حديث الأخ رئيس الجمهورية في المؤتمر التقيمي السنوي لقادة القوات المسلحة
يسرني وأنتم تعقدون المؤتمر التقييمي السنوي للعام التدريبي المنصرم 1998م أن أهنئكم وعبركم إلى كل زملاء السلاح وضباط وصف وجنود القوات المسلحة والأمن في كل مواقع الشرف والواجب في الجبال والسهول والأودية وفي كل الشواطئ والجزر ومياهنا الإقليمية وأينما كانوا بانعقاد هذا المؤتمر وأعياد الثورة اليمنية الخالدة الـ 26 من سبتمبر والـ 14 من أكتوبر والثلاثين من نوفمبر ..متمنياً لمؤتمركم النجاح والتوفيق ..
وأعبر عن الاعتزاز الكبير لكل المواقف الوطنية الشجاعة التي سجلها أبناء القوات المسلحة والأمن الباسلة في سبيل الانتصار لإرادة شعبنا في الثورة والحرية والاستقلال والتقدم ..حيث قدموا التضحيات الغالية في سبيل الدفاع عن الثورة وصنع فجر الـ22 من مايو 90م وخوض ملحمة الدفاع المستميت عن وحدة الوطن ضد من حاولوا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وتمزيق الوطن وهي الملحمة التي ستظل محفورة في وجدان كافة أبناء شعبنا .
وفي الملحمة التي لم يكن لها مثيل في كل المعارك والمواجهات التي خاضها أبناء شعبنا وقواته المسلحة.. وكان الانتصار العظيم يوم 7 يوليو 1994م وهو التتويج الرائع لتلك الملحمة البطولية الخالدة التي لم ينصفها للأسف حتى الآن الكتاب والمؤرخون أو المثقفون في الوطن ولم تنل ما تستحقه من اهتمامهم وإبداعاتهم .
لقد برهنت قواتنا المسلحة الباسلة بتضحيات قياداتها ومنتسبيها الأبطال أنها كانت وما تزال الصخرة الصلبة التي تحطمت عليها كافة المؤامرات المستهدفة النيل من الوطن وقدرته ووحدته وسيادته واستقلاله وأمنه واستقراره ومكاسبه وإنجازاته .
لهذا فإن المتآمرين والانقلابيين ما فتئوا يستهدفون النيل من هذه المؤسسة الوطنية الكبرى وتشويه دورها والإساءة لقياداتها ومنتسبيها ؛ لأنها المؤسسة التي أفشلت كل ما يحيكونه من مؤامرات على الوطن وعلى الشرعية الدستورية..إنني أشد على أيديكم جميعاً مباركاً النجاحات الباهرة التي حققتها قواتنا المسلحة خلال العام التدريبي المنصرم على كافة مستويات البناء والتدريب والتأهيل وإعادة الجاهزية القتالية والتطوير ولم يكن ذلك ليتحقق لو لم تبذل الجهود المخلصة في سبيل ذلك ..وكنتم جميعاً قيادات وأفراداً عند مستوى المسئوليات المنوطة بكم .
إنكم وأنتم تعقدون مؤتمركم السنوي أجدها فرصة لأضعكم بإيجاز في الصورة في مجمل القضايا والمستجدات التي تهم وطننا وشعبنا ومنطلقاتنا وتوجهاتنا المستقبلية والتحديات التي ينبغي مواجهتها وصولاً إلى تحقيق كافة الأهداف والغايات الوطنية المنشودة .
إن الترابط بين النجاحات في السياسة الداخلية والخارجية باعتبارهما يمثلان معاً منظومة واحدة متكاملة ومترابطة .
إن بلادنا قد انتهجت الديمقراطية خياراً للبناء وترجمة للآمال والتطلعات الوطنية نحو المستقبل الأفضل ..وحققت بلادنا في ظل تمسكها بالديمقراطية قولاً وفعلاً نجاحات مشهودة وعلى كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها ..حيث اقترنت الديمقراطية بالتعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان وفتح الأبواب واسعة أمام المشاركة الشعبية وتجسيد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه.
ونحن حريصون على الدوام على إرساء تقاليد ديمقراطية عريقة تنبذ الكبت والعنف وتضمن التداول السلمي للسلطة عبر التنافس من خلال الانتخابات ونيل ثقة الشعب عبر صناديق الاقتراع .
ومن المؤسف أن البعض يفهم الديمقراطية بصورة خاطئة وبخاصة أولئك الذين وضعوا أيديهم في أيدي أعداء الوطن والثورة والوحدة وأستغلوا المناخات الديمقراطية ورأوا فيها مجالاً خصباً لممارستهم الضارة بالمصالح الوطنية العليا وفهموا الديمقراطية بأنها الفوضى وحمل معاول الهدم والتخريب والإساءة للوطن ومصالح الآخرين والتشكيك في كافة المنجزات والمكاسب الوطنية وفي مقدمتها ما حققته قواتنا المسلحة والأمن.. حيث لم تنج هذه المؤسسة من سهام تآمرهم وإساءاتهم وهذا ليس بمستغرب لأن القوات المسلحة هي العين الساهرة والقوة الضاربة التي وقفت وما تزال بالمرصاد لكل مؤامراتهم المستهدفة النيل من الوطن ووحدته ومكاسبه وإنجازاته ..
ولهذا فإن عليكم كحماة للوطن وإنجازاته أن تكونوا على درجة عالية من الوعي واليقظة للتصدي الحازم لكل من تسوّل له نفسه المساس بأمن الوطن واستقراره وكل ما يحققه من مكاسب في ظل رآية الثورة والوحدة والديمقراطية ..
لقد أفرزت المتغيرات الاقتصادية الدولية والأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التي أفرزت انعكاساتها السلبية على كثير من الدول وبخاصة في ظل الانخفاض المستمر في أسعار النفط ولم تنجُ بلادنا من تلك الآثار بل أن الظروف التي مرت بها اليمن بدءاً من عودة مليون ومائتي ألف مغترب يمني إلى الوطن بسبب تأثيرات حرب الخليج الثانية مروراً بفتنة الأزمة والحرب والانفصال التي أشعلها الانفصاليون ومن تحالف معهم في الوطن لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وما تحملته بلادنا من أعباء نتيجةً لذلك بالإضافة إلى الممارسات الفاسدة للعناصر الانفصالية التي حملت معاول الهدم والتخريب.
بالإضافة إلى ما خلفته الحرب من دمار وخسائر في الأرواح والأموال والإمكانات وما يتطلبه الوضع بعد تحقيق الانتصار من تسخير للإمكانات المتوفرة لإعادة بناء ما دمرته الحرب .
ومع ذلك فإن الجهود الدؤوبة التي بذلت لمعالجة الإختلالات الاقتصادية وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي قد أثمرت نتائج جيدة في إيقاف التدهور الاقتصادي وتحقيق الاستقرار النسبي في سعر صرف العملة الوطنية والنمو الاقتصادي.. واستطاعت بلادنا بفضل نهج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري أن تحظى بثقة ودعم الدول الصديقة المانحة والمنظمات والصناديق النقدية الدولية الممولة التي وقفت إلى جانب بلادنا ودعمت جهودها الإصلاحية ومسيرة التنمية .
كما أنه بفضل جهود وعطاءات كل المخلصين في القوات المسلحة والأمن ترسخ الأمن والاستقرار في الوطن مما شجع الكثير من أصحاب رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية على الاستثمار في بلادنا ونحن متفائلون بالمستقبل..ومع كل ذلك أيها الأخوة فإن الأمر يتطلب من مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة القوات المسلحة والأمن الوعي بالصعوبات التي يواجهها اقتصادنا الوطني وأن التغلب على تلك الصعوبات يتطلب تضافر الجهود جميعاً والحرص على المال العام والممتلكات العامة وترشيد الإنفاق والحد من الإنفاق على أمور غير مؤثرة أو ضرورية ويمكن تأجيلها إلى وضع اقتصادي أفضل .
والولاء الوطني يفرض عليكم في القوات المسلحة والأمن الاضطلاع بمسئولية مكافحة التهريب وتضييق الخناق على المهربين في كافة المنافذ البرية والبحرية نظراً لما يشكله استفحال ظاهرة التهريب من أضرار بالغة ومخاطر على اقتصادنا الوطني فهو تدمير للاقتصاد ونهب للمال العام .
أحث الأخوة قادة القوات المسلحة على مواصلة جهود البناء والتطوير في القوات المسلحة في إطار الالتزام ببرنامج الإصلاح المالي والإداري والاستغلال الأمثل لكافة الإمكانيات المتاحة وتوظيفها بما يكفل تنفيذ الأهداف والمهام المطلوبة والتطبيق الفعال لمبدأ الثواب والعقاب وبما نم شأنه مكافأة المحسنين والمجدين على أعمالهم والعقاب لكل المتسيبين والمخلين بأداء واجباتهم وبما يجعل من مؤسسة القوات المسلحة والأمن كما عهدناها دوماً القدوة والنموذج والمثل الأعلى .
إن ما وصلت إليه المفاوضات الحدودية بين بلادنا والمملكة العربية السعودية ..وإن الجهود المتواصلة لإيجاد حل أخوي عادل ومُرضٍ ..إن بلادنا التي ترتكز علاقاتها الخارجية مع كافة الدول الشقيقة والصديقة على مبدأ العلاقات المتكافئة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة ورفض اللجؤ إلى القوة في حل المشاكل العالقة بين الدول ..قد نالت بذلك النهج المبدئي المتزن ثقة واحترام وتقدير الآخرين ومثل هذا النهج هو الذي أسهم في حل قضية الحدود ودياً مع سلطنة عمان الشقيقة وهو الذي أسهم في حل قضية جزر حنيش مع دولة إرتيريا عبر التحكيم الدولي .كما أنه ذات النهج والموقف الثابت الذي أتبعه اليمن في مفاوضاته من أجل حل قضية الحدود مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية الشقيقة .
إن اليمن وإرتيريا بصدد التفاوض والحوار لترسيم الحدود البحرية بينهما وهناك مراسلات الآن بهذا الشأن لحل المسألة ودياً وبما لا يتعارض مع عملية التحكيم الدولي ..فإذا توصل البلدان إلى اتفاق عبر الحوار الودي لترسيم الحدود البحرية بينهما ما لم فالتحكيم الدولي يظل قائماً بينهما لحل هذه المسألة .وأؤكد أهمية مواصلة عمليات التدريب والإعداد والتأهيل وتنفيذ المشاريع التكتيكية والمناورات في إطار خطط التدريب المقرة من وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة ..وأشيد بالمستوى الذي وصلت إليه قواتنا المسلحة في مجال كفاءتها واقتدارها.
سيسجل التاريخ اليمني في أنصع صفحاته بأن القوات المسلحة اليمنية تتواجد اليوم ولأول مرة على كافة الأراضي والجزر اليمنية بما فيها تلك الأراضي والجزر التي لم يسبق لأي قوات يمنية التواجد فيها من قبل سواء أيام الحكم الأمامي أو الاستعماري أو في ظل عهد التشطير البغيض، إن هذا الانتشار الواسع للقوات المسلحة في مختلف المناطق اليمنية براً وبحراً يفرض أمام أفراد القوات المسلحة مهام إضافية ينبغي الاضطلاع بها بكل كفاءة واقتدار وتلك ضريبة الدفاع الوطني التي نثق أن أبناء القوات المسلحة والأمن يدفعونها بسخاء.. وأن الأعباء والمهام وتحمل مشاق الدفاع عن الوطن هو محط تقدير وعرفان القيادة السياسية وكل أبناء الشعب اليمني الذي يعتز بقواته المسلحة والأمن ورجالة الأشاوس ..أتمنى في الختام للاخوة القادة ومؤتمرهم النجاح والتوفيق والخروج بقرارات وتوصيات إيجابية تعزز مسيرة البناء والتحديث والتطوير في القوات المسلحة والأمن .