خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك: 7ديسمبر 2008م
الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين لأعلى رسالات الله إلى خلقه أجمعين..
الإخوة المواطنون..
الأخوات المواطنات..
المؤمنون والمؤمنات في كل مكان..
يسعدني ونحن نستقبل عيد الأضحى المبارك ان أهنئكم جميعاً بهذه المناسبة الدينية الجليلة سائلاً الله العلي القدير ان يعيدها على الجميع وقد تحقق لشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية كل ما يصبون إليه على طريق الخير والتقدم والرفعة والازدهار.
وكما انه وفي هذا اليوم الإلهي العظيم المتفرد في أيام العام كله بسمو شأنه، ورفعة منزلته وفضله يوم الوقوف في عرفات الله يسعدني غاية السعادة وجميع المؤمنين والمؤمنات تتحكمهم تلك المشاعر الخاصة المتصلة بالقرب من الخالق جل شأنه وكل الألسنة والقلوب تلهج بالتلبية في صوت ونسيج إيماني واحد حمداً وشكرا.. وطاعة وخضوعاً لله أن أتوجه إلى حجاج بيت الله الحرام بالتهنئة القلبية المخلصة لكل ما وفقهم الله إليه من أداء المناسك وأعانهم على تحقيقه وانجازه من إقامة الشعائر وأداء فريضة الحج على الصورة المبسطة التي بينها لنا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وقد تهيأت لهم والحمد لله الوسائل والسبل العصرية ليؤدوا نسكهم وكافة الشعائر بكل السهولة واليسر بفضل تلك الجهود المبذولة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود وإخوانه أصحاب السمو الملكي الأمراء وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية من اجل راحة حجاج بيت الله متطلعين لحج مبرور وذنب مغفور وتجارة لا تبور.
نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يمكنهم من ذلك كله وان لا يضيع اجر من أحسن عملا انه سميع مجيب فالحج أيها الإخوة والأخوات يجسد في رمزيته العميقة معاني الإخوة الإسلامية ووحدة الأحاسيس والمشاعر الإسلامية ويعبر عن غايات دينية وإنسانية عظيمة وحميدة تبرز من خلالها قوة الإسلام وعزته ووحدة وتآلف المسلمين وأخوتهم وترابطهم فيما بينهم وبمختلف أجناسهم ولغاتهم عرباً وعجماً من مشارق الأرض ومغاربها..
وما من شك فإننا اليوم وكأبناء أمة إسلامية واحدة أحوج ما نكون إلى تمثل تلك القيم والمبادئ السامية التي يجسدها الحج والوقوف في عرفات الله وحث عليها ديننا الحنيف في الوحدة والتضامن والتعاضد والتكافل والإخاء وغرسها في ضمير ووجدان كل مسلم مخلص لدينه وأمته ليجعل منها مشعل نور وهداية وأساس بناء واعتماد ونهوض ومصدر قوة وعزة ومنعة لمواجهة كافة التحديات والمخاطر المحدقة بالإسلام والمسلمين كما أن علينا أن نجعل من أيام هذا العيد محطة جديدة لتعزيز الألفة والمحبة بين كل المسلمين ولاستيعاب كل أعمال الخير والتقرب إلى الله في ميادين البر والتقوى والتعاون والتكافل وإبراز القيم والمثل الراقية التي تتجلى في نفس كل مؤمن.
الإخوة المواطنون
الأخوات المواطنات
يحل علينا عيد الأضحى المبارك متزامناً مع كثير من الأحداث والتحولات التي شهدها وطننا الغالي والمنطقة والعالم فعلى الصعيد الوطني يستعد شعبنا لخوض الاستحقاق الديمقراطي والدستوري الهام المتمثل في الانتخابات النيابية القادمة التي استكملت وبحمد الله وبنجاح كبير المرحلة الأولى من عملية التحضير لإجرائها في موعدها المحدد في السابع والعشرين من ابريل 2009م.. وان ما شهدته المرحلة الأولى من الانتخابات والمتمثلة بمراجعة وتعديل جداول الناخبين من تفاعل وإقبال كبير من قبل أبناء شعبنا ذكوراً وإناثا ومن مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع ممن يحق لهم تسجيل أنفسهم طبقاً للقانون والذين تدافعوا وبحماس إلى مقار اللجان الانتخابية لتسجيل أنفسهم في سجلات الناخبين ونقل مواطنهم الانتخابية وبرهنوا بذلك على وعيهم الديمقراطي وحرصهم على ممارسة حقوقهم الانتخابية وتعزيز النهج الديمقراطي التعددي الذي التزمت به بلادنا ومن خلال الحرص على إنجاح الانتخابات النيابية القادمة وإجرائها في مناخات حرة ونزيهة وشفافة وبرهنوا على تمسكهم بالديمقراطية كخيار وطني حضاري للبناء وصنع التقدم للوطن والسبيل لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة ورفضهم لكل محاولات الالتفاف على الديمقراطية أو تعطيل مسيرتها أو إعاقة جهود البناء والتنمية والوقوف في وجه كل أعمال الفوضى والتخريب أو الترويج لثقافة البغضاء والكراهية وكل دعوات المناطقية والمذهبية والشطرية وغيرها والتمسك بالحفاظ على منجزات الوطن وثوابته وأمنه وسكينته العامة.
كما إن مسيرة البناء والتنمية والإصلاحات تواصل بحمد الله خطاها الواثقة في الوطن صوب تحقيق كافة الغايات الوطنية المنشودة رغم كل التحديات والصعوبات سواء الناتجة عن ظروف داخلية وشحة الموارد أو الزيادة السكانية المضطردة أو تلك الناتجة عن أثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية والانخفاض الكبير في إنتاج النفط داخلياً أو سعاره عالمياً..
وإننا لنشعر بالارتياح بان الكثير مما تم الوعد به في البرنامج الانتخابي قد وجد طريقه للتنفيذ والترجمة في الواقع العملي سواء ما يتعلق بتعزيز استقلالية السلطة القضائية أو في مجال تطوير تجربة المجالس المحلية والانتقال بها إلى آفاق أوسع من خلال توسيع صلاحياتها وانتخابات المحافظين أو التهيؤ للانتقال بها قريباً إلى نظام الحكم المحلي الواسع الصلاحيات وكذا ما تحقق في مجال مكافحة الفساد واعتماد الشفافية والحكم الرشيد وذلك من خلال إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ولجنة المناقصات والمزايدات وإصدار قانون الذمة المالية وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى تعزيز بناء دولة المؤسسات الدستورية وفرض سيادة النظام والقانون وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية وحرية الرأي والتعبير ومشاركة المرأة بالإضافة إلى ما تحقق على صعيد بناء الإنسان والتنمية والاستثمار واستغلال الثروة النفطية والغازية والمعدنية وانجاز المشاريع الخدمية والإنمائية ومنها ما يتصل بمكافحة البطالة والفقر وتنفيذ مشاريع التعليم والصحة والطرق والاتصالات والزراعة والحواجز والسدود ومشاريع الإسكان للشباب وذوي الدخل المحدود وغيرها من مشاريع البنى الأساسية بالإضافة إلى إعادة الأعمار في المناطق التي تضررت من كارثة السيول في حضرموت والمهرة وغيرها وكذا المناطق التي تضررت من الحرب في صعده والتسريع بجهود التنمية وعلى مختلف الأصعدة وبالاتجاه الذي يخدم مصالح الوطن والمواطنين.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي..
فان تزايد أعمال القرصنة والإرهاب تمثل هي الأخرى تحديات ماثلة أمام الجميع وحيث ينبغي ان تتضافر كافة الجهود الإقليمية والدولية من اجل مواجهتها والحد من المخاطر والتهديدات التي تفرزها على صعيد الأمن والاستقرار والسلم والمصالح إقليمياً ودولياً..
وبهذه المناسبة نجدد الدعوة إلى ضرورة الإسراع في تشكيل قوة دولية بالتنسيق مع الدول المطلة على البحر الأحمر وتحت رعاية الأمم المتحدة لمواجهة أعمال القرصنة البحرية المتزايدة التي تتعرض لها عدد من السفن أثناء مرورها في المياه الدولية وقبالة السواحل الصومالية في البحر العربي والمحيط الهندي.. مؤكدين ما سبق ان دعونا إليه حول ضرورة مساعدة الصومال الشقيق على استعادة أمنه واستقراره وإعادة بناء مؤسسات دولية باعتبار ان ذلك يمثل المدخل الصحيح لوضع حد لحالة الانفلات الجارية في الصومال ومعالجة ظاهرة القرصنة والحيلولة دون تحول الصومال إلى بؤرة لتصدير الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة.
كما ان آفة الإرهاب بحاجة إلى تضافر كافة الجهود الإقليمية والدولية لمجابهتها وتجفيف منابعها واتخاذ المعالجات المناسبة والموضوعية الكفيلة بالقضاء على الأسباب والمناخات المشجعة على تنامي هذه الظاهرة والحيلولة دون وقوع الشباب الذي يعاني من البطالة وعدم وجود التحصين الفكري الكافي والسليم وغياب الفهم الصحيح بحقائق الدين الإسلامي الحنيف وجوهر تعاليمه السمحاء القائمة على الاعتدال والتسامح فريسة في أيدي العناصر الظلامية المتطرفة التي لا برنامج لديها أو رؤية أو ثقافة سوى ثقافة الإرهاب والتطرف والتخلف.
يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية..
إننا نتابع بحزن وأسى ما يعانيه أشقاؤنا من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نتيجة استمرار فرض الحصار الإسرائيلي الجائر عليهم وما خلفه ذلك الحصار من مآسٍ إنسانية مؤلمة بسبب نقص الدواء والغذاء والوقود في ظل صمت دولي معيب وعجز فاضح من قبل كافة المؤسسات والهيئات الدولية عن القيام بأي شيء لإنقاذ شعب يعاني أطفاله وشيوخه ونسائه ورجاله من الجوع والمرض والحصار الخانق الذي ليس له مثيل ويندى لمآسيه الجبين الإنساني وتهتز له كل الضمائر الحية..
وإننا في الجمهورية اليمنية لنؤكد مجدداً ما سبق أن دعونا إليه في ضرورة أن تضطلع الأمم المتحدة بدورها ومسؤليتها الإنسانية والأخلاقية في وضع حد لتلك المأساة الإنسانية القاسية التي يعاني منها أبناء الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة واستخدام القوة ضد إسرائيل طبقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة من اجل إجبارها على إنهاء حصارها الجائر والالتزام بقرارات الشرعية الدولية التي ينبغي أن تطبق بمعايير واحدة على الجميع وبعيداً عن سياسة الكيل بمكيالين والتي تجعل من إسرائيل بمنأى عن المساءلة والمحاسبة إزاء ما تقوم به من تحد سافر لتلك القرارات وما ترتكبه من جرائم وتجاوزات لا إنسانية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل..
ونجدد دعوتنا لأشقائنا في فلسطين بمختلف فصائلهم وتوجهاتهم السياسية وفي المقدمة حركتي فتح وحماس إلى تجاوز حالة الخلاف والانقسام فيما بينهم والعمل على كل ما من شأنه رأب الصدع في الصف الوطني الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية ولما فيه خدمة ومصلحة الشعب الفلسطيني وقضته العادلة ونيل حقوقه المشروعة وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.
وختاماً وبهذه المناسبة الدينية الجليلة لابد لي هنا أن أوجه التهنئة الخاصة لكل المنتمين للمؤسسة الوطنية الرائدة.. القلعة الحصينة والمنيعة.. القوات المسلحة والأمن وان أسجل باسم كل أبناء شعبنا الأبي الحر الشكر والامتنان لما تقوم به من دور وطني لا مثيل له في الحفاظ على كل مكتسبات الثورة والجمهورية والوحدة والحرية والديمقراطية.. وفي كل ما تقدمه من أجل حماية السيادة الوطنية وكفالة رسوخ الأمن والاستقرار والسكينة والطمأنينة العامة.. مؤكدين على التزامنا بمواصلة تطويرها وتعزيز قدراتها وإمكانياتها والرعاية الكاملة لكل المنتمين إليها كحق وواجب مستمدين العون والتأييَّد من الله سبحانه وتعالى واثقين بأن كل الخيرين والأوفياء والمخلصين لله والوطن والثورة والوحدة معنا على طريق بناء اليمن الجديد يمن الثاني والعشرين من مايو المجيد والسير به قدماً نحو المستقبل الأفضل.
عيد سعيد
وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،