خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك 29ديسمبر2006
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للبشرية إلى يوم الدين.
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، يسعدني ونحن نستقبل مناسبة عيد الأضحى المبارك أن أهنئكم أينما تكونون ومن خلالكم أهنئ كل أبناء امتنا العربية والإسلامية بهذه المناسبة الدينية الجليلة التي تقترن بالفداء والتضحية والطاعة والالتزام والبذل والعطاء.. وأبارك لكم هذه الأفراح المتصلة بإحياء أعظم القيم الإنسانية السامية وتخليدها على مر السنين ذلك ان التضحية هي أغلى هبات النفس البشرية السخية والشجاعة وأعلى مثل الإنسانية، كما تترابط أفراحها بابتهاجات المسلمين كافة بإقامة ركن أساسي من أركان الدين الإسلامي الحنيف وهو أداء فريضة الحج وزيارة البيت العتيق لمن استطاع إليه سبيلاً. قال تعالى “ولله ِعلى الناس ِحجُ البيتِ من أستطاع إليهِ سبيلا” وقال تعالى ” وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق” صدق الله العظيم.. ذلك أن أداء فريضة الحج – أيها الإخوة والأخوات-هي رحلة إيمانية تعبدية إلى أقدس وأطهر البقاع في الأرض وارتقاء بالروح الإنسانية المؤمنة إلى أقدس المشاعر والشعائر الاتصالية المجسدة للارتباط الحميم بالخالق عزوجل وبذل كل الطاقات وتحمل اكبر المشاق من اجل الظفر بالجائزة الربانية الكبرى للإنسان المسلم والتي يتحقق بها كمال الالتزام بإقامة كافة أركان الدين الإسلامي الحنيف وتعزيز المعارف والصلات الحميمة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة من ضيوف الرحمن في مهبط الوحي العظيم ومتنزل كتابه القرآن الكريم في البقعة التي أشرق منها فجر الإسلام بتاريخ جديد للبشرية جوهره التوحيد والخضوع والطاعة لله وحده وتعزيز أواصر الإخاء والمساواة والحرية والعدالة والتسامح والاعتدال ومكارم الأخلاق. وما من شك فإن مشهد الوقوف بعرفات الله لا يختزل وحدة الأمة الإسلامية ويجلي حقيقة قوتها فحسب.. وإنما يقدم شهادة عملية ناصعة على عظمة الدين الإسلامي الحنيف الجامع باعتباره خلاصة الأديان السماوية كما شاء الله له ان يكون وملتقاها المبسط الخالي من كل أشكال الخزعبلات والكهنوت والتعصب الأعمى والكامل في تحديد صلة الإنسان بخالقه وجعل الإنسان خليفته في الأرض كما هو في تجسيد معنى الإيمان بكل الكتب السماوية وكل الأنبياء والمرسلين وتعميق المعرفة بالله سبحانه وتعالى وتحصين النفس البشرية والعقل الإنساني من كل آثار الجاهلية والوثنية والزيغ والانحلال والإشراك، وهي المعاني التي لا ينفك حجاج بيت الله الحرام يرددونها ويبتهلون بها إلى الله جل شأنه في تلبيتهم جماعات وفرادى من لحظة إحرامهم إلى ذروة أدائهم لشعائر الحج.. فهنيئاً لحجاج بيت الله على ما تحقق لهم من حج مبرور وذنب مغفور وما حصدوه من الثواب وحسن الجزاء في تجارة لن تبور بإذن الله.
الإخوة المؤمنون.. الأخوات المؤمنات.. أنه لمن حسن الطالع ان تزامنت أيام عيد الأضحى المبارك ببداية العام الميلادي الجديد الذي نسأل الله العلي القدير أن يكون عام خير وسلام على شعبنا وأمتنا والعالم وأن يأتي حافلاً بعطاءات العمل والإنتاج والإنجاز في الوطن وعلى مختلف الأصعدة والمجالات.. وهو ما يفرض على الحكومة ان تواصل الجهود في مجالات التنمية والنهوض الشامل وفي إطار الترجمة العملية لما حددته البرامج الانتخابية التي بموجبها نلنا ثقة الشعب في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي شهدها الوطن في الـ20 من سبتمبر الماضي.. مع إعطاء الأولوية لإقامة المشاريع الاستراتيجية العملاقة في الوطن سواء في المجال الصناعي والطاقة والطرقات والسدود والحواجز المائية أو في مجالات النفط والغاز والمعادن كمشروع ميناء بلحاف الاستراتيجي لتصدير الغاز الذي يستوعب حالياً حوالي ثلاثة ألاف عامل والذين سيصل عددهم في عام 2007 إلى حوالي عشرة ألاف عامل أو في مجال الموانئ والسكك الحديد وغيرها والتي تعزز جهود تحقيق النهضة الشاملة وتحد من البطالة وتوفر فرص العمل لأكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة وكذا الاهتمام بتشجيع الاستثمارات الوطنية والعربية والدولية وتقديم كل التسهيلات اللازمة لها وجذبها إلى تلك المجالات.. مؤكدين أن ملف الاستثمارات سوف يحظى بالاهتمام والإشراف والمتابعة الشخصية من قبلنا مع الجهات المعنية من اجل الدفع به وتهيئة المناخات المناسبة أمام المستثمرين الجادين لضمان تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية بنجاح وبعيداً عن أي إجراءات إدارية بيروقراطية وبما يحقق المصالح المشتركة للمستثمرين ولبلادنا ويترجم أهداف التنمية.. ولهذا فإنه وخلال الفترة القليلة القادمة سوف تتخذ المزيد من الخطوات والإجراءات التي تشجع المستثمرين وتكفل لهم إنهاء معاملاتهم بسهوله ويسر وحيث سيتم في هذا الإطار دمج هيئة المناطق الحرة والهيئة العامة للاستثمار في هيئة واحدة وبهيكلية إدارية متطورة ومرنة تحقق الأهداف المنشودة منها في خدمة الاستثمار وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين. كما نوجه الحكومة مواصلة عملية البناء والتطوير في كافة محافظات الجمهورية وتقوية بنيان السلطة المحلية وتعزيز دورها الدستوري والقانوني ومنحها المزيد من الصلاحيات المالية والإدارية من اجل تحمل مسؤوليتها في مضاعفة منجزات التنمية والبناء في الوحدات الإدارية حسب البرامج التنفيذية المرسومة لذلك وبما يرسخ قواعد الديمقراطية والمشاركة الشعبية ويوطد بناء الدولة اليمنية الحديثة ويدفع بحركة التغيير الشامل داخل المجتمع اليمني الجديد ويحشد الامكانات والطاقات الوطنية في ميادين البناء والتنمية والتطور.
الإخوة والأخوات.. إننا في الوقت الذي نشعر فيه بالارتياح لما أسفر عنه مؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن في شهر نوفمبر الماضي من نتائج ايجابية لدعم مسيرة التنمية في اليمن والذي عكس التقدير الكبير للمانحين من الأشقاء والأصدقاء لليمن ونهجها السياسي وما قطعته من أشواط على درب الديمقراطية والإصلاحات وجسد الرغبة الصادقة في تعزيز الشراكة مع بلادنا.. فإننا مجدداً نثمن عالياً مواقف الأشقاء والأصدقاء والمنظمات الدولية المانحة الذين ساندوا اليمن خلال ذلك المؤتمر وفي مقدمتهم الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي الذين جسدوا دوماً حرصهم الصادق في تعزيز علاقات الإخاء والتعاون والشراكة مع اليمن باعتبار أن ذلك يحقق المصالح المشتركة لبلداننا وشعوبنا في الجزيرة والخليج ويخدم الأمن والاستقرار في المنطقة. وبهذه المناسبة فإننا في الجمهورية اليمنية إذ نؤيد ما خرجت به القمة الخليجية السابعة عشرة المنعقدة في مدينة الرياض من قرار في الدعوة إلى أجراء الدراسات لإقامة برنامج خليجي مشترك في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية وطبقاً للمعايير والأنظمة الدولية فإننا نؤكد استعداد اليمن ورغبتها في الدخول ضمن ذلك البرنامج في إطار منظومة واحدة بدلاً من أن يعمل كل بلد على حده في هذا المجال.. نظراً لما للعمل الجماعي من مردودات اقتصادية واستراتيجية وتبادل للمنافع وتشابك للمصالح باعتباره يمثل الخيار الاقتصادي والعلمي الصائب والمشروع الذي يحقق غايات البناء والتكامل ويوفر الكثير من الجهد والامكانات في مجال استخدام التقنية النووية لتوفير الطاقة الكهربائية ومستلزمات النهوض التنموي بمردودات اقتصادية كبيرة ومجدية وتقنيات علمية حديثة ومتطورة..
الإخوة المواطنون الأعزاء.. الأخوات المواطنات العزيزات.. إن مهام المرحلة القادمة كبيرة ومتعاظمة وتتطلب تضافر جهود الجميع في الوطن أحزاباُ وأفراداُ في السلطة والمعارضة على حد سواء من اجل النهوض بها ولما فيه مصلحة الوطن.. وحيث لا ينبغي مواصلة الانشغال بالتنافس الحزبي وآثار ما خلفته الحملات الدعائية خلال مرحلة الانتخابات فتلك مرحلة قد تم إسدال الستار عليها وينبغي أن يتطلع الجميع إلى الأمام بروح ايجابية متفائلة ووعي وطني منفتح يستلهم المستقبل دون الانشداد إلى الماضي أو الانشغال بالمعارك الكيدية ومتاهات المزايدات الكلامية التي لا تعني سوى إهدار الوقت والجهود والطاقات، وكما أن على المسؤولين في مختلف مواقع المسؤولية الحرص على الاضطلاع بمهامهم التنفيذية والتزاماتهم العملية بتفانٍ وإخلاص من اجل خدمة الوطن والمواطنين فإن على المعارضة أيضاً تحمل مسؤوليتها في الوعي بدورها والمهام المناطة بها وإدارة حركة العمل داخلها بروح ديمقراطية شفافة وايجابية وبما يكفل تجنب القصور أو الوقوع في الخطأ.. ولتؤكد بذلك أنها الرديف للسلطة وأنها جديرة بتحمل مسؤولياتها الوطنية وممارسة دورها من اجل خدمة المصلحة الوطنية أولا وقبل أي اعتبار آخر.. وكما أكدنا مراراً فإن الوطن هو ملكنا جميعاً ونحن جميعاً مسئولون عنه وهو يتسع للجميع. يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. انه لمن المحزن حقاً أن يطل علينا هذا العيد السعيد في ظل وجود بعض الأوضاع والتداعيات المؤسفة في عدد من الأقطار الشقيقة سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق أو الصومال أو أفغانستان. وإننا اذ نشعر بالقلق إزاء ما يجري في تلك الأقطار الشقيقة من تطورات محزنة وتوترات فإننا نجدد دعوتنا لكافة الأطراف المعنية بالصراع فيها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار والعمل من أجل رأب الصدع وتغليب العقل والحكمة وتجاوز الخلافات وإحلال الوفاق والمصالحة فيما بينهم بما يصون الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية ويفوت الفرصة على أي مخططات تستهدف زرع الخلافات والشقاق فيما بين أبناء الشعب الواحد في كل بلد منهم وإلحاق الضرر بوحدتهم الوطنية ومصالح بلدانهم الشقيقة.
الإخوة المواطنون.. الأخوات المواطنات..
في الختام أكرر التهنئة لكم وأخص بها عرفاناً ووفاءً أولئك الأبطال الأشاوس في قواتنا المسلحة والأمن المرابطين في مختلف مواقع الشرف والبطولة والواجب والذين يجعلون لأعيادنا معانيها الجميلة والجليلة ولحياتنا سكينتها واطمئنانها ويقدمون دائماً الصورة الرائعة للنماذج الإنسانية المشرفة للبذل والعطاء والتفاني ونكران الذات في كافة ميادين تحمل المسؤولية وأداء الواجب الوطني المقدس.. حراساً أمناء على كل المكاسب والمنجزات وحماة أقوياء للأمن والاستقرار والسكينة العامة في الوطن.. وهم في كل حال وحين على أهبة الاستعداد لخوض المهام الصعبة.. والتضحية والفداء من اجل عزة الوطن وتقدمه ورخائه وصيانة أمنة واستقراره وسيادته واستقلاله.. فلكل منتسبي المؤسسة الوطنية الكبرى القوات المسلحة والأمن جنوداً وصف ضباط وضباطاً وقادة كل التقدير والتبجيل والتهنئة.. سائلين الله العلي القدير أن يتغمد شهداء الوطن الأبرار بالرحمة والغفران.. إنه سميع مجيب. عيد سعيد.. وكل عام وانتم بخير،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،