المقابلة الصحفية التي أجرتها صحيفة (النهار) اللبنانية مع الأخ رئيس الجمهورية
النهار/ لنبدأ بالمحور العربي ودول الجوار الخليجي.. يرى المراقب في علاقاتكم بالمملكة العربية السعودية نزاعاً مزمناً كيف حال العلاقات اليوم؟
الرئيس:علاقاتنا بالمملكة العربية السعودية هي علاقات تاريخية بين بلدين وشعبين جارين تربطهما الكثير من الأواصر الوثيقة ووشائج الإخاء والدم وحسن الجوار ولقد تعرضت هذه العلاقات منذ ستين عاماً وتحديداً منذ العام 1934م حتى الآن لحالات من المد والجزر إلا أننا في اليمن ظللنا حريصين على أن تسود روح الإخاء وحسن الجوار هذه العلاقات، وأن يسود التفاهم والتعاون بين البلدين وأن تقوم علاقاتهما على أساس الود والاحترام المتبادل والجهد المثمر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما .
وتغلبنا بحمد الله على الكثير من الصعوبات والتحديات التي برزت أمام تلك العلاقات وبخاصة أثناء حرب الخليج الثانية في العام1990م وبعدها تلك الحرب التي أسيء ويا للأسف فهم موقف اليمن منها، وسعى خلالها البعض إلى تعكير صفو العلاقات بين البلدين الجارين اليمن والسعودية وقلنا دوماً إن المستقبل هو لعلاقات التعاون بين البلدين وأن الأحداث هي مجرد ظروف طارئة وعابرة وهكذا سعينا إلى التحاور مع الأشقاء في المملكة لحل المشاكل العالقة وعلى رأسها مشكلة الحدود وعلى قاعدة لاضرر ولاضرار.
فنحن لا ننشد إلا الخير لأشقائنا ونؤمن بالتعاون مع الأشقاء إلى أقصى الحدود.. وأعلنت ذلك بعد ما تم دحر العناصر الانفصالية عام 1994م وأكدت لقادة الدول الشقيقة وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية أن وحدة اليمن هي عامل أمن واستقرار وسلام في منطقة شبه الجزيرة والخليج وعلى أساس روح الإخاء والجوار تم التوصل إلى مذكرة التفاهم مع المملكة العربية السعودية في شهر شباط من عام 1995م لحل مشكلة الحدود وفقاً لمعاهدة الطائف نصاً وروحاً وكمنظومة متكاملة.. نحن واثقون من أن رؤيتنا لمشكلة الحدود والعلاقات الأخوية بين البلدين وفق منظور المستقبل والأجيال هي التي ستجعل الحدود جسوراً للتواصل الأخوي والتعاون وستفتح الأبواب لتبادل المصالح والمنافع المشتركة على مصراعيها، لأن علاقات الإخاء المبنية على الاحترام المتبادل هي التي ستسود وتفرض وجودها .
النهار/ الكويت بدورها وفي سياق تصنيفها للأعداء والأصدقاء في واقعة الغزو العراقي، تعتبر اليمن منحازاً إلى العراق فما قولكم؟
الرئيس: شاب العلاقات اليمنية الكويتية سوء فهم وفتور نتيجة الاعتقاد الخاطئ لدى أشقائنا في الكويت، أن اليمن كان مؤيداً للغزو العراقي للكويت ، وهذا خطأ لأن موقف اليمن واضح ولم يتغير وهو إدانة الغزو ومبدأ اللجوء إلى القوة لحل الخلافات بين الأشقاء، والحرص على حل المشاكل عبر الحوار والطرق السلمية التي تجنب المنطقة ويلات الحرب الدمار.. ومع ذلك فنحن ليس لدينا مشكلة في علاقاتنا مع الأشقاء في الكويت ونحن حريصون على عودة تلك العلاقات إلى ما كانت عليه قبل أزمة الخليج الثانية ، مع العلم أن الحوار قائم باستمرار بين الحريصين في كلا البلدين على أن تستعيد تلك العلاقات عافيتها، وهناك حالياً سفارة كويتية في صنعاء رغم أن الأشقاء في الكويت يرفضون إعادة فتح السفارة اليمني في الكويت، ومع ذلك عندما يرى الأشقاء في الكويت أن الوقت مناسب لعودة العلاقات الأخوية بين البلدين إلى طبيعتها وإلى ما كانت من الصفاء والود، فإن اليمن على استعداد لذلك وليس ثمة مشكلة لدينا في هذا الجانب .
النهار/ ما هي طبيعة علاقاتكم بإيران، وكيف تقوَّمون دورها في الخليج؟
الرئيس: العلاقات بين اليمن وإيران علاقات طبيعية مثلها مثل أي علاقات قائمة مع بلد إسلامي شقيق.. هناك تبادل للزيارات بين المسؤولين والوفود الرسمية.. وهناك تبادل تجاري وإن كان على مستوى محدود.. وهناك رغبة لدى الجانبين في تطوير العلاقات والدفع بها إلى الأمام على قاعدة تحقيق المصالح المشتركة .
نحن عموماً نرى في إيران دولة إسلامية كبيرة في إمكانها أن تلعب دوراً فاعلاً في إطار المجموعة الإسلامية وفي نطاق المنطقة اقصد ” الجزيرة والخليج ” انطلاقاً من الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية القديمة بين الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.
إن ما ينبغي أن يسود في علاقات إيران مع أشقائها وجيرانها، هو البحث عن القاسم المشترك الذي يحقق التقارب بين الجميع
ويزيل أي شكوك أو هواجس بهدف التعاون المثمر .
النهار/فجأة إريتريا انقضت على جزيرة حنيش الكبرى ، وكادت الحرب أن تقع، أين أصحاب القضية هذه الأيام وما هي طبيعة العلاقات بين اليمن وإريتريا؟
الرئيس: تربطنا بإريتريا علاقات جيدة منذ أن استقلت هذه الدولة وكان لليمن دور في دعم نضال الشعب الإريتري من أجل نيل الاستقلال في الوقت الذي ننسى أبداً الموقف الجيد لإريتريا أثناء فتنة الحرب وإعلان الانفصال التي جرت في صيف 1994م ولكن جاءت ويا للأسف تطورات الاحتلال الإريتري لجزيرة حُنيش الكبرى وعكرت صفو العلاقات، ونحن نأمل أن تعود العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه وفي كل الأحوال نحن حريصون على علاقات حسن الجوار مع الشعب الإريتري وسنعمل بكل إمكاناتنا لتجاوز آثار ما حدث في جزيرة حنيش الكبرى بما يحقق المصالح المشتركة بين الشعبين اليمني والإريتري .
وبالطبع استفدنا الكثير من درس جزيرة حنيش والأهم من ذلك هو إعطاء اهتمام اكبر لجزرنا سواء في البحر الأحمر أو البحر العربي والمحيط الهندي والاهتمام بتطويرها وتعزيز القوة الدفاعية والأمنية لبلادنا في المجال البحري وتطويرها بما يحافظ على جزرنا وشواطئنا ويصون ثرواتنا في المياه الإقليمية، وإجمالاً يمكن القول أن دور اليمن في منطقة القرن الإفريقي ينطلق من رؤية استراتيجية ترى في أمن هذه المنطقة واستقرارها أمراً حيوياً للأمن اليمني وللأمن القومي العربي، وأن من المصلحة الوطنية والقومية أن تقام علاقات وثيقة وتعاون إيجابي مع هذه الدول .
النهار/ يبدو اليمن كأنه طريد فردوس مجالس التعاون والروابط والتجمعات وخصوصاً مجلس التعاون الخليجي والكومنولث فما هو السبب؟
الرئيس: بالنسبة إلى سعي اليمن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي فإن ذلك ينطلق من أن اليمن لاعتبارات الجغرافية والعقيدة واللغة والرؤية الاستراتيجية جزء لا يتجزأ من نسيج المنطقة والخليج التي تنضم دولها في |إطار تكتل إقليمي واحد ، هو مجلس التعاون لدول الخليج العربي وبالتالي فإن انضمام اليمن إلى هذا التكتل الإقليمي أمر طبيعي وضروري لأن هناك صلات ووشائج من القربى والجوار تربط الشعب اليمني بأشقائه من شعوب دول منطقة الجزيرة والخليج وما يجري في أي من بلدان هذه المنطقة ينعكس بآثاره مع بقية البلدان، كما أن هناك إمكانات كبيرة لتكامل المصالح الاقتصادية وتبادل المنافع والتعاون والتنسيق فيما من شأنه دعم الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، باعتبار الأمن منظومة متكاملة وحلقة مترابطة وليس انطلاقاً من كل ذلك قدم طلباً رسمياً للانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربي خلال الاجتماع الذي عقده قادة هذه الدول في الدوحة .
أما فيما يعلق بالكومنولث فقد عرض على بلادنا أثناء زيارة مالكولم ريفكند وزير الخارجية السابق من حزب المحافظين الانضمام إلى رابطة دول الكومنولث باعتبار أن عدن كانت محمية بريطانية وأيضاً لأسباب اقتصادية حيث يمكن أن تحقق لليمن فائدة اقتصادية وإقامة مصالح مشتركة مع تلك الدول .
وفيما يخص الانضمام إلى تجمع دول المطلة على المحيط الهندي فإن اليمن من تلك الدول وهو يرغب في التعاون الاقتصادي والتجاري والبيئي معها .
النهار/ ألا تعتقد أن الوضع العربي يحتاج إلى لملمة في ضوء عقبات السلام الحالية؟ هل لليمن رأي في الدعوة إلى قمة عربية للتصدي للانهيار الحاصل؟
الرئيس: نحن نعتقد في اليمن أنه في ضوء التطورات الراهنة في المنطقة والمأزق الذي تعيشه عملية السلام بعدما تنكرت حكومة الليكود الإسرائيلية بزعامة نتانياهو لاتفاقات السلام وسعت إلى إجهاض الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني ورفضت استئناف التفاوض مع سوريا من حيث كان قد توقف في عام 1996م وأيضاً محاولات دق إسفين بين سوريا ولبنان بإعلان إسرائيل رغبتها في التفاوض حول الانسحاب من جنوب لبنان نعتقد أن الوقت ملائم لعقد قمة عربية للنظر في قضايا محددة وواضحة واتخاذ الخطوات الممكنة إزاءها ونرى أن يسبق عقد القمة الإعداد الجيد وأن يتركز جدول الأعمال على أهم القضايا الملحة وهي إيجاد موقف تضامني عربي إزاء التطورات الجارية في المنطقة .
النهار/ ما هو موقف اليمن من التطبيع مع إسرائيل وما هي حدوده؟
الرئيس: فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل فإن اليمن ليس في عجلة من أمره وعندما يتحقق السلام وفقاً للمعايير والأسس التي أوضحناها آنفاً فإنه ليس هناك ما يمنع أن يتم ذلك التطبيع إذا ما اقتضت ذلك مصلحة اليمن والمصلحة العربية وفي إطار ما تقره الأمة العربية .
النهار/العلاقة بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية يعتبرها البعض لغزاً من الألغاز كما أنها لا تخضع للتصنيفات التقليدية ..ما هي حقيقة العلاقات اليمنية الأمريكية؟
الرئيس: سادت العلاقات مع الولايات المتحدة بعض الشوائب خلال حرب الخليج الثانية عام 1990م بسبب غزو العراق الكويت وسوء الفهم للموقف اليمني الذي حرص على مشكلة الغزو عبر الحوار والحلول السلمية ورفض الحرب لأننا كنا ندرك المخاطر والتبعات في اللجوء إلى القوة والحرب لحل الخلافات بين الأشقاء، كما كنا في الوقت ذاته ندرك تبعات الوجود الأجنبي في المنطقة وما سيجره على الواقع العربي من انعكاسات سلبية نراها اليوم عبر ما يسود ذلك الواقع من شتات ناهيك عن التبعات الأخرى .
وبعد ثماني سنوات تقريباً من تلك الحرب المؤسفة استطعنا في ظل تفهم الأصدقاء الأمريكيين أن نتجاوز الكثير مما شاب العلاقات اليمنية الأمريكية من فتور نسبي ، حيث استعادت تلك العلاقات انطلاقتها وتطورها نحو آفاق أوسع من التعاون والشراكة الإيجابية المثمرة .
وهناك مصالح اقتصادية أمريكية في اليمن تتطور باستمرار حيث هناك الكثير من الشركات الأمريكية التي تعمل في بلادنا سواء في مجال النفط أو الغاز وغيرها من المجالات الاقتصادية والتنموية ونحن نتطلع إلى مزيد من الاستثمارات الأمريكية في اليمن ونرحب بها ونشجعها ونتوقع ازديادها خلال الفترة المقبلة وهناك مؤشرات إيجابية في هذا الصدد، كما أن تبادل الزيارات بين المسئولين في البلدين مستمر ومتواصل وهي تزداد باطراد مع تنامي القناعات المشتركة لدى الجانبين بأهمية تطوير العلاقات اليمنية الأمريكية ولما فيه مصلحة الشعبين اليمني والأمريكي .
إن الولايات المتحدة تدرك أهمية الجمهورية اليمنية وحيوية الدور الذي يمكن أن تعلبه في المنطقة في إطار دعم الاستقرار والسلام فيها، لهذا عبرت السياسة الأمريكية عن دعمها للتوجهات اليمنية سواء في مجال إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م أو في الدفاع عنها، عندما تعرضت لمؤامرة الحرب وإعلان الانفصال، وكان الموقف الأمريكي إيجابياً في هذا الجانب لأن صناع القرار الأمريكي يرون أن الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية يمثلان عنصراً مهماً وأساسياً لدعم الاستقرار والسلام في هذه المنطقة الحيوية للمصالح الأمريكية والدولية .
كما أن الولايات المتحدة تنظر بتقدير وإعجاب إلى النهج الديمقراطي اليمني القائم على التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والصحافة واحترام حقوق الإنسان وترى في ذلك النهج اليمني تجربة جديرة بالاحترام والتقدير والدعم لأنها تواكب العصر وتتواءم مع الأهداف الأمريكية في نشوء الديمقراطيات الليبرالية في العالم .
النهار / ماذا عن العلاقة بين اليمن ودول الاتحاد الأوروبي خصوصاً أن ثمة مصادفة تاريخية بين سيرة ألمانيا وسيرة اليمن؟
الرئيس: لليمن علاقات جيدة ومتطورة مع أصدقائه شرقاً وغرباً وفيما يتصل بالعلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي فإن تلك العلاقات جيدة ومتنامية التطور في كل المجالات سواء مع فرنسا التي لدينا معها تعاون ممتاز ومصالح كثيرة تزداد باطراد ونحن مرتاحون إلى هذه العلاقات وندفع باتجاه تطويرها وتعزيزها في كل المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية أو مع ألمانيا التي تمثل العلاقات معها حالة نموذجي مثلى حيث تقدم ألمانيا دعماً سخياً لبلادنا لصالح مسيرة التنمية والديمقراطية وهناك خصوصية في هذه العلاقات ترتبط بالتجربة المتماثلة التي عاشها البلدان في ظل التشطير، وكذا ما بذلاه من جهود من أجل استعادة وحدتيهما التي ساعدت المصادفة الحسنة أن تتحققا في العام نفسه ، ناهيك ما واجهه البلدان من قضايا ومشكلات متقاربة نتجت عن عمليات إعادة الاندماج الوطني التي تمت في كلا البلدين والتغلب على آثار التشطير بعدما تحققت الوحدة في كل منهما بالطبع مع فارق الإمكانات والظروف والخصائص النفسية والثقافية والحضارية لكلا البلدين، ونحن حريصون على تنمية العلاقات اليمنية – الألمانية وتطويرها ع بر تشجيع الاستثمارات الألمانية وتوسيع آفاق التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين الصديقين .
النهار / هل النفط في اليمن يجعلكم تراهنون على الخروج من دائرة الفقر والتخلف؟
الرئيس: استخراج النفط في اليمن اقترن بدرجة أساسية بتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي أولاً في ما كان يسمى الجمهورية العربية اليمنية وبعد ذلك في الجمهورية اليمنية بعد إنجاز وحدة الوطن .
فعندما تسلمت مسؤولية الحكم قبل 20عاماًَ فيما كان يسمى الجمهورية العربية اليمنية كانت الأوضاع لا تشجع أي مستثمر أو شركة أجنبية على الإقدام على أي مغامرة للاستثمار في البلاد وتدريجياً أمكن تحقيق ذلك الاستقرار وتهيئة المناخات المناسبة للاستثمار في البلاد حيث تعززت الثقة لدى المستثمرين .
وعلى رغم أن الكميات المكتشفة كانت متواضعة إلا أنها كانت بداية مشجعة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات في المجال النفطي وأيضاً لتطوير الاستكشافات وعمليات التنقيب في مناطق الامتياز .
ويبلغ حجم الإنتاج النفطي حالياً نحو 450 ألف برميل يومياً وهي كمية متواضعة، حيث أن نصف تلك الكميات يذهب لصالح الشركاء وبقية الكمية توظف لتلبية حاجات اليمن أولاً للاستهلاك الداخلي حيث يستهلك نحو نصف تلك الكمية داخلياً كذلك فإن عائدات ما يتبقى من الكمية يتم بواسطتها تلبية متطلبات البلاد في شراء المواد الغذائية والطبية والسلع الضرورية إضافة إلى تغطية إيرادات الموازنة العامة للدولة ونحن نعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات صادراتنا النفطية في تحقيق ذلك حيث لا موارد إضافية يمكن الاعتماد عليها بشكل رئيسي في دعم الموازنة، نحن دولة نامية ولدينا الكثير من الهموم التنموية ولا شك في أن استغلال ثرواتنا النفطية والمعدنية وتطوير الاكتشافات النفطية والغازية في مناطق الامتياز الممنوحة للشركات النفطية وتشجيع المستثمرين.. في هذا المجال تحتل أولوية في سياستنا واهتماماتنا لتعزيز الاقتصاد الوطني ونأمل النجاح في ذلك إن شاء الله .
النهار / ألا تخشون كما تخشى بعض الدول العربية أن تتحول التجربة الديمقراطية في اليمن إلى حقيقة واقعة قابلة للتصدير؟
الرئيس: لقد كافح الشعب اليمنية طويلاً وقدم تضحيات غالية وجسمية من أجل الحرية ومناوأة التسلط والاستبداد والديكتاتورية أياً كانت فردية أم حزبية لهذا يقدر شعبنا كثيراً معنى الحرية بنضاله من أجل نيلها والديمقراطية في مضمونها هي امتلاك الحق في التعبير عن الرأي بكل حرية دون خوف أو قمع وممارسة الحق في المشاركة في صنع القرار واختيار الحكام عبر صناديق الاقتراع بنزاهة وقناعة، والحق أيضاً في أن يتنافس الجميع أفراداً وأحزاباً بشرف ومسؤولية من أجل الإسهام في مسيرة البناء في الوطن والتداول السلمي للسلطة .
والديمقراطية وفقاً لذلك المفهوم القائم على التعددية الحزبية واحترام حرية الرأي والصحافة واحترام حقوق الإنسان هي الخيار الذي يتمسك به شعبنا ويتجسد في واقع حياته اليوم ممارسة وسلوكاً ونهجاً لا حياد عنه.. ونحن دائماً نقول أن الديمقراطية ربما كانت صعبة أو مكلفة لدى البعض، لكن الأسوأ من ذلك هو غياب الديمقراطية نفسها !
ونحن نرى أن الديمقراطية منظومة متكاملة بشقيها الحاكم والمعارض، حيث يكمل كل منهما الآخر ، فالمعارضة هي الوجه الآخر للحكم والرديف الآخر له كما أن المعارضة تستمد مشروعيتها من مشروعية الحكم نفسه وينبغي أن يتعود الناس والأحزاب على التنافس الشريف في البقاء فوق كراسي السلطة أو إخلائها والانتقال إلى ساحة المعارضة إذا ما فرضت إرادة الناخبين ذلك ونحن نرى ونؤمن بأن التجربة الديمقراطية في بلادنا هي شأن يمني غير قابل للتصدير ولا يعني أحداً غير أبناء الشعب اليمني إذ لكل شعب خياراته وخصوصياته وتجاربه التي يختارها عن رضى وقناعه وهي تجارب متاحة أمام الآخرين للاستفادة منها وفقاً لقناعتهم ورضاهم ونحن قطعاً نستفيد من التجارب الناجحة لأشقائنا وجيراننا وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها وهذا أمر طبيعي ومرغوب .
النهار / لقد حقق علي عبد الله صالح إنجازين تاريخيين عكس التيار الأول الوحدة في عصر التقسيم والبلقنه والثاني الديمقراطية في الحزب الواحد والزعيم الأوحد ألا تخاف عليهما؟
الرئيس: ما حققناه بحمد الله لشعبنا من مكاسب وإنجازات سواء في مجال الوحدة والحفاظ عليها أو الديمقراطية أو في المجال التنموي شيء نعتز به وهو تحقق بفضل الله أولاً وبفضل الإرادة القوية والتفاعل الإيجابي الخلاق لجماهير شعبنا التي ساندت خطانا وجهودنا ولك الخيرين في وطننا من أجل أن يتحقق لشعبنا ما يصبوا إليه من وحدة وحرية واستقرار ونهضة وتقدم على طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة القوية والمزدهرة ولا شك في أن تلك الإنجازات هي اليوم ملك الشعب اليمني صاحب المصلحة الحقيقية في وجودها والحفاظ عليها وصيانتها بل تطويرها نحو الأفضل لهذا لا نخاف على تلك الإنجازات لأن الشعب هو المعني بالدفاع والذود عنها وحمياتها وهذا ما تم بالفعل عندما برزت المخاطر والتحديات التي زرعها الانفصاليون للارتداد عن الوحدة وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء فقد هب الشعب اليمني كله رجالاً ونساءً وشباباً وشيوخاً من أقصى الوطن اليمني إلى أقصاه للتصدي للمؤامرة التي استهدفت وحدته وسعت لمحاولة تمزيقه مرةً أخرى .
وبالمثل فإن الديمقراطية هي إنجاز كبير سيحافظ عليه اليمنيون ولن يفرطوا به أبداً وهم يثرونه بممارستهم المسؤولة لحقوقهم الديمقراطية التي كفلها الدستور والقانون وبحرصهم على المشاركة في الإدلاء بأصواتهم عبر صناديق الاقتراع لانتخاب من يريدونه ممثلاً لهم سواء في البرلمان أو في المجالس المحلية حيث يجري حالياً الإعداد لقانون الإدارة المحلية والذي سيتيح أمام المواطنين المجال واسعاً لاختيار من يمثلونهم في السلطة المحلية .
وعلي عبد الله صالح هو في النهاية مواطن من هذا الشعب أسندت إليه مسؤولية القيادة في مرحلة تاريخية معينة فأدى واجبه انطلاقاً من اجتهاده أو إخلاصه لوطنه وشعبه وسواء أصاب أو أخطأ فإن ذلك متروك للتاريخ والشعب أن يقيمّا ويحكما على ما حققه خلال تلك المرحلة .
النهار / ما هو دور الحزب الاشتراكي في الحياة السياسية في اليمن اليوم في ظل الديمقراطية والتعددية الحزبية بعد حرب الانفصال وتثبيت الوحدة؟
الرئيس: لنأخذ تجربتنا مع الماركسيين في اليمن لماذا قاتلوا في حرب الانفصال قاتلوا من أجل السلطة لقد حاولنا أن لا نضيق الخناق عليهم على رغم ارتكابهم خيانة كبرى أعلنا العفو العام وهم اليوم في المعارضة، وكما نأمل أن يعيد الحزب الاشتراكي ترتيب أوضاعه ويصبح حزباً مدنياً ونحن نريد بالفعل للحزب الاشتراكي أن يعيد ترتيب أوضاعه وتغيير برنامجه السياسي وإدانة من قاموا بالحرب والانفصال من قيادته لأننا نريده أن يكون حزباً يؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة وبذلك نحقق التوازن المطلوب ولكن للأسف بعد كل الذي جرى ما زال الحزب الاشتراكي متمترساً بالماضي ولم يغير أسلوبه وخطابه السياسي والإعلامي وهو بذلك يثير حساسية كبيره بين الناس. فالجروح لم تندمل بعد .
النهار: لو أعيد ترميم الحزب الاشتراكي ألا يكون لك في رفقته ما هو أفضل لك من تحالفك مع حزب الإصلاح بشقيه القبلي والإسلامي؟ ثم إن تهميش الحزب الاشتراكي يضع الوحدة موضع الاتهام بأنها وحدة التهام لا وحدة التمام؟
الرئيس: نحن شجعنا الحزب الاشتراكي على أن يكون قوةً سياسية فاعله على رغم ما فيه وعلى رغم ما اقترفته قيادته في حق الوطن من جريمة الحرب والانفصال وليس لنا أي خصومة سياسية مع الحزب الاشتراكي، بل نحن نرحب به قوةً معارضة في الساحة يمارس دوره على أساس وطني وفي أحد لقاءاتنا مع قيادته الحالية قلنا لهم لابد للحزب أن يغير سلوكياته ونهجه الماضي وأن يعيد ترتيب أوضاعه بروح جديدة تستوعب المتغيرات التي شهدها الوطن اليمني وبما يتلاءم أيضاً مع واقع التعددية السياسية والحزبية في البلاد، فالحزب لم يعد موجوداً في السلطة وعليه أن يكيف نفسه حالياً مع موقعه في المعارضة ويهيئ نفسه لكسب ثقة الناس وقلنا لهم أيضاً لابد للحزب أن يدين فتنة الحرب وإعلان الانفصال الذي أشعلتهما قيادته لكن بعض هذه القيادات الاشتراكية مازال متمترساً بالماضي ولا يريد أن يتغير بل أن بعضهم ولأسباب خاصة ومصالح ذاتية يروج أن الشمال قد التهم الجنوب وأن الوحدة هي وحدة ضم وإلحاق وذلك لأنه فقد المزايا والمكاسب التي كان ينالها عندما كان في السلطة.
هو لا يرى الوحدة إلا من خلال منظار تحقيق مصالحه الشخصية ولكنك إذا قمت اليوم بعملية استطلاع في اليمن لوجدت كم هو كبير عدد المستفيدين من الوحدة، فالوحدة لم يحققها الحزب الاشتراكي وليس هو الممثل الشرعي والوحيد للمحافظات الجنوبية والشرقية وليس لأحد حق ادعاء الوصاية على أي حزب من الوطن شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباًَ منذ الوحدة.. ظهرت قوى سياسية واجتماعية كثيرة ومختلفة على الساحة، كما أن عدداً من الذين شردهم الحزب الاشتراكي من أبناء المحافظات الجنوبية إلى الخارج عادوا ليشاركوا في الحياة السياسية والحياة العامة.. الحزب الاشتراكي يستطيع أن يكون قوةً سياسية فاعلة إذا ما استعاد ثقته بنفسه والناس وغير نهجه الشمولي وتصرفات بعض قيادته الطائشة والمغامرة .
النهار: ألا تعتقد أن التيار الإسلامي بكل تفرعاته في اليمن يشكل خطراً على الديمقراطية والتعددية؟ ما هي وجهة نظرك الشخصية في التيارات الإسلامية في العالم العربي وكيف تقومها.؟
الرئيس: من ميزات الديمقراطية التنوع في التفكير، كل واحد منا له فكره الخاص ويظن أنه الفاهم الوحيد الذي يعرف أبعاد الأمور كلها ولا تنسَ أننا في بلد من العالم الثالث مازال المران الديمقراطي فيه محدوداً لكن ما تقوله عن خطر التيار الإسلامي مبالغ فيه ولي أنا شخصياً وجهة نظر في التيار الإسلامي في الوطن العربي .
كيف وصل إلينا هذا التيار؟ لقد نشأ وترعرع بدعم أمريكي وغربي ودعم بعض الدول العربية المحافظة ليقف في وجه المد الماركسي الشيوعي وقدم الأمريكيون والغرب دعماً للحركات والقوى الإسلامية لمواجهة الخطر السوفيتي والشيوعي .
وجاءت أفغانستان لتكون أبلغ مثال ودليل عل ذلك فبعثت أمريكا بالسلاح ومعه صواريخ (إستنغر ) إلى المجاهدين وقدت السعودية المال الذي اشترى هذا السلاح .
قبل ذلك في إيران دعمت أمريكا الحركة الإسلامية لاستبدال نظام الشاة وكانت اللعبة كبيرة كما ترى وأنا على اقتناع بأن هناك تنظيماًَ عالمياً واسعاً للحركة الإسلامية بعد انسحاب السوفيت وانتصار الإسلاميين في كابول وانهيار دول المنظومة الاشتراكية بدأ الغرب وأمريكا بالذات تحجيم هذا التيار الإسلامي لكن التيار كان قد كبر فتمرد على صانعيه.. والحركات الإسلامية ليست حركةً واحدة ولا موحدة ففيها المتطرف وربما الأقل تطرفاً.. اكبر تجربة لدينا هي مصر من أيام الملك فاروق إلى أيام جمال عبد الناصر مروراً بأيام أنور السادات وصولاً إلى عهد حسني مبارك.. كيف نشأت الحركة الإسلامية؟ وكيف قتل وأعدم زعماؤها؟ فكلما ازداد تطرف هذه الحركات ارتفع عدد القتلى من زعمائها .
خذ تجربة الجزائر أيضاً لما نجحت الجبهة الإسلامية في الانتخابات جاءت الحكومة وألغت الانتخابات وكان لنا وجهة نظر في هذا الموضوع أنه لو استمرت الانتخابات في الجزائر وفازت الجبهة الإسلامية لما حدث ما حدث لأن الجبهة كانت ستفشل في ممارسة الحكم وإدارة الدولة لأن هناك فارقاً بين إدارة الدولة وممارسة الحكم من جهة وفن الخطابة ووعظ الناس من جهة ثانية .
النهار: هل أنت من أنصار التضييق على الحركات الإسلامية؟
الرئيس:إن التضييق في رأيي على الحركة الإسلامية ومحاصرتها واضطهادها يزيد تطرفها، بينما السماح لها بأن تمارس حقوقها السياسية في إطار الدساتير والقوانين وفي إطار التداول السلمي للسلطة هو المخرج للجميع من المأزق لذا يجب أن لا ينزعج أحد إذا وصل الإسلاميون إلى السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية لأنهم سيسقطون أيضاً عن طريق الانتخابات الديمقراطية إذا التزم الكل شروط لعبة التداول السلمي للسلطة.
لقد جربنا الماركسيين وجربنا القوميين وجربنا الإسلاميين المتطرفين فلم ينجحوا بل فشلوا، المهم القبول بالديمقراطية والتعددية والمهم أن نحاور الإسلاميين لا أن نحاصرهم وأن نحتويهم بدلاً من مواجهتهم لعلنا نقنعهم بأن يقبلوا بمبدأ التداول السلمي للسلطة وممارستها.. إن الإسلاميين يشعرون بأن هناك هجمة شرسة وكبيرة جداً ضدهم تتهمهم بأنهم أصوليون وانهم يهدفون إلى الاستيلاء على السلطة بالعنف، علينا أن نحاورهم اكثر فلا نمارس الإرهاب الفكري والسياسي ضدهم حتى يرتدعوا هم عن ممارسة الإرهاب فلا يكون القمع هو الرد لأن البديل هو العنف الذي يولد الانفجار ونلتزم ما أمر الله به والأصل هو الإباحة .
النهار: أنت متهم بأنك تحتضن المتطرفين الإسلاميين من بعض الدول العربية؟
الرئيس:لقد أثيرت ضجة إعلامية مفتعلة روجها الانفصاليون حول وجود بعض العناصر المتطرفة أو ما يسمى الأفغان العرب.
اليمن من سياسته الثابتة إدانة الإرهاب والعنف والتطرف بكل أشكاله وصوره وهو لا يقبل على أراضيه أي متطرف كما أنه لا يسمح بقبول أي قوى أو أشخاص يمارسون نشاطاً معادياً لأي دولة شقيقة أو صديقة، كما في بعض الدول واليمن يؤمن بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد من البلدان ويرفض أن تكون أراضيه منطلقاً لنشاط معاد لأي دولة أيضاً .
والحقيقة أنه أثناء فترة الأزمة والحرب وإعلان الانفصال التي أشعلها الانفصاليون تسللت بعض تلك العناصر إلى اليمن أولاً وذلك لإمكانية دخول عدد من المواطنين العرب من جنسيات عربية متعددة إلى اليمن بسهولة نظراً إلى أن اليمن يسمح لمواطني معظم الدول العربية بالدخول إليه دون الحصول على(فيزا) دخول مسبقة وثانياً لأن تلك الفترة العصيبة التي عاشتها البلاد والتي سادت فيها المماحكات الحزبية قد أتاحت الفرصة لمثل تلك العناصر في التسلل ولكن بعد حرب صيف 1994م قامت الحكومة بإلزام هذه العناصر وكل من يشتبه فيه بممارسة التطرف أو أقام بطريقة غير مشروعة مغادرة البلاد لأن اليمن لن يقبل على أراضيه أي متطرف كائناً من كان .
النهار: الوجوه السياسية والعسكرية في اليمن لم تتغير، ومن المعروف في دول العالم أن الأشخاص الذين يخوضون حرباً في ظروف وطنية صعبة مثل حرب الانفصال يتغيرون فيأتي جيل جديد من السياسيين والعسكريين يتولى القيادة، ما حدث في اليمن هو العكس لقد استولى المنتصرون على موقع القرار والنفوذ ما تعليقك؟
الرئيس: أولاً.. نحن في ظل نظام يؤمن بالديمقراطية وهي بالنسبة إلينا نهج راسخ لا حياد عنه وليس لدينا أي حساسية من مشاركة الجميع في خدمة وطنهم سواء كانوا عسكريين أو مدنيين ماداموا قادرين على ذلك ومؤهلين له وتتطلب المصلحة الوطنية وجودهم ومشاركتهم لأننا نملك الثقة بأنفسنا ونتعامل مع الآخرين من منطلق المثل والقيم والمبادئ والتقدير لدور كل فرد.
والمعيار في إسناد أي دور أو مسؤولية إلى أي فرد لا يرتبط بشخصه أو منطقته أو عشيرته أو انتماءه الحزبي أو غير ذلك وإنما لكفاءته وقدرته على أداء واجباته.. فالمنصب هو تكليف لا تشريف، كما إننا دولة مؤسسات لا مجال فيها للهيمنة وممارسة النفوذ من أي شخص أياً كان .
وعموماً القادة العسكريون في بلادنا متواضعون ولم يصابوا بالغرور، كما لا ينطبق عليهم وصف لوردات الحروب وإذا كان أحدهم يظل يتحدث عن نفسه وبطولاته أو يتغنى بأمجاده العسكرية فإن ذلك شيء طبيعي ومن صفات البشر.