأسف إزاء سقوط الضحايا المدنيين الأبرياء في العراق سواء في الفلوجة أو غيرها من المدن العراقية.. ونجدد الدعوة إلى مساعدة الشعب العراقي على سرعة إنهاء الاحتلال واسترداد سيادته واستقلاله وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع العراق الشقيق وفي إطار الحفاظ على وحدته وسلامة اراضيه، كما نجدد الدعوة لأشقائنا في العالم العربي والإسلامي وللمجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم للأشقاء في الصومال وبما يكفل للقيادة الصومالية الجديدة استعادة الأمن والاستقرار والسلام إلى الصومال الشقيق وبناء مؤسسات الدولة الصومالية وإعادة اعمار الصومال الذي دمرته الصراعات والحروب خلال الفترة الماضية، وإن ذلك مما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة ويخدم جهود مقافحة الإرهاب.
الإخوة المواطنون الأعزاء.. الأخوات المواطنات العزيزات.. ختاماً: أكرر التهنئة لكم وأتوجه بها بإسمكم لكل المنتسبين للقوات المسلحة والأمن المؤسسة الوطنية الرائدة التي هي مؤسسة الثورة والوحدة والشعب والوطن وأُخص بها كل الجنود والصف والضباط والقادة المرابطين في خنادق وثكنات الواجب المقدس على أرضنا الطيبة وأجوائها الواسعة المباركة.. وهم يقدمون أعظم صور الإيمان والالتزام بالولاء المطلق لله والوطن والثورة والجمهورية.. حراساً أمناء للوحدة والحرية والديمقراطية وكل منجزات ومكتسبات البناء والتنمية مجسدين أروع الصفات الوطنية والالتزام بالقيم والمبادئ العقيدية متحلين بالشجاعة والبطولة والبذل والتضحية ونكران الذات، مؤكدين مجدداً بأن القوات المسلحة والأمن ستظل الحصن المنيع لكل ما هو ماثل اليوم في حياة الشعب من مكاسب ومنجزات عملاقة، كما أنها العون الداعم والشريك الفاعل في عملية البناء والتنمية ورعاية المشروع الحضاري الجديد لبلادنا بإذن الله.. وفقنا الله جميعاً.. وسدد خطانا في التقدم نحو الأفضل والأروع.. سائلاً المولى القدير أن يتغمد بواسع رحمته وغفرانه شهدائنا الأبرار وأن يسدد خطى الجميع في الوطن على طريق الخير والحق والصلاح. عيد سعيد.. وكل عام وأنتم بخير… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،