خطاب الرئيس بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على رسوله ونبيه الخاتم الأمين ..
أيها الأخوة المواطنون الأعزاء ..
أيها الأخوة المؤمنون فى كل مكان ..
يسعدنى ونحن نستقبل فى هذه الليلة المباركة مناسبة جليلة، وهى حلول شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والغفران والنقاء والإيمان أن أهنئكم وكل أبناء أمتنا العربية والإسلامية بهذه المناسبة الدينية العزيزة على قلوب المسلمين جميعا.. سائلا الله العلى القدير أن يعيدها على شعبنا وأمتنا فى كل عام باليمن والخير والبركات .
فشهر رمضان المبارك هو شهر تجلي أروع صور الإيمان وشهر الرحمة والغفران وثبات العقل والقلب على الهدى ورسوخ التقوى فى القلب والنفس والضمير والوجدان.. قال سبحانه وتعالى: (( شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه )). صدق الله العظيم ..
فشهــر رمضان الكريـم مناسبة دينية عزيزة وغالية على كل مسلم ومسلمة ؛ لأنها تتصل بمساحة زمنية مكرسة لفريضة تعبدية خالصة لله سبحانه وتعالى تستمر شهراً فى كل عام.. إلا أنها فى ذات الوقت رحلة حياتية إنسانية هامة تتصل ببناء الإنسان وصقل ضميره وصياغة شخصية المؤمن القادر القوى وتربيته على تحمل المشاق والتسلح بالصبر وإحياء وتفعيل رقابة الضمير لضبط صلاح النوايا وسلامة الأعمال ؛ لأن الصوم يساعد على اكتساب الشخصية الإسلامية السليمة بقوة جديدة من المناعة الذاتية والتفوق على النفس وأهوائها والسمو بها إلى المراتب الروحية العالية والأخلاق الحميدة .
فالصوم يقدم للإنسان وسيلة نابعة منه ومن مكامن اقتداره وطاقته للتحصن ضد الانحراف والجشع والتهالك على عرض الدنيا الفانية ويمكنه من مقاومة الضعف البشرى وينمى الإحساس بحاجة الآخرين من الفقراء والمحتاجين.. ولذلك كان فريضة فى الأديان السماوية السابقة.. قال تعالى: (( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )).. صدق الله العظيم .
فهو حاجة إنسانية ماسة وتمرين حيوى فاعل سواء للروح والنفس أو البدن، كما للعاطفة والضمير فهو خير كله (( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تومنون )).. صدق الله العظيم .
أيها الأخوة المؤمنون ..
إن الاستثمار الخير والمثمر عبادة لله جل شأنه والتتواصل مع القرآن الكريم والتمتع بتلاوته وتأمل آياته والإكثار من العمل الصالح وفعل الخير والتنافس فى إبراز صفات المؤمن القوى القادر تسامحاً وتراحماً وعطاءً سخياً هو تعظيم للاختيار الإلهى المقدس لأداء فريضة الصوم خلال هذا الشهر الفضيل الذى كان فيه تنزيل القرآن الكريم وشهر مراجعة النبى صلى الله على وسلم له مع جبريل عليه السلام أثناء حياته الطاهرة المنزهة خلال شهر الصوم .
ولذلك كان وسيبقى من فضائل هذا الشهر أن اختصه الله سبحانه بإيداع أواخره ليلة هى خير من ألف شهر وهى جائزة إلهية عظيمة يهفو لنوالها قلب كل مؤمن ؛ وهى تحفز الصائمين لمضاعفة حسنات أعمالهم بكل مايقدرون عليه من وسائل التقرب إلى الله والامتثال لطاعته.. ولهذا فإن ماندعو إليه أبناء شعبنا فى هذا الشهر الكريم إلى جانب كبح جماح النفس والرغبات هو تضافر جهود الجميع للانطلاق فى ميادين العمل والإنتاج، كما ندعو أبناء شعبنا إلى التعاطف والتراحم فيما بينهم والتسابق إلى أعمال الخير والبر والإحسان استثمارا لمناخات الصفاء الروحى وإعلاءً لقيم الخير والتكافل .
كما ندعو الجميع وفى المقدمة القادرين والميسورين فى مجتمعنا إلى التخلى عن تلك العادات والسلوكيات الاجتماعية السلبية المقترنة بمظاهر التفاخر والتباهى والإنفاق الاستهلاكى والبذخ التى نهى عنها ديننا الإسلامى الحنيف وتخالف قيم شعبنا الأصيلة وأخلاقياته الفاضلة وعاداته الحميدة ولاتتماشى مع الظروف الاقتصادية الصعبة التى تواجهها بلادنا اليوم وتبذل الجهود من أجل الخروج منها وصولاً إلى تحقيق الأفضل .
الأخوة المواطنون الأعزاء ..
إننا ندرك مدى الصعوبات التى تحملها أبناء شعبنا بسبب ما اقتضته الضرورة الوطنية من اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية التى لم يكن منها أى بد أو مفر لمعالجة تلك الاختلالات الخطيرة التى أصابت اقتصادنا الوطنى نتيجة الظروف المعروفة التى مرت بها بلادنا وفى مقدمتها ماتكبده الوطن من خسائر كبيرة نتيجة فتنة الأزمة والانفصال والحرب التى اشعلها الانفصاليون وما تم تسخيره من إمكانات لإصلاح وإعادة إعمار ما خلفته
الحرب من آثار على كافة الأصعدة .
وكان من المستحيل إيقاف التدهور الاقتصادى والاستمرار فى جهود البناء وترجمة أهداف التنمية دون تنفيذ برنامج شامل للإصلاح الاقتصادى والمالى والإدارى، وبدون ذلك فإن الوضع كان سيكون قاتماً والأعباء والمصاعب المعيشية للمواطنين كانت ستكون أسوأ مما يمكن توقعه.. والحمد لله أنه وعلى الرغم من ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية والانخفاض المستمر فى أسعار النفط عالمياً، والتى انعكست بآثارها على الكثير من الدول فى العالم، ولم تنجُ منها بلادنا هى الأخرى خاصة، وهى تعتمد بشكل رئيسى فى تغطية نفقات الموازنة العامة، ومواجهة التزامات مشاريع التنمية على تلك العائدات المتواضعة لكميات النفط المحدودة التى يتم تصديرها للخارج.. ناهيك عما تشهده بلادنا من زيادة كبيرة وغير طبيعية فى معدلات النمو السكانى، وما يفرضه ذلك من ضغط وأعباء إضافية على الموارد الوطنية المحدودة .
إلا أن هناك الكثير من الجهود قد بذلت من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية وتحققت بالفعل نجاحات ملموسة فى هذا الإطار، ومؤشرات النمو الاقتصادى فى بلادنا فى الوقت الراهن تزداد بالاتجاه الذى يلبى تطلعات وآمال أبناء شعبنا فى النهضة والتقدم، ونحن متفائلون بإذن الله بأن المستقبل واعد ومبشر بالخير للجميع .
وعلينا جميعاً أن نشمر السواعد فى ميادين البناء والعمل من أجل خوض معركة التنمية والإعمار والتغلب على كافة المعضلات والتحديات التى تواجه وطننا بروح وطنية مسؤلة تضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار بعيداً عن المزايدات والمكايدات والشعارات الجوفاء أو الانشداد نحو الماضى السيىء، وعلى أولئك الذين لم يتعلموا بعد من الماضى ولم يستوعبوا الحقائق والمتغيرات الجارية من حولهم أن يدركوا أن الاستمرار دون تغيير فى ذات النهج القديم والتمترس خلف ما هو سيىء فى الماضى لن يورث لهم سوى المزيد من المتاعب وتكرار المآسى الحزينة التى صنعوها لأنفسهم وللوطن وينبغى أن لايضيع هؤلاء الكثير من الوقت والجهد فيما ليس فيه خير يرتجى وأن يكونوا مع الشعب وحريصين على مصالحه، ولقد حان الوقت ليدركوا بوعى مدى الحاجة الملحة للتغيير من أنفسهم ونهجهم وأن يستلهموا مستقبلاً أفضل لهم وللوطن .
أيها الأخوة المؤمنون ..
إن حقائق التاريخ تشهد بأن أبناء اليمن مناضلون أباة، وبناة حضارة تليدة وصانعو تاريخ مشرق ومجد عظيم، وأن شعبنا اليوم أكثر إصراراً وعزيمة وتهيؤاً للتواصل مع أمجاد حضارته وإشراقات تاريخه والتفاعل الخلاق مع المتغيرات والتطورات المذهلة فى هذا العصر الذى تتهيأ فيه الإنسانية للدخول إلى رحاب القرن الواحد والعشرين بكل ما يحفل به من تقدم هائل فى كافة مجالات الحياة، وما يتطلبه من الأخذ بمقتضيات الحضارة فى إعلاء قيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأخذ بأسباب العلم والمعرفة والتطور والانفتاح الواعى الإيجابى على تجارب الآخرين فى إطار التمسك بالعقيدة الإسلامية والهوية الوطنية والقيم والمبادىء الأخلاقية والإنسانية النبيلة .
وأن شعبنا الذى يعتز أنه كان سباقا فى تجسيد نهج الشورى والديمقراطية فى تاريخه وهو ماشهد به القرآن الكريم فى قوله تعالى: (( قالت ياأيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )).. صدق الله العظيم، هو اليوم أكثر حماساً وحرصاً على التشبث بالنهج الديمقراطى الشوروى الذى اختطه لحياته الجديدة نهجاً راسخاً ووسيلة حضارية لاحياد عنها للبناء والتطور .
وأيـا كانت الصعاب التى يمكن أن تـبرز بين حين وآخر نتيجة الممارسات الخاطئة والمؤسفة من بعض أولئك
الذين فهموا الديمقراطية خطأ بأنها الفوضى وحمل معاول الهدم والتخريب فى الوطن.. إلا أننا على يقين بأن
التغلب على تلك الصعاب ومعالجة أخطاء الديمقراطية لن يكون إلا بمزيد من الممارسة الديمقراطية وفتح المزيد من منافذ الحرية ومنابر التعبير عن الرأى ومعالجة القضايا بالمزيد من الشفافية والمكاشفة والوضوح وتوسيع نطاق المشاركة فى الحكم تجسيداً لمبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه وترسيخاً لنهج الديمقراطية والتعددية ومبدأ التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الانتخابات .
فالديمقراطية مدرسة يتعلم منها الجميع وفى ظل مناخاتها الصحية تتفجر طاقات الشعب وإبداعاته فى مختلف ميادين البناء والإنتاج والتفوق .
وإننا لندعو كافة أبناء شعبنا وفى المقدمة الأحزاب والتنظيمات والمنظمات الجماهيرية والصحافة الوطنية إلى جعل الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية وسيلة بناءة لصنع كل ماهو خير ومفيد لصالح الوطن ونهضته وتقدمه وإثرائها بالممارسة الوطنية المسئولة والاصطفاف بما يعزز الوحدة الوطنية، ويرسخ بنيان الدولة اليمنية الحديثة، ويترجم كافة الأهداف والتطلعات الوطنية فى المستقبل الأفضل، وعلى الصحافة الوطنية أن تعى رسالتها بصورة إيجابية لما يخدم الوطن ويحقق مصالحة وينفع المجتمع والابتعاد عن ذلك الفهم الخاطىء للديمقراطية وحرية الرأى والتعبير واستغلالهما لما يسيىء لعلاقات بلادنا مع الاخرين ويضر بمصالحها معهم وعلى وجه خاص ماتقوم به بعض الصحف من اساءة لعلاقة اليمن مع الاشقاء فى المملكة العربية السعودية .
ايها الاخوة المواطنون ..
أيها الأخوة المؤمنون فى كل مكان ..
إنه لما يحز فى النفس ويخلق فيها الأسى والألم أن يحل شهر رمضان المبارك فى ظل تلك التطورات المؤسفة الناتجة عن الاعتداء الأمريكى البريطانى على القطر العراقى الشقيق، وما أسفر عنه من خسائر وسقوط العديد من الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب العربى المسلم فى العراق وزيادة معاناته الإنسانية القاسية .
والجمهورية اليمنية التى تابعت تلك التطورات بحزن وأسف عميق فإنها تعبر عن استنكارها لهذا الاعتداء الذى ليس له ما يبرره على الإطلاق، وتؤكد مجدداً على موقفها الثابت الداعى إلى حل الخلافات والقضايا العالقة عبر الحوار وبالطرق الدبلوماسية والسلمية وتطبيق معايير واحدة وعادلة إزاء مختلف القضايا الدولية وقرارات الشرعية الدولية، وتجنب اللجوء للقوة التى لا ينتج عنها سوى الدمار وسقوط الضحايا الأبرياء وخلق مناخات التوتر وعدم الاستقرار .
كما نؤكد مجدداً تضامن شعبنا مع معاناة أشقائه فى العراق وليبيا نتجية استمرار فرض الحصار عليهما، ونطالب بإنهاء ذلك الحصار الجائر الذى تسبب فى إلحاق الكثير من الأذى بالأطفال والشيوخ والنساء من أبناء الشعبين الشقيقين .
وتدعو الجمهورية اليمنية إلى عقد قمة عربية عاجلة للوقوف أمام الأوضاع والتطورات الراهنة فى ضوء ما يتعرض له العراق الشقيق من اعتداءات أمريكية بريطانية وما يفرضه ذلك من مخاطر ومناخات التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة .
أيها الأخوة ..
لقد حرصت الجمهورية اليمنية دوماً فى رؤيتها الاستراتيجية للتعامل فى سياستها الخارجية مع الجميع أشقاء وأصدقاء على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى دولة وتعزيز أسس التعاون لخدمة المصالح المشتركة، والحرص على توظيف علاقاتها مع الجميع لما فيه تعزيز السلام والأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم، وإن بلادنا التى عاشت فى الماضى معاناة الحروب والصراعات لتدرك بأن خيار السلام هو الخيار الصائب الذى يجنب الشعوب ويلات الدمار وهدر الإمكانات التى تخلفها الحروب والصراعات الدامية .
ففى ظل السلام يمكن للشعوب التفرغ الجاد لحل قضاياها ومواجهة مشاكلها ومعضلات البناء والتنمية التى تواجهها .
ولهذا فإن الجمهورية اليمنية دعمت ولاتزال كل الجهود والمساعى الرامية إلى تحقيق السلام فى العالم، وفى المقدمة منطقة الجوار الجغرافى سواء فى الجزيرة والخليج والقرن الإفريقى أو البحر الأحمر أو فى المنطقة عموماً .
وانطلاقاً من ذلك فإن بلادنا ستواصل بذل مساعيها ودعم كافة الجهود الإقليمية والدولية من أجل استعادة الصومال الشقيق لعافيته وأمنه وسيادته واستقراره .
كما أننا لن نتردد فى بذل كل الجهود الممكنة من أجل ترسيخ التفاهم والأمن والاستقرار والسلام بين دول وشعوب منطقة القرن الإفريقى .
أما على صعيد مسيرة السلام فى منطقة الشرق الأوسط فإن الجمهورية اليمنية تؤكد مجدداً موقفها الداعم للمسيرة السلمية فى المنطقة، الذى أكدنا مراراً بأن السلام العادل والشامل لن يتحقق فيها الا باستعادة الحقوق العربية المشروعة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية المحتلة فى فلسطين، وجنوب لبنان وهضبة الجولان، وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطنى الفلسطينى، وعاصمتها القدس الشريف حتى يمكن للجميع جنى ثمار السلام فى ظل مناخات التعايش والتعاون والاستقرار .
الأخوة المواطنون ..
الأخوة المؤمنون فى كل مكان ..
إننا ونحن نستقبل هذه المناسبة الجليلة لا ننسى أن نوجه التحية والتهانى والتبريكات إلى كل فرد من أبطال قواتنا المسلحة والأمن المرابطين فى مختلف مواقع الشرف والفداء والواجب فى الجبال والسهول والأودية، وفى الصحارى والجزر ومياهنا الإقليمية حراس أمناء للوطن وسيادته وأمنه واستقراره ومكاسبه وانجازاته وجنود أوفياء فى مختلف ميادين العطاء والبناء من أجل وطن مزدهر قوى
مرة أخرى نكرر التهانى بالشهر الفضيل.. داعياً وسائلاً الله سبحانه وتعالى أن يمكننا من طاعته والامتثال لأوامره وتجنب نواهيه، وأن يعيننا جميعاً لأداء فريضة الصوم على أكمل وجه وخير أداء إنه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .