حديث رئيس الجمهورية لصحيفة العرب اللندنية نوفمبر2006
استقطب اليمن خلال الأسبوع الماضى الأضواء الاقليمية والدولية من خلال انعقاد مؤتمر للمانحين بلندن خصص لاقتراح السبل وتوفير الدعم المالى الضرورى لإعادة هيكلة الاقتصاد اليمني، وحضرت هذا المؤتمر أطراف عديدة أبرزها دون شك مجلس التعاون الخليجى ثم الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية.. الرئيس اليمنى على عبد الله صالح حضر فعاليات الملتقى اللندنى وألقى خطابا كشف فيه عن الخطة العملية التى أعدتها بلاده للتعاطى مع نتائج هذا المؤتمر وكيفية توظيف المال الممنوح للنهوض بالشروط الاقتصادية والاجتماعية باليمن. وقد ركزت وسائل الإعلام التي حضرت بأعداد كبيرة تغطياتها على نشاط الرئيس اليمني، الذى خص العرب دون غيرها بمقابلة مطوّلة وأجاب عن أسئلتها رغم جرأتها وملامستها مساحات من الإحراج التي لا يريد المسؤولون العرب عموما الحديث عنها، لكن على عبد الله صالح أجاب عن أسئلتنا دون حسابات وبأريحية كبيرة.. فكان الحوار التالي:
* ما سر حماسة اليمن لمؤتمر المانحين، هل سيقدم لكم مليارات الدولارات مجانا ودون ضمانات، أم هناك مقابل خفى سيدفع اليمن لحيازة هذا الرضي الدولي؟ !
— الرئيس: حماسنا لمؤتمر المانحين الذى انعقد فى لندن وحقق نجاحا باهرا ينطلق من أنه يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الحقيقية بين المانحين من الأشقاء والأصدقاء سواء المانحين التقليديين فى الاتحاد الأوروبى والمؤسسات والمنظمات الدولية أو أشقائنا فى دول مجلس التعاون الخليجى الذين تربطنا بهم علاقات إخاء متينه. ومن ضمن ما يستهدفه المؤتمر هو دعم جهود التنمية فى اليمن والتسريع باندماج الاقتصاد اليمنى مع إقتصاديات الأشقاء فى دول مجلس التعاون الخليجى والدعم الاقليمى والدولى الذى حظيت به اليمن فى المؤتمر يعكس التقدير للنهج الذى انتهجته اليمن سواء على الصعيد السياسى أو الديمقراطى أو على صعيد الاصلاحات ومكافحة الارهاب.
-العرب: معنى ذلك أنكم مرتاحون للنتائج؟ !
— الرئيس: نعم نحن مرتاحون جدا للنتائج التى أسفر عنها المؤتمر وراضون عنها لأنها تصب لمصلحة اليمن ومسيرة التنمية فيه.
-العرب: هل سيعين هذا المؤتمر اليمن على بناء اقتصاد قوى أم أن التعقيدات الإدارية والهيكلية وظاهرة الفساد ستمنع المهمة؟ !
— الرئيس: بالطبع ستسهم نتائج المؤتمر والتعهدات المالية التى قدمها المانحون من الأشقاء والأصدقاء فى مساعدة بلادنا على سد الفجوة التمويلية وايجاد التمويلات اللازمة لخطط التنمية وبالذات الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتى تتضمن مشاريع تنموية استراتيجية سوف تساعد على مكافحة الفقر والحد من البطالة وتوفير فرص عمل وهذا ما نسعى إليه فى خططنا التنموية وهو التحدى الذى نواجهه حاليا. ونحن عازمون بإذن الله على الاستفادة من تلك النتائج التى حصدناها فى مؤتمر لندن وتحقيق الغايات المنشودة فى التنمية وبناء اقتصاد قوى ولعلك تابعت وقائع المؤتمر فلقد أوضحنا ما قطعته اليمن من أشواط فى مسيرة الاصلاحات سواء الاقتصادية أو المالية والادارية والقضائية أو مكافحة الفساد ولدينا أجندة وطنية شاملة فى هذا المجال ونحن نواصل السير على درب الاصلاحات وترجمة ما اشتملت عليه تلك الأجندة وحاليا يناقش البرلمان قانونين هامين هما قانون المناقصات والمزايدات وقانون مكافحة الفساد واللذين سوف يكفلان انشاء هيئتين مستقلتين للمناقصات والمزايدات ومكافحة الفساد.
-العرب: زيارتكم الأخيرة للسعودية والتقاؤكم خادم الحرمين، هل يمكن اعتبارها الخطوة الأخيرة فى مساعى كسر الجليد مع هذا البلد الشقيق، وهل يمكن أن تحسم كل الملفات العالقة بين بلديكما!؟
— الرئيس: العلاقات اليمنية السعودية علاقات إخاء متطورة وهى اليوم فى أفضل حالاتها وزيارتنا الأخيرة للمملكة العربية السعودية ولقاؤنا مع أخى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يأتى فى إطار التشاور المستمر بين قيادتى البلدين وتجسيدا لما وصلت إليه تلك العلاقات الأخوية الحميمة من مستوى متقدم.. وما من شك فانه بالتوقيع على معاهدة جدة التاريخية لترسيم الحدود بين البلدين تم إغلاق الملف الحدودى الشائك بين البلدين ولم تعد هناك أى ملفات عالقة بينهما، لقد فتحت صفحة جديدة فى مسار العلاقات الأخوية بين البلدين التى شهدت انطلاقة كبيرة نحو آفاق رحبة واسعة يجنى ثمارها الشعبان الشقيقان اليمنى والسعودى وتترجم آمالهما وتطلعاتهما وتحقق الخير والازدهار لهما.
-العرب: فى سياق متصل، هل إن الصفاء القائم حاليا مع الرياض يعنى أنكم كسبتم معركة العضوية فى مجلس التعاون الخليجي، أم يلزمكم جهد جديد مع الأعضاء الخمسة الآخرين فى المجلس؟ !
— الرئيس: كما قلت لك لنا علاقات أخوية متينة ومتطورة مع المملكة العربية السعودية وكذلك مع بقية دول مجلس التعاون الخليجى سواء فى الإطار الثنائى أو فى إطار منظومة مجلس التعاون الخليجى وتربط اليمن بدول المجلس علاقات خاصة تستند على الإخاء ووشائج القربى وحسن الجوار والمصير الواحد، فاليمن هى جزء لا يتجزأ من النسيج الجغرافى والاجتماعى والمكون الثقافى لدول الجزيرة والخليج. وهناك قواسم مشتركة كثيرة والجهود متواصلة من الجميع من أجل تحقيق الاندماج بين اليمن وأشقائه فى دول مجلس التعاون الخليجى والذى فيه مصلحة وخير للجميع وخدمة للأمن والاستقرار فى المنطقة.
-العرب: التطمينات التى قدمت لبعض الوجوه المعارضة فى الخارج من أجل العودة إلى الوطن هل هى تطمينات ظرفية انتهت بانتهاء الانتخابات، أم ثمة رغبة حقيقية فى الانفتاح على كل ألوان الطيف السياسى وفق رؤية للحريات لا تستثنى أحدا؟ !
— الرئيس: نحن نؤمن دوما بسياسة التسامح والحوار والانفتاح الايجابى على الآخرين ولقد دعونا وما نزال من كانوا فى الخارج من أبناء الوطن إلى العودة إلى وطنهم والاسهام فى مسيرة بنائه وهذه الدعوة ليست وقتية أو مرتبطة بالانتخابات بل هى دعوة سابقة ولاحقة للانتخابات وتنطلق من قناعتنا، بأن الوطن ملك الجميع ومسؤولية بنائه مسؤولية كافة أبنائه دون استثناء ووطننا يعيش مناخات ديمقراطية تعددية حقيقية تسمح بتعدد الآراء والقناعات المهم أن يعمل الجميع من أجل الوطن فى إطار الالتزام بالثوابت الوطنية واحترام الدستور والقانون.
-العرب: المتابعون لشؤون الحكم فى الوطن العربي، لاحظوا اتجاها بارزا إلى توريث الزعماء الحكم لأبنائهم حتى صار البعض يتحدث عن نمط جديد من الحكم يمكن وصفه ب “الجمهوريات الوراثية” فهل تعتبرون هذا الأمر مشروعا وهل تعدون نجلكم لخلافتكم “بعد عمر طويل”؟ !…
— الرئيس: هذا سؤال تكرر طرحه وسبق أن تمت الاجابة عنه.. فيما يخصنا نحن فى اليمن نظامنا هو نظام جمهوري ديمقراطى والدستور اليمنى يحدد طريقة إختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر.
-العرب: بعض المتابعين للشأن العربى يقولون إن المشاريع الوحدوية فى المنطقة العربية تفشل دائما فى صياغة تجارب تنموية ذات قيمة لأنها ترفض الديمقراطية والاختلاف وتركز على الكاريزما، فهل تصالح المشروع الوحدوى فى اليمن مع الديمقراطية أم طغت فيه شخصية الزعيم وتم تطويع السلطات والمؤسسات السياسية لصلاحياته؟ !..
— الرئيس: لا شك أنك تتابع ما يجرى فى اليمن.. لقد اقترن اعادة تحقيق وحدة وطننا اليمنى فى الـ22 من مايو 1990 بالديمقراطية التعددية التى أصبحت خيارا ثابتا وصائبا لا حياد عنه لقد عانى وطننا فى الماضى من الشمولية سواء حكم الفرد أو الحزب الواحد ولكن الديمقراطية التى انتهجها شعبنا والقائمة على التعددية الحزبية والسياسية وحرية الرأى والصحافة ومشاركة المرأة واحترام حقوق الانسان كانت هى السبيل الأمثل لتحقيق التطلعات الوطنية المنشودة وتجسيد أهداف الثورة اليمنية “26 سبتمبر و14 أكتوبر” وبناء مستقبل أفضل للوطن.. لقد مارس شعبنا الديمقراطية بحماس وتفاعل خلاق لما لمسه من نتائج وتحولات ايجابية على صعيد واقعه فى ظل راية الديمقراطية.. وقطعنا شوطا متقدما فى الممارسة الديمقراطية الحقيقية التى ارتكزت على مبدأ المشاركة الشعبية الواسعة فى صنع القرار وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه.. ومن المؤكد أنه فى ظل الديمقراطية لا مجال للفردية أو الشمولية بل الدور للمؤسسات التى يسهم الشعب فى تشكيلها بارادته الحرة وعبر صناديق الاقتراع ومن خلال الدستور واليوم يعيش اليمن فى ظل دولة المؤسسات ويشهد حراكا ديمقراطيا واسعا سواء عبر الممارسة السياسية للأحزاب والتنظيمات السياسية أو حرية الصحافة أو مؤسسات المجتمع المدنى ولقد جرت فى اليمن ومنذ إعادة تحقيق الوحدة 3 انتخابات برلمانية ودورتان انتخابيتان للرئاسة ومثلها للمحلية والآن نحن بصدد اجراء تعديلات على قانون السلطة المحلية بما يكفل انتخاب المحافظين ومدراء المديريات فى الوحدات الإدارية وذلك فى إطار توسيع نطاق المشاركة الشعبية وفى تصورنا أن الديمقراطية قد عمقت الوحدة ورسختها ومثلت الحصانة الحقيقية لها.
-العرب: هناك مفارقة لم نستوعبها بعد، فاليمن الوحدوى قام بعد معارك طويلة ضد الاستعمار، وعرفتم بنقدكم اللاذع للهيمنة الأمريكية على المنطقة ودعمها اللامشروط لاسرائيل، لكن نلاحظ تنسيقا قويا بين صنعاء وواشنطن فى ما يسمى بالحرب على الإرهاب، هل هو التقاء مصالح، أو هو تحالف استراتيجى ظرفي؟ !
-العرب: علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية كما غيرها من الدول علاقة تقوم على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.. واليمن دعمت الجهود الدولية لمكافحة الارهاب ومنها جهود الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقا من قناعتنا الوطنية بأن الارهاب آفة دولية خطيرة تهدد أمن الجميع ولقد عانت اليمن كثيرا من الإرهاب الذى ألحق ضررا بالغا باقتصادنا الوطنى وبالتنمية.. وفيما يتعلق بموقفنا من الصراع العربى الاسرائيلى فهو موقف واضح ومبدئى وينطلق من قناعتنا بأن على اسرائيل أن تلتزم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وأن تنسحب من الأراضى العربية المحتلة وتقر بحق الشعب الفلسطينى بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى وعاصمتها القدس فذلك هو السبيل الذى يحقق السلام العادل والشامل فى المنطقة ونحن نطالب الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى بأن تضطلع بمسؤوليتها الأخلاقية فى إلزام اسرائيل بالكف عن عدوانها المستمر على الشعب الفلسطينى وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وهذا فى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ومصلحة جهود مكافحة الإرهاب والأمن ومصلحة الاستقرار فى المنطقة.
-العرب: يشهد العراق حربا أهلية غير معلنة، حيث التقتيل الطائفى والتهجير بالتوازى مع التدخل الدولى بدءا من الاحتلال الأمريكى والتدخل الايرانى وانتهاء بالتغلغل الاسرائيلي، لماذا إلى حد الآن ليس هناك تدخل عربى فاعل إلا بالتصريحات المجارية للخطاب الأمريكي؟ !..
— الرئيس: ما يجرى فى العراق الشقيق أمر مؤسف ومحزن جدا ومن حق العراق على أشقائه العرب الوقوف إلى جانبه لكى يتجاوز محنته لأن انعكاسات ما يجرى فى العراق وتداعياتها المستقبلية ستلقى بآثارها السلبية على الجميع ولا يجوز أن يقف العرب فى موقع المتفرج على ما يجرى فى العراق من أحداث محزنة وخطيرة تكرس الانقسام بين أبنائه وتهدد أمن العراق ووحدته وسلامة أراضيه ومستقبل أجياله.. ولهذا لا بد من تحرك عربى فاعل باتجاه تبنى الحوار والمصالحة بين أبناء الشعب العراقى بمختلف فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية وعدم ترك العراق وحيدا يعانى التمزق والانقسام لأن ذلك سوف يكون له انعكاساته الخطيرة على الجميع وعلى الأمن والاستقرار والسلام فى المنطقة..
-العرب: اعتمادا على تجربتكم السياسية كيف تقرأون مستقبل الأمة العربية، وهل نحن مقبلون فعلا على المجهول؟ !..
— الرئيس: الأمة العربية بخير إذا ما تعزز التضامن والتلاحم والوحدة بين أبنائها وتم ادراك مخاطر الانقسام والتشتت الذى يؤدى إلى الضعف والهوان وبقاء الحال العربى الراهن لا يخدم إلا أعداء الأمة الذين يتربصون بها ولا يريدون لها الخير.. ولهذا فان مستقبل الأمة مرهون بإدراك واع لحقائق هذا الواقع العربى الذى نعيشه والذى يستدعى وقفة مسؤولة تستلهم المستقبل الأفضل.. إن لدى الأمة العربية امكانات وطاقات هائلة ينبغى استغلالها لمصلحة الأمة وأجيالها القادمة وهذا يأتى من خلال توحيد الصفوف والرؤى وتفعيل العمل العربى المشترك وتحقيق التكامل فى المصالح والمنافع وتبادلها بين الشعوب العربية.. لقد سبق لليمن أن قدمت رؤية من خلال الجامعة العربية من أجل ايجاد آليات فعالة للعمل العربى المشترك وفى اطار رؤية حول نظام عربى جديد أكثر طموحا لتحقيق التطلعات والمصلحة القومية العليا وهو موضوع أمام الأشقاء لتدارسه.. ونحن نعتقد أنه حان الوقت لكى يدرك الجميع فى وطننا العربى أن قوة الأمة وازدهارها يكمن فى وحدتها وتضامنها ودون ذلك فانه المجهول الذى يهدد الأمة ومستقبلها.