خطاب الأخ رئيس الجمهورية بمناسبة العيد الوطني السابع لقيام الجمهورية اليمنية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين..
الأخوة المواطنون الأحرار..
يا أبناء شعبنا في الوطن والمهجر..
يسعدني في هذا اليوم المجيد الذي نحتفل فيه بالعيد الوطني السابع لقيام الجمهورية اليمنية أن أزف إليكم أجمل التهاني والتبريكات بهذه المناسبة الغالية التي حقق فيها شعبنا أروع انتصاراته بإنجاز الوحدة الهدف الإستراتيجي للثورة اليمنية.. والحلم التاريخي العظيم الذي ظل يراود أبناء شعبنا عقوداً طويلة من الزمن عاشها في ظل التشطير والتمزيق والصراعات ففي مثل هذا اليوم ومنذ سبع سنوات مضت أنهى شعبنا ليل التشطير الكثيب واستقبل فجر الوحدة بنوره الو ضاء ليلتئم شمل الأسرة اليمنية الواحدة ويبدأ في تاريخ الوطن عهد جديد من الانطلاق صوب الاستقرار والنماء والتقدم ولم يكن الطريق إلى الوحدة سهلاً بل كانت دونه صعاب وتحديات ومؤامرات وعواصف كثيرة أحاطت بهذا الإنجاز الوطني القومي التاريخي العظيم منذ لحظات ميلاده إلا أن شعبنا المناضل المؤمن بالله والمتمسك بوحدته استطاع أن ينتصر لإرادته في الوحدة تماماً كما انتصر لثورته.. وأفشل كل المراهنات الخاسرة للنيل منها وسجل في صفحات تاريخه النضالي ملحمة بطولية جديدة هي ملحمة الدفاع عن الوحدة وحماية الديمقراطية والشرعية الدستورية التي أخمد خلالها فتنة الانفصال والحرب ودحر المخطط المستهدف تمزيق الوطن وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
لقد ضمدنا أيها الاخوة كل الجراح وعلينا الآان أن نتطلع إلى المستقبل بروح جديدة متفائلة خالية من كل التراكمات والحسابات القديمة لنبني وطناً جميلاً تسوده المحبة والإخاء والتسامح وترفرف فوق ربوعه رآيات الحرية والديمقراطية والسلام والوئام.
الأخوة والأخوات..
لقد شهدت بلادنا قبل أيام قليلة حدثاً ديمقراطياً كبيراً تمثل في الانتخابات النيابية العامة التي جرت يوم السابع والعشرين من إبريل 1997م وفي موعدها المحدد وسط تفاعل وطني كبير واهتمام دولي واسع حيث جسد شعبنا العظيم خلالها بحماسه وتفاعله وإقباله الواسع على صناديق الاقتراع صورة حضارية مشرفة عكست حقيقة تمسكه بالديمقراطية ووعيه السياسي العالي الذي نال إعجاب وتقدير المراقبين الدوليين والمحليين وممثلي وسائل الأعلام المحلية والعربية والدولية الذين شهدوا للانتخابات بالنزاهة والحرية والعدالة وحسن الأعداد والتنظيم من قبل اللجنة العليا للانتخابات.
وإنها لمناسبة نهنئ فيها جماهير شعبنا بنجاح الانتخابات.. كما نعبر لهم جميعاً رجالاً ونساءً أحزاباً ومنظمات عن بالغ الشكر والتقدير على ما جسدوه من وعي وحرص وتفاعل إيجابي من أجل المشاركة في هذا العمل الوطني الكبير الذي مثل نجاحه إسهاماً حضارياً جديداً يضاف إلى رصيد شعبنا في مجال التداول السلمي للسلطة والمشاركة السياسية فيها بالوسائل الديمقراطية الحضارية مؤكداً بذلك تصميمه على إنجاز مشروعه الحضاري الجديد.
والتواصل مع حضارته القديمة التي ازدهرت في ظل نهجه الشوروي والانطلاق نحو المستقبل الآمن والمزدهر في ظل راية الجمهورية اليمنية بإذن الله.
وما من شك فإن الفائز الحقيقي في تلك الانتخابات هو الشعب والمنتصر الأول هو الديمقراطية التي سوف تتعزز وتتطور بالاتجاه الذي يرسخ وجودها وينمي نجاحاتها كأساس لا بديل عنه لمبدأ التداول السلمي للسلطة وبناء المجتمع المدني الحديث الذي هو مسئولية الجميع في السلطة والمعارضة معاً؛ ذلك أن المعارضة الوطنية البناءة هي الرديف والوجه الآخر للحكم في النظام السياسي الديمقراطي فلا ديمقراطية حقيقة دون وجود معارضة قوية بناءة تقوم الاعوجاج وتنبه إلى الأخطاء لما فيه تحقيق المصلحة العامة ولا قيود أو حواجز أمام الديمقراطية سوى ما يضر بوحدة الوطن واستقلاله واستقراره أما فيما عدا ذلك فليتنافس المتنافسون من أجل مصلحة الوطن.
وبعيداً عن الفوضى والعبث والاستهتار فاليمن هي منبع الحضارة والشورى وموطن الإيمان والأمان والحكمة والتسامح وشعبنا الأصيل المتمسك بدينه وعروبته يؤمن بالانفتاح على الآخرين والاستفادة من تجاربهم الإيجابية دون جمود أو انغلاق أو تفريط في عقيدته ومبادئه السامية النبيلة.
وما نود أن نوكده بأن الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة واحترام الرأي والرأي الآخر وحقوق الإنسان ستظل هي الخيار الحضاري الأمثل الذي لا حياد عنه للبناء والتقدم وترسيخ أسس الدولة اليمنية الحديثة وتحقيق المشاركة السياسية الأوسع لكل أبناء الوطن وقواه السياسية والاجتماعية وهي شأن يمني غير قابل للتصدير يخص أبناء شعبنا اليمني الذي اختاروه نهجا لحياتهم انطلاقا من إرادتهم الحرة وقناعتهم الراسخة بذلك.
الأخوة المواطنين الأعزاء..
الآن وبلادنا تتهيأ لمرحلة جديدة بعد أن قال شعبنا كلمته عبر صناديق الاقتراع ونال ثقته من نالها فإن المهام المستقبلية والأولويات الملحة ينبغي إنجازها من قبل الحكومة الجديدة بهمة ومثابرة للمضي قدماً في جهود الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري واجتثاث الفساد ومظاهر التسيب الإداري وحماية المال العام.. وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة وتطبيق مبدأ حيادية الوظيفة العامة وإخضاعها لشروط قانون الخدمة المدنية وتعزيز كل النجاحات والإنجازات التي تحققت في الماضي.
ونحث السلطتين التشريعية والتنفيذية على التعاون المتكامل فيما بينهما من أجل مواصلة جهود تعزيز البناء المؤسسي للدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على الحرية والعدل وسيادة النظام والقانون وإنجاز التقسيم الإداري على أسس وطنية وتطوير الإدارة المحلية من خلال انتخاب المجالس المحلية وإعطاء المزيد من الصلاحيات المالية والإدارية للسلطات المحلية في المحافظات والمديريات وبما يجسد اللامركزية المالية والإدارية ويكفل إحياء الروح التعاونية في المجتمع لترجمة أهداف التنمية على أساس التكامل والتعاون بين الجهدين الشعبي والرسمي.
ونوجه الحكومة بتعزيز البناء الاقتصادي وتوسيع قاعدة الاقتصاد الحر واستكمال بناء الهياكل الأساسية للتنمية في الجمهورية وبما يحقق عدالة التوزيع للمشاريع الخدمية والإنمائية وتوسيع منافعها على جميع فئات المجتمع في كافة مناطق الجمهورية وتشجيع الاستثمار وتقديم كافة التسهيلات اللازمة للمستثمرين طبقاً لقانون الاستثمار وتوسيع قاعدة الاستثمار في مجالات الثروات النفطية والغازية وتطوير القطاعات الصناعية والسمكية والزراعية والسياحية واستكمال تنفيذ البرنامج الوطني لاستصلاح الأراضي الزراعية وتوزيعها على ذوي الدخل المحدود والتوسع في بناء السدود والحواجز المائية ومتابعة إنجاز مشروع المنطقة الحرة بعدن وبما يوفر للدولة موارد جديدة ويتيح فرص عمل للمواطنين في كافة المجالات كما نوجه الحكومة بأن يكون من أولويات مهامها رفع مستوى التعليم من خلال توحيده وإصلاح أي اختلالات فيه وتطوير العملية التربوية والتعليمية والتوسع في التعليم المهني والفني وتحديث التعليم الجامعي ودعم البحث العلمي وتوظيفه لخدمة المجتمع.
الأخوة .. الأخوات..
إننا نشعر بالارتياح للتنامي المستمر الذي تشهده علاقات بلادنا مع الدول الشقيقة والصديقة وفي المقدمة دول الجوار حيث سنظل نولي تعزيز علاقات بلادنا مع تلك الدول وتطوير مجالات التعاون معها كل الاهتمام على أساس التعاون والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
كما أن الجمهورية اليمنية وانطلاقاً من موقفها الثابت ستظل حريصة على دعم كل ما من شأنه لم شمل الصف العربي واستعادة التضامن بين أبناء الأمة العربية ولقد حان الوقت أن يستفيد الجميع في وطننا العربي من الماضي وأن يستلهموا دروسه وعبره.. فلا مستقبل للامة إلا بالتضامن والوحدة ولعله ليس بخافٍ ما تقوم به إسرائيل اليوم من صلف وتعنت لنسف مسيرة السلام وبناء المستوطنات الجديدة في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة والتنصل من كل اتفاقاتها الموقعة مع أشقائها الفلسطينيين.
ونتطلع بأن يتحمل المجتمع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مسئولياتهم لإنقاذ مسيرة السلام من مخاطر التطرف الإسرائيلي.
مؤكدين موقفنا المبدئي في الجمهورية اليمنية بدعم مسيرة السلام على أساس تحقيق السلام العادل والشامل الذي يكفل استعادة الحقوق العربية المشروعة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.. ذلك هو السلام العادل والدائم الذي يكفل للمنطقة الأمن والاستقرار والتعايش السلمي بين شعوبها.
الأخوة المواطنون الأعزاء:
إننا ونحن نحتفل بهذا اليوم المجيد نتذكر بمزيد من العرفان والوفاء والتقدير ذلك الدور النضالي البارز الذي قام به أبناء القوات المسلحة والأمن وإسهامهم الفاعل في صنع فجر الثورة اليمنية( 26سبتمبر و14 أكتوبر) وتحقيق الوحدة في الـ(22من مايو) 1990م والدفاع عنها عندما أحدقت بها المخاطر والتحديات ببسالة وفداء نادرين حتى تحقق النصر مقدمين في سبيل ذلك أغلى التضحيات وأروع البطولات متواصلين بهذا مع مسيرة حافلة بالنضال والعطاء والتضحيات وفي هذه المناسبة الغالية في سبيل الانتصار لإرادة الشعب في الحرية والاستقلال والتقدم.
نزف التهاني الصادقة إلى كل أبطال القوات المسلحة والأمن الذين سيظلون الدرع الواقي للوطن والمدافع عن أمنه وسيادته واستقلاله وحريته ونؤكد بأننا سنظل نولي هذه المؤسسة الوطنية الكبرى كل الاهتمام والرعاية وتحسين مستوى منتسبيها وتعزيز القدرة الدفاعية لبلادنا وتطوير أجهزة الأمن تأهيلاً وتنظيماً وتدريباً وتقديم الرعاية الكاملة لأسس شهداء الثورة والجمهورية والوحدة والواجب والاهتمام بالمعاقين وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ختاماً أكرر التهاني لكم.. سائلاً الله العلي القدير أن يتغمد أرواح شهداء الوطن بواسع رحمته وغفرانه.. وأن يسدد على طريق الحق والخير خطانا ويلهمنا جميعاً الرشاد.. إنه نعم المولي ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.